تونس: قانون الانتخابات يثير استياءً واسعاً
في خطوة إضافية على مسار عملية الانتقال الديموقراطي في تونس، صادق المجلس الوطني التأسيسي، أمس الأول، على مشروع القانون الانتخابي، الأمر الذي ووجه بانتقادات عدة بسبب عدم منع المتورطين مع نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي من الترشح للمحطات الانتخابية المقبلة. ولم يحصل القانون على إجماع النواب، حيث تمّت المصادقة عليه بـ132 صوتاً من أصل 217، في مقابل تسعة أصوات متحفظة و11 صوتاً معترضاً وتغيّب ما يقارب الخمسين نائباً.
وفي سياق التداعيات الأولى لإقرار القانون، أعلن رئيس "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" شفيق صرصار، في حديث صحافي أمس، أنه بالإمكان تنظيم انتخابات عامة في تونس في شهر تشرين الثاني المقبل. وقال "إذا نظمنا انتخابات رئاسية بالتزامن مع التشريعية، يمكن أن تكون الدورة الأولى في منتصف تشرين الثاني.. والدورة الثانية في آخر كانون الأول" 2014. وكانت السلطات التونسية التزمت بتنظيم انتخابات عامة قبل نهاية 2014، إلا أن الأحزاب السياسية منقسمة بين تنظيم الانتخابات التشريعية والجولة الأولى من الرئاسية خلال يوم واحد، أو الفصل بينهما.
وكانت جلسات المناقشة والتصويت على القانون الانتخابي تتالت منذ منتصف الشهر الماضي، بنسق بدا للتونسيين سريعاً ومنبئاً بقرب الانتخابات، لكن المجلس التأسيسي كان خلال هذه الفترة يؤجل المسائل الخلافية ضمن القانون ويرجئ عرضها على التصويت، في ظل عدم توصل "لجنة التوافقات" ولا غرفة جلسات "الحوار الوطني" لحسمها.
ومنذ انطلاق مناقشات القانون طرحت مسألة العزل السياسي، أو ما يُسمّى "التحصين السياسي للثورة"، وتبنت اللجنة المشرفة على إعداد القانون مقترحاً لإقصاء كل من تحمّل مسؤوليات في هياكل "حزب التجمع الدستوري" المنحلّ، وكل من شارك في حكومات بن علي المتعاقبة وكان ضليعاً أو ثبت ضلوعه في التورط في جرائم الفساد وفي "منظومة الاستبداد". لكن التصويت في الجلسة العامة أفضى إلى سقوط الفصل الـ 167 الذي ينص على العزل السياسي ليخلف خيبة أمل لدى فئة واسعة من التونسيين واتهامات خاصة لكتلة الغالبية، أي كتلة "حركة النهضة" (89 نائباً)، بعقد صفقة مع رموز النظام السابق لإسقاط هذا الفصل، الأمر الذي نفاه زعيم الحركة راشد الغنوشي، حيث أكد أنّ رفض حزبه إقصاء المنتمين لـ"التجمع" يمثل خطوة نحو الوحدة الوطنية.
في غضون ذلك، فإنّ تفاصيل التصويت كشفت تراجع "حركة النهضة" عن مبدأ طالما حملته في شعاراتها، وهو مبدأ "التصدي لعودة النظام السابق" و"إقصاء المنتمين لحزب التجمع المنحل". وخلال التصويت، تشتتت أصوات نواب التكتل الأكبر في المجلس التأسيسي بين مناهض للعزل السياسي وبين موافق عليه، بينما ارتأى عدد آخر من نواب كتلة "حركة النهضة" التغيب في جلسة التصويت تفادياً للإحراج.
وفي تبرير لتراجع "الحركة" عمّا سبق واعتبرته أحد ثوابتها، صرح زعيم الحركة راشد الغنوشي، في حديث إلى "السفير"، أنّ "للثورة شعباً صنعها وهو من سيتولى تحصينها، ونحن لسنا أوصياء على هذا الشعب، المصلحة الوطنية تقتضي اليوم عدم إقصاء أي جهة وإدخال المسار الانتقالي في لحظاته الأخيرة في مرحلة الخطر". وقال الغنوشي إنّ "حركة النهضة بذلت تنازلات كثيرة حتى تهدأ البلاد".
من جهتها، أبدت كتلة رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، كتلة "حزب التكتل"، استياءها من القانون الانتخابي، جراء إسقاط الفصل الـ167. وقال رئيس المجلس الوطني التأسيسي إنّ التصويت كان "الفيصل" وإنّ المجلس كان "حريصاً على الوفاء لأهداف الثورة التونسية.. لكن التصويت هو الحاسم في اعتماد العزل من عدمه". ونفى أي نية له في الاستقالة وتعليق أشغال المجلس طالما انتهت مهام المرحلة الانتقالية. وأكد بن جعفر أنّ الفصل الـ167 كان سيمثل "حماية للمسار الثوري لو تمّ اعتماده"، موضحاً أنه لا يعني إقصاء المنتمين للنظام السابق إنما يصبّ في سياق اعتماد عملية وقائية لاستبعاد المنتمين لـ"حزب التجمع" خلال المحطة الانتخابية المقبلة.
في المقابل، لم يُخفِ نواب حزب "نداء تونس"، الذي يضمّ في هياكله عدداً هاماً من رموز نظام بن علي، فرحهم جراء إسقاط الفصل الـ167. وتحدث النائب عن "نداء تونس" خميس كسيلة عن اعتزازه بالمشاركة في عدم تمرير الفصل المتعلق باستبعاد المنتمين إلى النظام السابق، معتبراً أن الإقصاء سيقسم التونسيين ويُرديهم فئات متناحرة في ما بينها، زاعماً أنه كان سيمثل عقوبة جماعية لأشخاص انتموا إلى النظام السابق من دون أن يتورطوا في منظومته الفاسدة.
بدوره، أعلن المتحدث باسم "الجبهة الشعبية" المعارضة حمّة الهمّامي، في حديث صحافي أمس، أنّ القانون الانتخابي في صيغته النهائية "يفتح الباب أمام تزوير الانتخابات المقبلة". وانتقد الهمّامي القانون، مؤكداً أن الجبهة الشعبية لم تصوّت لفائدته. واعتبر كذلك أنه كان من الأجدى ترحيل النقاط الخلافية إلى "الحوار الوطني" على غرار ما حدث عند التصويت على الدستور.
جدير بالذكر، أنه على خلاف مشهد المصادقة على الدستور التونسي خلال شهر كانون الثاني الماضي، الذي اتسم بالبهجة وبالفرح، بدا الاستياء واضحاً ما إن تمّت المصادقة على قانون الانتخابات، حيث أنّ أمهات "شهداء وجرحى الثورة"، اللواتي ينظّمن منذ الشهر الماضي اعتصاماً في حرم المجلس الوطني التأسيسي، رفعن صور أبنائهن وأكدن أنهن تلقين طعنة أخرى في القلب، بعد إصدار القرار القضائي، في منتصف الشهر الماضي، بتخفيف الأحكام بحق عدد من الرموز الأمنيين للنظام السابق.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد