انحياز أثر هوثورن أي الأثر النفسي- المعرفي للاستقصاء Hawthorne Effect
د. عماد فوزي شعيبي:
يُعتبر هذا الانحياز إشكاليّة في المعرفة المؤسساتيّة والحكوميّة، ففيه يتم تصميم الاستقصاءات الاستبيانات من أحل الحصول على ماهو متوقع سلفاً. كأن تُسأل هل أنت مع العلاقة الجنسيّة قبل الزواج، ويكون معروفاً مسبقاً أنك من بيئة مُحافظة-دينيّة، فمن البدهي هنا أن جوابك سيأتي ب (لا) وتكون البيانات الناتجة عن مثل هكذا استقصاء هي أن كل المجتمع يرفض هذا الأمر. وهي نتيجة معروفة مسبقاً. أو أن تقدم استبيانات يدخل فيها الجانب العاطفي فتعطيك نتائج مختلفة عما سألت عنه أصلاً.
يأتي هذا الانحياز هي تجارب أجريت ما بين عامي 1927-1932م في مصانع شركة وسترن إلكتريتك، وهي الشركة العالمية لصنع الهواتف وخدمات الاتصالات، في ضاحية هارثورن ب مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان الغرض (المُفترض) من هذه الدراسات هو تحديد تأثير عدد من المتغيرات المادية كالإضاءة وظروف العمل وأثر التغير في نظم فترات الراحة على الإنتاجية . ودارسة لاتجاهات العاملين ومشاعرهم على الانتاج والجوانب الاجتماعية لمجموعات العمل الصغيرة .
و تم اختيار مجموعة من العمالات وعزلهم في مكان مخصص لقياس الإنتاجية قبل إدخال المتغيرات التجريبية وبعد إدخال المتغيرات التجريبية .
أظهرت نتائج هذه التجارب - نتائج تجارب هوثورن - عدم صحة فروض الدراسة فقد كانت فروض الدراسة تتوقع أن: التغير في نظم الإضاءة من إضاءة ضعيفة إلي قوية ستؤدي إلي زيادة الإنتاجية. وأن زيادة فترات الراحة ستؤدي إلى زيادة الإنتاجية.
فرغم ارتفاع الإضاءة التي زادت من كفاءة العمال فإن انخفاضها لم ينعكس انخفاضاً في تلك الكفاءة.، لأن العمال كانوا يشعرون بالمرتين بالمراقبة وهذا ما كان من خارج العوامل التي فرضتها التجربة وهو ما دُعيّ بالعامل الخفي ( Hidden Factor ) فقد كانت النتائج والبيانات ترتفع بغض النظر عن المتغيرات التي كانوا يحدثونها، والأخطر أن استنتج القائمون على التجربة أن ذلك يعود إلى شعور الأفراد بالرضا الذي سببه اهتمام المشرف بهم كأشخاص وبسبب العلاقات الاجتماعية الحسنة السائدة، وهو أمر مختلف عن هدف الاستقصاء الأصلي، ومختلف عن العامل الأهم وهو (الرقابة) والأهم هنا أن نُدرك أن توقعات المُجرب أو المتقصي هي التي تغير أو تفرض نتائج التجربة.
الدرس المُستفاد: أن نتلقى المعارف من (خارجنا)؛ أي ألا نفترض نتيجة نسعى إلى التأكد منها، فهذا يُقارب مُغالطة "المُصادرة على المطلوب"؛ التي تعني أن يكون المطلوب وبعض مقدماته شيئا واحدا، وذلك مغالطة. وغالباً ما يتم استخدام العبارة الإنجليزية (Begging the question) للدلالة على ذلك وتعني استجداء السؤال من خلال إجابة مطابقة له، وهو مقارب أيضاً لمغالطة عدم الاستماع إلاّ لنداء الرغبة الذاتية، أو التفكير الرغبوي وأيضاً عقبة الإصرار على المعرفة الشائعة.
إن تجاوز هذا مطلوب في الحياة في علاقتنا مع الآخرين، وفي المؤسسات كي نطورها بناء على طبيعتها، وفي السياسة عند مواجهة وقائع جديدة، ففي أزمة وباء كورونا كان كل التركيز في الأبحاث الأوليّة على ما هو مُفترض من أن الفيروس مُخلّق وبالتالي استحالة التعامل معه إلاّ من قبل من خلّقه، وهذا ما عطّل الأبحاث الأولى، إلى أن تم التحرّر من أثر هوثورن (ولو جزئياً). ولعل تعطّل الوصول إلى علاج ناجم عن نفس الأثر الذي لا يزال يقول إن معالجة الفيروسات غير ممكنة ولكن ممكن معالجة الآثار الناجمة عنه؛ إلاّ أن ضغط الحاجة إلى علاج قد قطع معرفيّاً مع هذا الأثر وبدأت أبحاث تفكر لأول مرة بوضع حد لقدرة الفيروس على الاتحاد بخلايا الإنسان... ولايزال أثر هوثرون مستمراً حتى في السياسة التي لازالت تفكر بأن تتأكد دوماً من أن الاقتصاد أهم من الحياة لتتأكد من أن ذلك لايزال صحيحاً وهو أمر ستحسمه المرحلة القادمة من ما بعد الموجة الأولى من انتشار الفيروس بسنين، وستؤثر على الاستقرار السياسي
إضافة تعليق جديد