حانات القاهرة تنتظر قرار «الإخوان»
انتهى شهر رمضان، وهو أول رمضان يقضيه المصريون في مرحلة ما بعد مبارك، وفي ظل حكم «الإخوان».
ويتساءل بعض المصريين إن كانت بعض مظاهر العلمانية في القاهرة - في ظل الحكم الجديد - ستختفي أم لا.
الوقت عشية بدء شهر رمضان... تجلس في أحد البارات في وسط المدينة المزدهر، على بعد مرمى حجر من ميدان التحرير، وتشرب ما تخشى أن يكون آخر زجاجة بيرة مثلجة مصرية الصنع على الأقل لمدة شهر. الجو صاخب، وسحب دخان السجائر تغطي المكان ودرجة الحرارة مرتفعة والازدحام شديد.
في هذا المكان خليط من الزبائن: مسيحيون من كبار السن، ومسلمون ليبراليون، وبعض الثوريين، وصحافيون سابقون، وكلهم يتحلقون حول طاولات مستديرة صغيرة تكاد لا تتسع للعشرات من زجاجات البيرة الموضوعة عليها ولا لعدد الزبائن الآخذ في التزايد على كراسيهم الخشبية.
وفي هذه الأثناء كان النادل يذرع المكان جيئة وذهابا وهو يحمل المزيد من زجاجات البيرة الخضراء ليمنحها إلى الأيدي الممدودة التي يمكنه أن يطالها، ويستطيع بمهارة فتح تلك الزجاجات ونزع أغطيتها المعدنية ببراعة.
عندما اختار المصريون مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي رئيسا للبلاد، فقد نصبوا، وللمرة الأولى في تاريخ مصر، رئيسا إسلاميا في سدة الحكم.
وبينما تقترب ساعات الليل من الانتهاء، ويدفع الزبائن حساباتهم، تاركين البار إلى الشارع، يدور في خلد الكثير منهم تساؤل: متى ستضطر أبواب البارات في القاهرة إلى الإغلاق إلى الأبد.
الحصول على مشروب في القاهرة - كقاعدة عامة - ليس صعبا، وتاريخ صنع البيرة في مصر تاريخ طويل. وبالإضافة إلى الفنادق السياحية والمطاعم، يوجد عدد من الحانات المحلية، المرخصة لتقديم المشروبات للزبائن، ويرجع تاريخ بعضها إلى الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، وتجتذب عددا من المصريين إذ تقدم لهم بيرة أرخص سعرا نوعا ما، وديكورا أرخص من الفنادق والمطاعم السياحية.
وإن كنت لا تريد مغادرة بيتك، يمكنك الحصول على المشروبات الكحولية عبر بعض المحلات التي تقوم بتوصيل البيرة والنبيذ والمشروبات الكحولية الأخرى إلى الزبائن بواسطة دراجات نارية خاصة.
وتذكّر شركة البيرة المصرية «ستيلا»، وهي أشهر أنواع البيرة في مصر، زبائنها بأنها لا تزال تعمل في صنع البيرة لأكثر من 115 عاما، وهذا يجعلها، كما أشار أحد أصحاب الحانات، أكبر سنا من جماعة «الإخوان المسلمين» بثلاثين سنة.
ويقول المصريون إن الفراعنة عرفوا البيرة، وكان بعضهم يشربها.
وبالرغم من أن القاهرة مدينة تجد فيها جنسيات مختلفة من أنحاء العالم، فإنه من المستحيل أن تتجاهل المفارقة الواضحة بين منظر الحانات، من ناحية، والثقافة الإسلامية العميقة الجذور في مصر، من ناحية أخرى. فمصر، بصفة عامة، بلد إسلامي محافظ متدين.
ويقول أحمد، وهو شاب في نهاية العشرينيات من العمر، «عندما يشرب الناس الكحول، فإنهم يفقدون عقولهم، ويتسببون في مشاكل في الشوارع». ولا يعد أحمد أحد مؤيدي «الإخوان المسلمين»، وليس سلفيا، لكن علامة السجود على جبهته تظهر مدى جديته والتزامه بالدين.
ويضيف أحمد «ينبغي أن يكون الناس أحرارا في الشرب في بيوتهم إذا اختاروا، لكن البارات يجب أن تُغلق في نهاية المطاف».
وفي مصر الآن مشكلات بحاجة إلى علاج، فلا شك أن الاقتصاد فيها في حاجة ماسة إلى الاهتمام، كما أن انتقال البلاد من حكم العسكريين إلى سلطة مدنية بحاجة أيضا إلى جهد ضخم.
جماعة «الإخوان المسلمين» نفسها حريصة على ترويج خططها السياسية والاقتصادية، وليس وجهات نظرها في القضايا الاجتماعية، من قبيل البيرة، أو ارتداء البكيني.
لكن اتجاه الإسلاميين إزاء الكحول - بالنسبة إلى العلمانيين - يعد مؤشرا إلى المدى الذي يراه الإسلاميون مناسبا لتطبيق أجندتهم الدينية.
ويقول حسن، وهو شاب ليبرالي في الثانية والعشرين من عمره، إن القواعد المقننة للبيرة بالنسبة إليه ليست حول السُكر، لكنها حول حرية الاختيار. ويضيف: «لا أحب أن ينصحني الناس بما يجب أن أفعل، وما لا ينبغي أن أفعل... «ليس هذا هو نوع البلد الذي أريد أن أعيش فيه».
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد