المجلس الدستوري أزمة أخرى تنتظر لبنان بعد الرئيس
"حكومة السنيورة غير دستورية"، "قرارات الرئيس إميل لحود ليس لها أساس دستوري"، "مبادرة العماد ميشيل عون تتجاوز الدستور"، "الذين لم يحضروا جلسة انتخاب الرئيس يعطلون الدستور"، بمثل هذه "القذائف الدستورية" تتراشق الأطراف السياسية اللبنانية هذه الأيام.
أصبح الدستور سلاحا يشهره كل طرف في وجه الآخر، ويفسره كل فريق بما يوافق توجهه ويخدم طرحه السياسي في غياب مؤسسة مستقلة ومحايدة يتم التحاكم إليها.
مواقف يرى المحامي والمحاضر بالجامعة اليسوعية ببيروت زياد بارود أنها "تفسيرات سياسة مختلفة ومتناقضة" سببها "غياب المرجع الحيادي والمستقل الذي بإمكانه الاضطلاع بهذه المهمة".
والمجلس الدستوري هو الجهة الوحيدة التي لها صلاحية التقرير في مدى دستورية أعمال وقرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية، غير أن عمله متوقف في لبنان منذ سنتين تقريبا.
فبعد الانتخابات النيابية لعام 2005، أقر مجلس النواب المنتخب قانونا يعدل بعض أحكام القانون المنظم للمجلس الدستوري، وفي التاسع من يونيو/ حزيران 2006 صدر قانون عدّل آلية اختيار أعضاء المجلس العشرة.
وقد حصل هذا التعديل في ظل انتهاء عضوية بعض أعضاء المجلس الدستوري مما أدى عمليا إلى عدم تشكيله لغياب باقي أعضائه، ولا يزال هذا الوضع قائما حتى الآن.
غياب المجلس برأي أستاذ القانون العام في الجامعة اللبنانية وسيم منصوري "حرم لبنان من عامل أساسي يساعد على الاستقرار الدستوري والقانوني"، وتعطيله "جزء من التعطيل العام الذي يشمل الحياة السياسية".
ويحمل منصوري السياسيين "مسؤولية التعطيل نتيجة لتفسيراتهم المتناقضة"، موضحا "لو كان المجلس الدستوري موجودا هذه الأيام للعب دورا كبيرا في تخفيف الأزمة القائمة".
أزمة المجلس الدستوري لا تقل أهمية عن أزمة انتخاب رئيس جديد، بل هي أكثر تعقيدا وغموضا لأن أي طعن ولو بسيط في انتخاب الرئيس المقبل سيدخل لبنان في جدل التفسيرات الدستورية دون وجود آلية للحسم.
وحتى لو خرج لبنان من نفق البحث عن مرشح توافقي يشغل منصب الرئيس، فقد يدخل في نفق "الدستورية وعدم الدستورية".
وإذا كان التوافق على رئيس جديد للبنان "معجزة ممكنة" حسب تعبير وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر، فإن استكمال وانعقاد المجلس الدستوري معجزة أخرى لا تبدو ممكنة في الوقت الراهن.
فليس باستطاعة المجلس الدستوري الآن النظر في مسألة النصاب المطلوب لانتخاب رئيس الجمهورية -يقول بارود- "لكنه مدعو دستوريا إلى البت بهذه المسألة في حال حصول انتخاب رئاسي أعقبه طعن أمام المجلس، ولكن عمليا وفي غياب تشكيل هيئة المجلس بكامل الأعضاء فإن صلاحياته النظرية تبقى غير ممكنة التطبيق".
وبغض النظر عن أن "لبنان محروم منذ مدة طويلة من إمكانية التأكد من مدى ملاءمة أعمال السلطتين التنفيذية والتشريعية للدستور" كما يؤكد منصوري، فإن الأخطر من ذلك -في نظره- هو أنه "ليس هناك مرجع للبت في صحة انتخاب الرئيس أو في النصاب الدستوري اللازم لجلسة الانتخاب هل هو النصف زائد واحد أم الثلثان".
ويعتقد منصوري أكثر من ذلك أن المجلس الدستوري سيخضع بدوره للتجاذبات الخارجية والضغوط الدولية، خصوصا أن الأغلبية النيابية اعتبرت المجلس مؤسسة "تحت الوصاية السورية"، بينما اعتبرت المعارضة أن تعطيله يهدف إلى عرقلة البت في الطعون الانتخابية المقدمة أمامه خشية أن تصبح لقوى المعارضة أغلبية في البرلمان.
قد يعثر السياسيون اللبنانيون إذن على علاج توافقي لأزمة الرئيس، لكنهم بدون لا شك سيضطرون بعد ذلك للبحث عن علاج آخر لمجلس دستوري دخل غرفة الإنعاش منذ عامين وترك الدستور عرضة للتأويلات السياسية.
محمد أعماري
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد