تفسير «ظاهرة التعب المزمن» بأنها «بيات» بشري
هل يملك الجسد البشري الانتقال إلى حال من «البيات» تشمل الإقلال من النشاط إلى الحدّ الأدنى، على غرار حال «البيات الشتوي» المعروف لدى الحيّات والوطاويط والدببة القطبيّة وغيرها؟ الأرجح أنّه يجدر التفكير بذلك الاحتمال مليّاً، وفق ما اقترحته دراسة جديدة نشرتها جامعة كاليفورنيا الأميركيّة في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
وأوضح البروفسور روبرت نافيوكس الذي قاد فريق الدراسة، أنه عثر في دماغ الإنسان على مؤشرات تشبه تلك التي تظهر عند الحيوانات أثناء فترات «البيات» Hibernation، مع الإشارة إلى أن دماغ البشر يستأثر بخُمس غذاء الجسم على رغم أنه لا يمثّل سوى أقل من 2 في المئة منه. ويزيد أهمية تلك الدراسة أنها قدّمت تفسيراً علميّاً جديداً لمرض غامض ومعروف تماماً، هو «ظاهرة التعب المزمن» Chronic Fatigue Syndrome.
ولم يفت نافيوكس الإشارة إلى فارق أساسي بين «ظاهرة التعب المزمن» وحال البيات عند الحيوانات، يتمثّل في كون الأخيرة مفيدة تماماً للحيوانات بل تساهم في الحفاظ عليها في مواجهة تحدّيات البيئة وتقلّبات توافر الغذاء والحصول عليه.
في المقابل، لا تعطي «ظاهرة التعب المزمن» الإنسان سوى إحساس مذهل بالتعب والإعياء، وتواهن القدرة على القيام بالأعمال اليوميّة البسيطة، مع نوبات من صداع الرأس وأوجاع العضلات والمفاصل، إضافة إلى اضطرابات نفسيّة - عصبيّة تشمل الذاكرة والتركيز والنوم وغيرها.
وبعبارة أخرى، يحافظ البيات على الحيوان وبقائه، بينما تضرب «ظاهرة التعب المزمن» الأداء الاجتماعي والشخصي للكائن البشري الذي تصيبه، بل تهدّد جذور بقائه.
أبعد من الهجوع والسكون
فور ظهور تلك الدراسة، حظيت باهتمام واسع في الأوساط العلميّة لأسباب تتضمّن أن «ظاهرة التعب المزمن» تصيب 2.5 مليون أميركي، ما يجعلها من الأمراض الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة.
وعلّق البروفسور رونالد ديفيس على الدراسة بالإشارة إلى ضرورة تكرارها على نطاق واسع، وفي غير دولة، قبل الاعتماد على التفسير الجديد الذي قدّمته لـ «ظاهرة التعب المزمن». ويترأس ديفيس «مركز تكنولوجيا الجينوم»
Genome Technology Center في «جامعة ستانفورد» الأميركيّة.
وزاد في الاهتمام العلمي بالتفسير الجديد الذي اقترحته دراسة البروفسور روبرت نافيوكس، أنها جاءت بعد وقت قصير من ظهور تفسير علمي آخر لـ «ظاهرة التعب المزمن»، على رغم بقائها غامضة تماماً، خصوصاً لجهة الأسباب التي تفضي إلى ظهورها، بل طريقة تشخيصها أيضاً.
وقبل شهور قليلة، اقترحت لجنة أنشأها «معهد الطب الأميركي» إطلاق تسمية جديدة على «ظاهرة التعب المزمن» هي «مرض عدم التقبّل المنهجي للمجهود»
Systemic Exertion Intolerance. وأشارت اللجنة في تقرير صادر اليوم إلى مجموعة جديدة من المعايير المستعمَلة لتشخيص الإصابة بالمرض المذكور.
وبعد مراجعة ما يزيد على 9 آلاف دراسة طبّية، استنتجت اللجنة أنّ تسمية «متلازمة التعب المزمن» أساءت إلى عدد كبير من المرضى، بمعنى أنها صارت وصمة تمييز ضــدّهم، إضافة إلى أنها لا تقدّم وصـــفاً للمـعالم الطبيّة الأكثر بروزاً في تلك الظاهرة، خصوصاً ما يصيب العضلات والمفاصل والدماغ والجهاز العصبي.
وأشارت اللجنة إلى وجود 20 مؤشّراً تستعمل في تشخيص ذلك المرض، ما أحدث أرباكاً للمرضى والأطبّاء، إضافة إلى عائلات المرضى. واقترحت اللجنة اعتماد معايير أخرى في التشخيص تشدّد على الأعراض الأساسيّة لـ «ظاهرة التعب المزمن»، خصوصاً انخفاض القدرة على العمل والدراسة، والتوعّك بعد مجهود عادي، وعدم الإحساس بالراحة بعد النوم وغيرها. ولم يفت اللجنة الإشارة إلى تلك الظاهرة طالما امتلكت اسماً آخر هو «التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضل» Myalgic Encephalomyelitis، مشيرة إلى أنه تسمية غير ملائمة أيضاً.
وكذلك نوّه البروفسور بيتر روي الذي يترأس «عيادة التعب المزمن» في «مركز جونز هوبكنز للأطفال» في «بالتيمور»، ولاية «ماريلاند»، بالمنهجية التي اعتمدتها اللجنة، مشدّداً على كثافة الأدلة التي استندت إليها.
وآنذاك أيضاً، أشار البروفسور ديفيس إلى أن اللجنة درست قرابة مئة تسمية بديلة، قبل أن تميل إلى اسم «مرض عدم التقبّل المنهجي للمجهود». وشدّد ديفيس على أنّ تلك الظاهرة ليست مرضاً وهميّاً، ولا تندرج في تصنيف الأمراض النفسيّة - العصبيّة، ما يعطيها هويّة مرضيّة مستقلة.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد