المنسيون في الشهر الكريم
فؤاد حبيقة : لرمضان في غزة وبغداد طعم آخر.
الموظفون الفلسطينيون الذين يعيشون على فتات مرتباتهم يعانون وجعاً لا يوصف, وأطفال غزة استبدلوا الفوانيس بالرصاص الفارغ والشظايا يلهون بها لقتل الوقت.
وطبول الشهر الكريم التي كانت تثير حشرية الصغار وفرحة الكبار, صار لها اسم جديد هو القصف الاسرائيلي اليومي الذي يجلب الموت والحزن الكبير الى كل بيت فلسطيني.
أم علاء €40 سنة€ تسأل: كيف نفرح وجارنا شهيد وبيته مهدم والحرب متواصلة في جباليا؟
وأم قاسم تقول وعلى خدها دمعة: لم نمر يوماً بمثل هذه الاحوال... نحن لا نملك ثمن فانوس, وبالكاد ندفع ثمن التمور والألبان.
والتجار الصغار يقولون إن الآباء والأمهات لا ينفكون يسألون عن اسعار الاشياء من دون ان يشتروا, لأن مساحة الفقر تتسع وأكثر من نصف الفلسطينيين تحت مستوى الحد الأدنى.
حتى الزيارات التقليدية في الشهر الكريم ألغيت بعدما حوّل جيش الاحتلال القطاع الى ثلاث مناطق مزنرة بالحواجز العسكرية. والحال في غزة ليست أفضل منها في رفح, أو الشمال بجراحه العميقة.
وفي آخر تقارير «وفا» €وكالة الأنباء الفلسطينية€ أن الفلسطينيين يتهافتون على شراء اللحوم والأسماك المجمدة, لأنها أرخص, ولأن الأسماك الطازجة نادرة بعدما اغلق الاحتلال البحر ومنع النزول اليه منذ ستة أشهر. وقد سبق لقوات الاحتلال أن اغلقت بحر الصيادين لمدة 3259 يوماً في غزة ودير البلح وخان يونس ورفح على مدار سنوات الانتفاضة, خصوصاً في فترة المواسم.
وفي «رمضان غزة» وجع آخر هو المدرسة والزي المدرسي الجديد والكتب واللوزام, في نهاية اجازة صيفية كانت أقرب الى الأشغال الشاقة وسط ظروف قاهرة بلا أمن ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء عزلت القطاع عن العالم الخارجي وحولته الى سجن مغلق منذ عملية خطف الجندي الاسرائيلي.
... ورمضان بغداد ليس أقل قسوة. الأسواق فارغة إلا من الجثث, وضوء الهلال ينحسر عن المساجد, وليالي السمر ولعبة «المحيبس» البغدادية صارت من الماضي, وذكريات الشهر الكريم المحفورة في العين والقلب, صارت مدافن تمتد على مد النظر, تضاعفت اعدادها عشر مرات على الأقل منذ دخل الأميركيون العراق.
وعشرات مساجد المدينة التي كانت تضج بالمصلين, أوصدت أبوابها بفعل الفتنة الطائفية, التي أعقبت تفجيرات سامراء. وقد أحصت وزارة الأوقاف أكثر من ستين مسجداً مغلقاً بصورة تامة في العاصمة, ناهيك عن عشرات المساجد التي تتعرض بشكل يومي لحملات دهم وتفتيش من قبل القوات الغازية والجيش العراقي... والميليشيات وفرق الموت.
الى هذا الاغلاق القسري يقول البغداديون ان مدينتهم لم تعد تعرف طعم الفرح, والناس لم يعودوا يتسوقون خوفاً على حياتهم وحياة ابنائهم, والتزاور صار قليلاً وبطيئاً, لأن.. العائلة العراقية لم تعد تخرج من منزلها بعد غروب الشمس.
الوضع الأمني فرض عادات جديدة وبدّل ملامح بغداد وسلوك العراقيين جميعاً.
وكما في غزة, كذلك في بغداد, الناس يخشون حتى من ارسال اولادهم الى المدارس, وهجرة المدرسين تتزايد بفعل العنف الطائفي وقلة الموارد, والعام المدرسي لم يبدأ بعد في بعض المناطق خصوصا في محافظة الأنبار.
وخوف الأمهات على اولادهن يتزايد لأن عناصر من الشرطة تحرس المدارس, الأمر الذي يضاعف الخطر عليها من جانب الميليشيات المسلحة. وكثيرون هم الأهل الذين يرابطون أمام أبواب الثانويات طوال ساعات الدراسة, خوفاً على فلذات أكبادهن من التعرض لأي سوء.
إنه «رمضان غزة يعانق بغصّة ودمعة «رمضان بغداد», وغداً يأتي العيد ويمضي والناس ينتظرون.
المصدر : الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد