المالكي والمهمة المستحيلة
هل ينجح الجيش العراقي، بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي، في فعل ما عجز عنه بقيادة الاحتلال الأميركي؟ سؤال تجيب عنه أزقة وشوارع بغداد والبصرة والفلوجة وكركوك، وغيرها من المدن العراقية، خلال الأيام القليلة المقبلة، على وقع معارك سياسية تديرها المصالح الطائفية والمذهبية والقومية بين الشيعة والأكراد والسنة، الذين قدموا أمس «رؤيتهم» للفيدرالية أمام الهيئة الرئاسية لمجلس النواب العراقي.
وكان لافتاً في التسوية التي توصلت إليها «الأكثرية النيابية في العراق أنها رأت موعد جلسة البرلمان الأولى، منذ انتخابه، في 22 نيسان وليس في 16 آذار، تفادياً لمهلة ستة أشهر يحددها الدستور لتنظيم الإجراءات التنفيذية لتأليف الأقاليم، وبالتالي تطبيق الفيدرالية.
ولم تكد تمر أيام على حرب «العلم»، حتى اختلف العراقيون، هذه المرة، على تاريخ بأسره، خطّه نظام صدام حسين بسلسلة حملات ومجازر يُحاكم عليها منذ أشهر.
وليكتمل مشهد الفرقة والنزاع، ظهرت إلى العلن مطالبات سنية بإطلاق سراح صدام والعفو عن البعثيين كشرط للمصالحة الوطنية، في خطوة من شأنها إذكاء الانقسامات، وإثارة لغة التخوين، فيما يقف الاحتلال متفرجاً، بعدما غسل يديه من المسألة الأمنية، وإن كانت اعترافات قادته ــ ضمناً ــ بالفشل والعجز، تزيد من مأزقه في العراق، وهو ما أشار إليه صراحة قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جون أبي زيد بإعلانه أن تدريب جيش عراقي قادر على تولي زمام الأمور يحتاج إلى «سنوات»، فيما أعمال العنف الطائفي ستتواصل لـ«أشهر».
في خضم هذا كله، عاد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين إلى الواجهة بتوجيه زعيمه الجديد أبي حمزة المهاجر انتقادات للسنة لمشاركتهم في الحكومة العراقية، في ما بدا أنه محاولة من خليفة أبي مصعب الزرقاوي لفرض سطوته وإثبات حضوره في الساحة.
وبالتوازي مع الحروب السياسية، لم يلحظ الميدان اختلافاً أمنياً؛ عشرات القتلى والجرحى في تفجيرات لا توفر المقامات الدينية والأماكن المقدسة، فاستهدفت الاعتداءات ضريحاً لنجل الإمام علي الهادي في المقدادية، علماً أن ما دمره تفجير قبة مرقد العسكريين في سامراء لم يرمم بعد.
من جهة أخرى انتقلت الحرب بين طوائف العراق ومذاهبه إلى مجلس النواب الذي شهد جلسة عاصفة على خلفية مشروع قانون الفيدرالية، الذي يعارضه السنة بشدة.
وفي خطوة يُتوقع أن توسّع رقعة الخلافات، طالب زعماء عشائر سنية بالإفراج عن الرئيس المخلوع صدام حسين كشرط رئيسي لإنجاح مشروع المصالحة الوطنية، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول الجهة المستفيدة من طرح كهذا.
وبرز تطور لافت أمس بصدور تسجيل صوتي، هو الأول من نوعه، لأبي حمزة المهاجر، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وخليفة أبي مصعب الزرقاوي، انتقد فيه مشاركة السنة في الحكومة العراقية.
وفي وقت تسلمت فيه حكومة بغداد، أخيراً، قيادة الجيش العراقي من الاحتلال، في خطوة سبق أن تأجلت مرات عدة بسبب الخلافات، أطلق قائد القيادة الأميركية الوسطى جون أبي زيد سلسلة تصريحات تكشف مأزق الاحتلال الأميركي لهذا البلد.
وقدمت جبهة التوافق العراقية السنية مسودة مشروع قانون الى الهيئة الرئاسية لمجلس النواب العراقي حول "آلاليات والإجراءات التنفيذية لتأليف الأقاليم".
وقال نائب رئيس اللجنة القانونية في البرلمان سليم عبد الله إن "مضمون المشروع يتقاطع مع الكثير مما يتضمنه مشروع الائتلاف الموحد"، من دون أن يذكر تفاصيل إضافية.
وينص الدستور العراقي على تنظيم الإجراءات التنفيذية لتأليف الأقاليم في مدة ستة أشهر من أول يوم لانعقاد مجلس النواب، علماً أن الجلسة الأولى للبرلمان الجديد انعقدت في 16 آذار الماضي.
وقال النائب عن التحالف الكردستاني فؤاد معصوم "نحن أمام ارتباك، وفوجئنا بأن الوقت المحدد لهذا القانون مجاله ضيق جداً".
وحسم المشهداني الجدل باقتراح التصويت على المشروع، فنال تأييد 147 نائباً من أصل 188 حضروا الجلسة، ليعلن المشهداني بعد ذلك أن "الكتل السياسية والهيئة الرئاسية اتفقت، بعد الاتصال برئيس المحكمة الاتحادية، على اعتبار أن الجلسة الثانية للبرلمان في 22 نيسان هي الأولى"، وليست تلك التي عُقدت في 16 آذار.
في هذه الأثناء، طالب زعماء عشائر سنية، في مؤتمر في الحويجة شمال العراق، بالإفراج عن صدام "والعفو عن البعثيين وحل الميليشيات" باعتبارها " شروطاً أساسية للمصالحة الوطنية".
وأعلن أحد المشاركين في المؤتمر أن "مبادرة شيوخ العشائر في الحويجة يدعمها شيوخ الموصل وتكريت وسامراء والفلوجة والأنبار".
الى ذلك، انتقد أبو حمزة المهاجر مشاركة القادة السنيّون في الحكومة العراقية الحالية.
وأعرب المهاجر، في تسجيل صوتي على شبكة الإنترنت، عن ثقته بـ" قرب تحقيق النصر"، داعياً إلى "وحدة الإخوان في ساحة الوغى وأرض الجهاد".
وفي واشنطن، قال جون أبي زيد إن إنهاء العنف الطائفي في العراق "قد يستغرق أشهراً"، فيما تدريب جيش عراقي تدريباً "مناسباً قد يستغرق سنوات".
أضاف أبي زيد إن "العنف المذهبي في بغداد لا يزال مشكلة قاتلة محتملة إذا لم تتمّ السيطرة عليها"، معتبراً أن القوات العراقية «تقاتل، لكنها مثل الحكومة العراقية، لم تتحول بعد إلى قوة قادرة على تولي المسؤولية لضمان الأمن».
في هذا الوقت، سلم الاحتلال الأميركي أمس القيادة الرسمية للجيش العراقي الى حكومة نوري المالكي. ورأى قائد قوات الاحتلال الأميركية للعراق جورج كيسي أن "اليوم هو علامة فاصلة مهمة أخرى، ولكن ما زال أمامنا شوط ينبغي أن نقطعه".
ميدانياً، أعلنت الشرطة العراقية أن مسلحين فجروا ضريح عبد الله، نجل الإمام علي الهادي، قرب المقدادية في محافظة ديالى.
وقُتل 36 عراقياً وأصيب 57 بجروح في هجمات متفرقة، معظمها بسيارات مفخخة، في كركوك وتكريت والموصل وبغداد.
كذلك، أعلنت الحكومة العراقية، في بيان، " إعدام 27 إرهابياً" بعد إدانتهم بالقتل والاغتصاب.
وأعلن الاحتلال الأميركي مقتل ثلاثة من جنوده في اشتباكات في الأنبار والحويجة.
وقررت الحكومة العراقية إغلاق مكاتب قناة "العربية" لمدة شهر بسبب "تحريض القناة على الطائفية، ونشر معلومات غير دقيقة".
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد