بردى وأسماؤه المقدسة

عروس بردى وبنت قاسيون وحاضرتها القديمة الشام ومختلف الاسماء القديمة الطبيعية كالجبل والرابية والوادى والعقبة والرحبة والدرب والمرج والعين والبيت والدار كلها ارامية تقريبا تعود بنا الى ذلك العهد القديم منذ الاف السنين.
وليست الارامية الا ابنة عم العربية يتشابهان حينا ويتعارضان احيانا فقاسيون اسم الجبل المشرف على دمشق من الجذر الارامى ق ش ا الذى يفيد القسوة وعلى ذلك يكون معنى قاسيون القاسى الجاف الذى لا تنبت الاشجار على رأسه.
ودمشق وبردى كائن واحد متداخل الابعاد والشروط اذ تستقر مياه بردى فى كل بيت دمشقى لتحكى تلك البحيرات الفسيحة تفاصيل قصص تدهشنا بعبقريتها تبدأ من الطبوغرافيا والهندسة والعمارة لتمر فى النهاية عبر الانسان الدمشقى ولتصوغ منه حكمة الماء والخلق.
واول اسم ذكر به هذا النهر فى التاريخ هو نهر ابانة فى القرن التاسع قبل الميلاد ثم فى الكتاب المقدس سفر الملوك الرابع وكلمة ابانة او ابانا
تعنى الصخور المتشققة التى تفجرت منها مياه هذا النهر اما اسم بردى الذى اشتهر به هذا النهر الى اليوم فهو مشتق من كلمة البرودة العربية بمعنى النهر البارد.
واسبغ اليونان صفة القداسة على هذا النهر لان من عاداتهم فى ذلك الزمن تاليه الينابيع والانهار ولا عجب ان تحتضن ضفة بردى اليمنى معبد حدد الارامى سابقا ومعبد جوبيتر الرومانى وكنيسة يوحنا المعمدان لاحقا والجامع الاموى الكبير حاليا.
ومعبد الاله حدد الارامى هو احد اهم الاوابد الدينية على سطح الارض وقد مورست فيه العبادة دون انقطاع لمدة تزيد عن ثلاثة الاف وخمسمئة عام وحدد هو سيد دمشق القابض على الصاعقة والسنبلة منزل الغيث ومنبت الزرع وواهب خيرات الارض وكان الناس يحجون اليه من اقاصى البلاد الشامية يطوفون حوله ويتبركون فيه وكان من يتواجد فى حرمه امنا على نفسه وماله وكان البيع والشراء يمارس بأمان وحرية فى الاسواق المحيطة به والواقعة ضمن نفوذ حرمه.
اما عروسه دمشق فمعناها الحديقة الغناء لكثرة اشجارها وكثافة غاباتها ولقبها الفيحاء لسعة سهلها واتساعه وهى من المدن العشر الرئيسة فى سورية الطبيعية فى القرن الحادى عشر قبل الميلاد عندما كانت عاصمة المملكة الارامية.
وما بين منابع بردى على ارتفاع 1500م فى سلسلة جبال لبنان الشرقية مما يلى بعلبك من قرية مندثرة يقال لها قنوا منطقة الزبدانى التى تبعد حوالى 25 كم وبين مصبه فى بحيرة مرج العتيبة تنساب المياه وتجرى فى مسافات من الفضاءات الريفية والتكوينات المدنية تبلغ الستين كيلومترا.
وبعد انطلاقه من عيون تفجرت من تلك الصخور فى سلسلة لبنان الشرقية يصب فى قرية تعرف بالفيجة على بعد حوالى 10 كيلومترات من دمشق وبعدها تنضم اليه ينابيع صغيرة فى مساره والزبدانى وبقين وما بين الربوة والزبدانى تغذى اودية سيلية مياه النهر يصل عددها الى العشرين الى ان يصل قرية جمرايا.
وينفصل النهر فى جمرايا الى بردى ويحمل الباقى نهر يزيد فى كف جبل قاسيون فاذا صار بردى الى قرية دمر افترق على ثلاثة اقسام منه النصف لبردى والباقى الى نهرين يقال لاحدهما تورا فى شمالى بردى وللاخر باناس فى جنوبه.
وبردى اخفض تلك الانهار منسوبا يمر فى مدينة دمشق فيشق ما بينها الى ان ينفصل عن تلك المدينة وبساتينها ليصب فى بحيرة المرج شرقى المدينة.
وشكلت فروع بردى بدءا من ارتفاع سبعمئة متر عن سطح الارض عند بلدة الهامة تغذية بالراحة الى كل مكان بالماء وقل ان تمر فى جهة من هذه المدينة الا والماء موجود فى مكان ما يشرب منه الغادى والرائح.
1 - نهر يزيد .. يتفرع عن بردى عند جبل قاسيون من الضفة اليسرى يغذى المناطق الشمالية من دمشق ثم الى القابون وحرستا ودوما وانه شق فى زمن الاراميين ولكن يزيد بن معاوية وسعه وجدده فنسب اليه.
ويتفرع نهر يزيد من مكان قرب الهامة الى الجهة الشرقية ويسير الى دمر ومنها يسير فى خرق صخرى فى جانح جبل قاسيون الى ما فوق صالحية دمشق ليروى تلك البساتين الواسعة فى تلك المنطقة قديما.
2 - نهر تورا .. فرع ارامى ثان يتفرع عن بردى جنوبى دمر من الضفة اليسرى ويمر فى الصالحية ومعناها قرية الجبل واسم تورا سريانى باق على حاله فى العربية ومعناه شباك صيد السمك وهو شمالى بردى ويوازيه وان كلمة تور فى الارامية تعنى ثور بالعربية.
3 - نهر باناس .. فرع رئيس من نهر بردى منذ العهد الارامى ويمر بدمشق من شمالها الغربى الى جنوبها الشرقى ومخرجه من خافق الربوة من الضفة اليمنى ويساير بردى من الجنوب وهو يدخل الى وسط مدينة دمشق وان قسما منه يمر داخل قلعتها ويكون منه بعض مياه قنواتها وقساطلها وينفصل باقيه فيسقى زروعها من جهة الباب الصغير والباب الشرقى.
4 - فرع القنوات .. ينقسم عن بردى ما بين القصر والربوة من الجهة اليمنى وينسب الى العهد الرومانى ويتجه جنوبا ليروى الاجزاء المرتفعة من المدينة القديمة.
5 - فرع المزاوى .. حفر حوالى القرن الثالث الميلادى ويتفرع عن بردى من الضفة اليمنى قرب دمر ثم يتجه جنوبا الى كفرسوسة والمزة.
6 - فرع الديرانى .. ومأخذه من موقع الشادروان بين دمر والقصر يتجه نحو المزة وكفرسوسة وداريا.
7 - فرع العقربانى .. يمر شمالى المدينة القديمة لدمشق ملاصقا قلعتها وسورها ثم يلتف شرقيها مواجها للباب الشرقى حتى يبلغ قرية عقربا جنوب شرقى دمشق فى غوطتها الشرقية.
ويشكل بردى وفروعه السبعة شبكة سطحية ما تلبث ان تتحول داخل المدينة الى شبكة من القساطل والانابيب الفخارية توصل الماء الى بحرات المنازل مرورا بالطوالع التى تقسم الماء بالاتجاهات والتدفقات المطلوبة بعد ان تأخذها من الماخذ التى توزع الماء من النهر الرئيسى الى الفرعى.
ويذكر انه كان لليونان عادة دينية فى بناء مدنهم لم يسبقهم اليها احد فقد كانوا يعملون لاسوار المدن الهامة سبعة ابواب وكانوا يقفون كل باب
لاسم كوكب من الكواكب السبعة فلما احتلوا سورية فى القرن الرابع قبل الميلاد عملوا فى سورها .. الباب الشرقى للشمس ويقابل مطلع الشمس وباب الجابية الذى يتناظر فى موقعه مع الباب الشرقى على طرفى الشارع المستقيم من طرف الغرب وكان مكرسا لكوكب المشترى جوبيتر وباب كيسان لزحل والباب الصغير للمريخ وباب الجينيق للقمر وباب السلام لعطارد وباب توما حاليا للزهرة وهو الذى كان باب اله الخمر قبل ان يسمى باسم القديس توما.

أحمد زرقة

المصدر: سانا