المشتري تحت عيون «جونو»
بعد عشرين عاماً على استنساخ النعجة «دوللي»، حقّق العلماء إنجازاً علميّاً «مزدوجاً» في مغامرة البشر لاكتشاف الكون. ومثلما سجّل الاستنساخ قفزة نوعيّة في معرفة البشر لهويتهم البيولوجية (خصوصاً تركيبتهم الجينيّة)، يشكّل وضع مركبة الفضاء الأميركيّة «جونو» في مسار حول كوكب المشتري تعمّقاً في معرفة البشر في هويّتهم الكونيّة.
ويبرز أيضاً أن «جونو» هي أول مركبة تعمل بطاقة الشمس النظيفة، وتستطيع ارتياد الفضاء الكوني وكواكبه. وأطلقت من قاعدة «كيب كينيفرال» في ولاية فلوريدا في 5 آب (أغسطس) 2011. ودارت حول الأرض كحجر في مقلاع هائل، ثم افلتتها يد الأرض لتسير بصورة مباشرة تقريباً، نحو المشتري الذي نجحت في وضع نفسها في مسار حوله أمس 5 تموز (يوليو) 2016، بعد تشغيل صواريخ دفع ذاتي فيها.
وسجّلت «جونو» أيضاً أنها أول مركبة فضاء من صنع شركة خاصة تصل الفضاء الخارجي. إذ صنعتها «لوكهيد مارتن» التي تندرج ضمن 7 شركات تتخصّص في صنع الأسلحة للجيش الأميركي. وفي المقابل، كانت المركبة «غاليليو»، وهي أول مركبة دارت حول المشتري (1995) من صنع «مختبر الدفع النفّاث» في وكالة «ناسا». وصنعت «جونو» من معدن الـ»تيتانيوم» الفائق الصلابة كي تتحمل فيوض أشعة «إكس» التي تصدر عن المشتري. وبلغت كلفتها 1.1 بليون دولار.
مرّة ثانية؟ إنّه النضوج والتمرّس.
رأى علماء الـ «ناسا» أن نجاحهم في وضع مركبة ثانيّة في مدار حول المشتري يعني أنّهم بلغوا نقطة التمرّس في الأسس العلميّة لتلك العملية. وتذكيراً، انطلقت المركبة «غاليليو» التي أطلقت في خريف 1989، وصلت المشتري في شتاء 1995، مسجّلة سابقة في الدوران في مسار ثابت حوله. واستمرّت في الدوران لمدة 8 سنوات، قبل أن تتحطّم بالسقوط داخله في خريف 2003.
وحينها، أعلن علماء الـ»ناسا» أن سرعة السقوط والتحطّم يعنيان أيضاً أن «غاليليو» لم تنقل ميكروبات من الأرض إلى المشتري. ولفتت الـ»ناسا» الأنظار إلى هذا الأمر مجدّداً مع «جونو»، مشدّدة على أنها لن تنقل ميكروبات من الأرض إلى المشتري. وتعتبر تلك المسألة فائقة الحساسيّة، لأن العلم لا يملك حاضراً معرفة كافيّة بمفاعيل انتقال كائنات مجهريّة من كوكب إلى آخر، على رغم نظريات لا حصر لها، بل الاستعداد لنقل الكائن البشري نفسه، بكل مكوّناته ومحتوياته، إلى المريخ.
ويزيد في قوة الإنجاز أن المشتري يكاد يكون «شمساً» اخرى ضمن النظام الشمسي، بسبب جاذبيته الضخمة ولكونه مؤلّف أساساً من غازات، كحال الشمس، وكذلك لوجود عشرات من الأجرام التي تدور حوله، كما تفعل الكواكب في الدوران حول الشمس. وهناك 67 قمراً يدور حول المشتري، أبرزها القمر «أوروبا» الذي يعتقد أن تركيبته ووجود الماء عليه، ربما يؤهله لسكنى البشر عليه. ينظر بعض العلماء إلى القمر «أوروبا» كأنه «أرض ثانية»، وهو أمر ربما حسمت في شأنه المعطيات التي ستعمل المركبة «جونو» على جمعها أثناء دورانها 37 مرّة حول المشتري في ما يراوح بين 18 و 20 شهراً.
وتبدأ جونو في إرسال صور مقرّبة عن المشتري في 27 آب (أغسطس) المقبل، مع التطلّع إلى إمكان الحسم في مسألة وجود نواة صخرية صلبة في ذلك الكوكب الغازي العملاق.
سواء في «دوللي» أو «جونو»، تبرز محاولة العلم في الوصول إلى جواب عن هوية الإنسان في الكون، بمعنى أنها إجابة بشرية على سؤال «من نحن؟» الذي يتحدّى عقل الإنسان دوماً.
أحمد مغربي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد