تقرير استراتيجي «قاتم» حول دورها في المنطقة: إسرائيل قد تصبح عنواناً لغضب الشارع العربي
أصدر مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أمس الأول تقريره الاستراتيجي للعام 2011، والذي تناول تقريباً كل جوانب «الحياة» في إسرائيل.
وينقسم التقرير إلى ثلاثة أقسام، يحوي الأول فصولاً عن «الشرق الأوسط الجديد» وموقف «القوى العظمى والشرق الأوسط» و«إسرائيل والعالم العربي» و«إسرائيل والحلبة الفلسطينية». أما القسم الثاني فيتحدّث عن «مكانة إيران الإقليمية» و«موقف الأسرة الدولية من إيران» و«تركيا والشرق الأوسط». ويتناول القسم الثالث تكيّف إسرائيل مع التحديات. وهناك خلاصات وملاحق.
وقد حاول المعلق الأمني في صحيفة «يديعوت احرونوت» رونين بيرغمان تلخيص التقرير في مقالة بعنوان «قاتم في كل الجبهات». وينقل عن مقدمة التقرير قولها إنه «حدث تدهور ملحوظ آخر في السنة الأخيرة لوضع إسرائيل الاستراتيجي، ولما كانت الحكومة لم تبلور استراتيجية عمل سياسي ناجعة لتهدئة بؤر التوتر زادت جداً التحديات التي تواجهها الدولة. وبالمقابل يحظى زخم دبلوماسية السلطة الفلسطينية بالمناصرة والتأييد المهم اللذين يرسخان أكثر عزلة إسرائيل الدولية المتزايدة».
كما أن «مسيرة نزع الشرعية مستمرة، وتفضي إلى إضعاف ملحوظ لمكانة إسرائيل السياسية، وإلى قيود شديدة على حرية الجيش الإسرائيلي في عملياته... وضعف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والعلاقات العكرة بين إدارة أوباما وحكومة (بنيامين) نتنياهو تسلب إسرائيل عنصراً رئيساً من صورتها الردعية. ويتيح هذا الوضع لجهات أخرى محاولة لعب دور في الشرق الأوسط بصورة لا تخدم مصالح إسرائيل»، و«على خلفية عدم وجود تقدّم في الجهد لردع المشروع الذري الإيراني، يزداد خطر أن تتجه دول أخرى في المنطقة إلى المسار الذري».
وأوضح بيرغمان أن التقرير يوجّه في جميع الشؤون تقريباً انتقاداً للحكومة وأذرعها التنفيذية، مع خلاصة قاطعة لا لبس فيها، وهي أن «حكومة إسرائيل تحتاج إلى البتّ بين الانتظار وعدم الحسم وعدم المبادرة وبين السعي إلى التأثير في محيطها الاستراتيجي: إن مبادرة إسرائيل إلى مصالحة لن تحلّ بالضرورة كل مصادر الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والإسرائيلي - العربي... لكن إجراء محدداً نحو تسوية قد يخفف من شدة هذه التحديات، ويحسّن مكانة إسرائيل التي أخذت تضعف».
ويتنبأ التقرير بأن تضطر إسرائيل في الأعوام المقبلة لاتخاذ إجراءات تتعلق بقضايا الأمن القومي المركزية في واقع أشد تعقيداً، يراه رئيس المركز الدكتور عوديد عيران: «فراغ عظيم نشأ في الشرق الأوسط نتاج ثلاث ظواهر: الربيع العربي الذي حدث على خلفية انهيار مسيرة السلام الإسرائيلية - العربية، وضعف الولايات المتحدة الشديد. إن التأليف بين الثلاث قد يؤدي بإسرائيل إلى كارثة عظيمة».
وترى الدكتورة عنات كورتس أن الأنظمة العربية الجديدة باتت «تدرك أن شرط البقاء هو الإصغاء إلى صوت الشعب. يوجد في هذا جانب ايجابي، لأن الحديث عن واحد من العناصر الأساسية للسلطة الديموقراطية، لكن يوجد هنا من جهة ثانية خطر حقيقي في الانجرار إلى سياسة غوغائية وإرادة إرضاء الجمهور بتلبية أهوائه المباشرة».
إن إسرائيل، كما يقول كاتب التقرير، قد تكون المتضررة المباشرة لمحاولة تعليق جميع المشكلات على مشجب العدو الخارجي. وكل هذا يحدث في واقع تضعف فيه القوة العظمى، الولايات المتحدة، ولا توجد أية جهة خارجية تستطيع مساعدة دول المنطقة على التغلب على الأزمة الاجتماعية - الاقتصادية الشديدة.
واعتبر عيران أن «هذا ما يحدث في الوقت الذي توجد فيه علاقات بين إسرائيل ومحيطها في الحضيض، وفي حين أن التصور المهيمن في العالم العربي - وفي الساحة الدولية أيضاً - هو أن سياسة إسرائيل الرافضة مسؤولة بقدر حاسم عن الطريق المسدود».
ويحذر شلومو بروم من أن «يترسخ في إسرائيل نمط تفكير يقول إن الدول العربية في السنين القريبة ستكون مشغولة بشؤونها الداخلية، ولن تتفرغ للعلاقات مع إسرائيل. وحذرنا نحن في المعهد في بداية التظاهرات قائلين إن العكس هو الصحيح، فقد نبعت التمردات من شعور الجماهير العميق بالذل، ولعبت العلاقات مع العالم الخارجي دوراً مهماً في تأجيج الاحتجاج. غذّت معاملة الغرب للعالم العربي على مدى سنين الشعور بالظلم، وضمن ذلك العلاقات بإسرائيل. ولا يجب أن يفاجأ أحداً بأن أحد الإجراءات الأولى للحكومة المصرية الجديدة كان بلورة اتفاق مصالحة بين فتح وحماس، وليس صدفة أيضاً أنه في 2011 خاصة اصطبغت أحداث النكبة والنكسة بصبغة عربية عامة أشد كثيراً».
وأشارت كورتس إلى أن «إسرائيل قد تصبح عنواناً لغضب الجموع في الشارع العربي على أثر أحداث كالتصعيد في ميدان غزة، وهذا محقق إذا نشأت في الضفة مواجهات عنيفة».
المسار الفلسطيني
سجّل في السنتين الأخيرتين في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين تدهور شديد قياساً إلى تمهيد الطريق في مطلع التسعينيات. «لا يمكن أن يتم اليوم حوار مباشر بسبب عدم الثقة المتبادل العميق»، كما ورد في التقرير. «إن رؤية العلاقات بأنها لعبة حاصلها صفر عادت لتهيمن على كل شيء، في حين أن القصد عند الطرفين أن يمنع كل واحد منهما الطرف الثاني من الأرباح، وتوجيه السياسة، حتى لو سبب لهما ذلك ضرراً في نهاية الأمر».
وأشار بروم إلى أن «إسرائيل غير قادرة اليوم على أن تقترح على السلطة الحد الأدنى المطلوب لها لتستطيع الرجوع عن المطالب التي طلبتها شرطاً لتجديد التفاوض: وهي موافقة إسرائيلية على تسوية على أساس خطوط 1967 مع تبادل أراضٍ. ومن جهة ثانية فان الفلسطينيين غير قادرين على الاستجابة لمطلب الاعتراف بإسرائيل باعتبارها دولة الشعب اليهودي».
العمق الاستراتيجي
ترى كورتس أنه «حتى لو كانت هناك قيمة عسكرية للعمق الاستراتيجي، ففي الواقع الجغرافي لإسرائيل تبلغ الصواريخ التي يطلقها حزب الله أو حماس كل هدف في البلاد تقريباً. إن تحدّي إسرائيل المركزي هو تثبيت مكانها في المنطقة التي هي في أساسها عربية ومسلمة، مع الحفاظ على تأييد الجماعة الدولية لها. وهذا التأييد ضمان لوجود إسرائيل ونمائها». وشدّدت على أنه «طالما بقي الصراع مع الفلسطينيين فلن تستطيع إسرائيل أن تدفع إلى الأمام بعلاقات صادقة مع الدول العربية. ولا تستطيع تلك التي ترغب في التعاون أيضاً أن تفعل هذا».
ويتحدث الدكتور يهودا بن مئير نائب وزير الخارجية سابقاً، والباحث ايفان الترمان عن المسيرة المتزايدة لنزع الشرعية عن إسرائيل، والاستنتاج النهائي هنا أيضاً بائس: «إن الهدف الذي نصب لحملة نزع الشرعية هو عرض إسرائيل بأنها دولة تُخل على الدوام بالقانون الدولي وبحقوق الإنسان وبجميع القيم السائدة، وبأنها دولة تستعمل الفصل العنصري وتتحمل تبعة جرائم حرب بصورة واسعة وجرائم على الإنسانية». ويكتب أن «هدف الحملة الدعائية هو أن تصبح إسرائيل دولة مقصاة، وهو ما يفضي إلى عزلتها المطلقة في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والثقافة والأكاديمية والفن».
ويحذر التقرير من أن «ينشأ في أوروبا توجه لفرض قطيعة مدنية على إنتاج إسرائيل، حتى لو لم يكن مصدره المستوطنات... ينبغي عدم الاستخفاف بالضرر الذي قد تحدثه لا بالتصدير المباشر فحسب بل بأمور الاستثمارات الأجنبية أيضاً».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد