"تاريخ الخيال الإنساني"!
يتحول اقتناء الكتب إلى مرض مع الزمن، لكنه ليس بالوباء المعدي الذي يمكن أن ينتقل إلى المرضى كي يصحّوا ويصحُوا في آن.. وفي توصيف آخر، سمّت الصحفية «إيملي تمبل وود», المحررة في قسم الكتب في موقع «lit hub»، هاجسَ جمع الكتب بشهوة الاقتناء.. هذه التسمية الباردة كان تشير عملياً إلى أن أصحاب أشهر المكتبات في العالم لم يكونوا كتّاباً ولا قراءً من نوع فريد، وبالتالي فإن المفارقات التي سنحصل عليها إذا تتبعنا هذه القضية ستكون مذهلة بالفعل.. يقول أصدقاء الكاتب الراحل إرنست همنغواي إنه كان يحمل الكتب معه أينما ذهب، وحين وفاته كان عدد الكتب في مكتبته تسعة آلاف كتاب وثمانمئة أخرى في منزله!. في حين وصل عدد الكتب في مكتبة ملك موسيقا البوب مايكل جاكسون إلى عشرة آلاف كتاب وهو المعروف بحبه للشعر حيث دأب على التردد إلى مكتبات لوس أنجلوس كي يشتري المطبوعات!. سنعثر على رجال أعمال وخبراء تجميل وممثلين صنفتهم الدراسة كأشهر جامعي الكتب في العالم، في حين لن نفاجأ بمكتبة جورج واشنطن المتواضعة التي ضمت ألفاً ومئتي كتاب فقط، في حين سيحطم الرقم القياسي مصمم الأزياء والمصور الألماني كارل لاغرفيلد الذي تجاوز عدد الكتب في مكتبته ثلاثمئة ألف كتاب وزعها بشكل أفقي مع ترك ممرات تسمح بسهولة تصفح العناوين.. وعلى هذا المنوال سينال رجل الأعمال «جاي ووكر» شهرة خاصة لم تحققها أعماله التجارية رغم الثروة التي يمتلكها، فقد وصلت مكتبته إلى عشرين ألف كتاب وضعها ضمن جناح جميل في منزله الكائن في مدينة «ريد جفليد» وسماه «تاريخ الخيال الإنساني» ليأخذ اقتناء الكتب بعداً شعرياً تفرد به «ووكر» عندما تصور أنه يجمع تاريخ خيال البشر في مكان واحد!.
من الطبيعي أن يرتبط مرض اقتناء الكتب بالقدرة الشرائية للشخص وبتوفر المكان المناسب لاحتواء تلك الأعداد الضخمة من المطبوعات، وتالياً فإن المفارقات التي تحدثنا عنها في هذا الجانب تبدو طبيعية، لكن إذا ما ذهبنا إلى الثقافة العربية فسيكون الأمر محزناً بشكل أكبر، فالكثير من مكتبات المشاهير العرب بيعت على الأرصفة بشكل عشوائي وثمن بخس، بسبب تنازع الورثة وضيق الأمكنة وضرورة إنجاز عمليات حصر الإرث بالسرعة القصوى!. ولا نسمع إلا نادراً عن مصير مكتبات الراحلين التي يمكن أن تعامل كالفرش العتيق فتباع مع الأدوات المستعملة من دون تقدير حقيقي للعناوين ولجهد صاحبها الراحل أثناء جمعها طوال عمره..
لم يضرب مقتنو الكتب العرب أرقاماً قياسية عالمية تصل إلى مئات الآلاف من العناوين أسوة بالأجانب، وهذا عائد بالطبع إلى الإمكانية الاقتصادية ووجود مكان يتسع للمكتبة، عدا عن الأمية والعزوف عن القراءة وغيرها من الهموم التي يتحملها «خير جليس» أثناء رحلته الشاقة من الخيال إلى النقش على الورق!. حال المكتبات العربية يشير إلى شظف مادي وثقافي يعصف بأمة «اقرأ» التي تطبع ألف نسخة من كل كتاب في أفضل الأحوال، ليكون نصيب الفرد العربي من القراءة سنوياً خمسة أسطر فقط!.
زيد قطريب: تشرين
إضافة تعليق جديد