حشود الناتو على حدود روسيا: الغدر الأكثر سوءاً
الجمل: اسمحوا لي أن أبدأ بذكرى شخصية، فقد رافقت ميخائيل غورباتشوف في زيارته للولايات المتحدة الأمريكية منذ حوالي سبعة عشر عاماً مرت، وحضرت باعتباري مستشاراً، اجتماعات غورباتشوف مع جورج بوش الأب، وقد أعطاني ذلك فرصة نادرة لمراقبة ومتابعة ما يميل مؤرخو المستقبل للتأكيد إلى وصفه باعتباره الخرق والانتهاك الأكبر للثقة مقارنة باتفاقية ميونيخ المعروفة والمشهورة بين فرنسا وبريطانيا من جهة وألمانيا النازية من الجهة الأخرى.
لقد ركز ميخائيل غورباتشوف وجورج بوش الأب على إعادة توحيد ألمانيا المقسمة. وكان رأي الرئيس جورج بوش الأب بأن إعادة توحيد ألمانيا يمثل عاملاً رئيسياً للاستقرار في القارة الأوروبية والسلام العالمي، وأكد بشكل متكرر للزعيم السوفييتي غورباتشوف بأن إعادة توحيد ألمانيا سوف لن تؤدي بحلف شمال الأطلنطي إلى أن يتقدم مقترباً من الحدود السوفييتية. وأنا ما أزال قادراً على فتح دفتر ملاحظاتي القديم أو أن أقوم بتشغيل شريط التسجيل القديم لكي أستدعي ما قاله الرئيس بوش الأب في تلك اللحظة، والذي تمثل في (قوات الحلفاء سوف لن تتقدم وتقترب من حدودكم).
أنا متأكد وواثق من أن الالتزام الذي تمت إعادته بشكل متكرر، مازال موجوداً ضمن ملفات وأرشيف الرئيس بوش والملفات القديمة لوزارة الخارجية الأمريكية، فقد كان وزير الخارجية الأمريكية آنذاك جيمس بيكر، حاضر أيضاً في الاجتماع، وهو مازال موجوداً، الأمر الذي يجعل التحقق من مصداقية ما أقول أمر في غاية السهولة.
نفس هذا النوع من الالتزام والتعهد قد قام به وقدمه هيلموت كول مستشار ألمانيا وجون ميجر رئيس الوزراء البريطاني، ولكن مثل هؤلاء الزعماء السياسيين عادة ما يفضلون الصمت والسكوت حالياً، وذلك لأن العهد الذي قدموه نيابة عن مجالس وزاراتهم وحكوماتهم وبلدانهم قد تحول بكل وقاحة إلى رماد.
إن انتشار قوات الناتو في المناطق المجاورة تماماً لروسيا، وقرار البنتاغون بتمركز القوات الأمريكية في بولندا وجمهورية تشيكيا يجعل من هؤلاء الرجال المحترمون العظام لا تشوشهم أو تكدر صفوهم سعادة النسيان لواحد من المبادئ التي لا يمكن اعتبارها غير هامة في القانون الدولي: استمرارية الالتزامات والتعهدات الدولية.
إن وصول قوات الناتو إلى حدود روسيا يمكن ترجمته إلى ما هو أكثر من التهديد للاتحاد الفيدرالي الروسي. فروسيا بإمكانها أن تجد سبيلاً وطريقة بمقابلة ومواجهة هذا التهديد، وعلى صقور الإدارة الأمريكية الأكثر تشدداً أن يتذكروا بشكل أفضل أن روسيا ظلت وبقيت بلداً قوياً بسبب المخزونات الهائلة للصواريخ النووية.
إذا أدى هذا النكران الغادر للتعهد والالتزام القديم إلى تراجع في أي شيء فإن ذلك سوف يكون بسبب إشكالية الثقة في العلاقة بين الأعضاء المختلفين في المجتمع الدولي، وكما نعلم فإن الثقة تتمثل في احترام الالتزامات الدولية وكل المعايير الموضوعة والمتفق عليها في القانون الدولي.
إن نكران هذا المبدأ المنصوص عليه في القانون الدولي هو محاولة غير حضارية وغير مسؤولة تهدف إلى تجاهله، وذلك على النحو الذي يضر بالعلاقات الدولية ويدفعها إلى هاوية لا يمكن السيطرة عليها، وهو نكران غير مقبول وفقاً لتعريف القانون الدولي وأيضاً هو غير مقبول في عصر الأسلحة النووية هذا، الذي نعيش فيه.
على غرار المثل القديم، فإن الكذّاب لا يمكن تصديقه حتى إذا نطق بالحقيقة. وأي نوع من العلاقات تفترض موسكو أنه يمكن أن يستمر وتكون له جدوى مع واشنطن، إذا كانت لا تستطيع أن تعول وتعتمد على كلمة قدمها الرئيس الأمريكي؟ طالما أن كل رئيس أمريكي يجد نفسه متحرراً من الالتزام بالكلمة التي قالها.
يواجه العالم عدداً من المشاكل المعقدة والشائكة: الإرهاب الدولي، التلوث البيئي... وغيرها، وهي جميعاً تضع علامة استفهام حول مستقبل الحضارة الإنسانية وأمن الطاقة، وبالتالي الأمراض غير المعروفة التي قد تحدث تبعاً لذلك، والتي يمكن أن تقضي على الجنس الإنساني، أو تصيبه بما هو أسوأ من الأمراض التي أصابته في الماضي مثل الكوليرا أو غيرها. مع ملاحظة أنه لا يوجد بلد، ولا حتى الولايات المتحدة الأمريكية الواثقة من نفسها حالياً، يستطيع أن يكون قادراً على حل هذه المشاكل استناداً على جهد يده الواحدة.
وأختتم مقالي بالقول: إن التعاون النزيه والشريف المستدام بكل الوسائل بين الولايات المتحدة وروسيا هو شرط ضروري لحل المشاكل القائمة، وليس سوى الثقة من شرط ضروري لهذا النوع من التعاون.
إن نكران الأمريكيين للاتفاقيات الهامة التي تم التوقيع عليها من قبل سوف يؤدي بكل تأكيد إلى تقويض الثقة في علاقات اليوم وعلاقات المستقبل، فأسرة بوش، الآن أو لاحقاً، سوف تزول وتتنحى عن السلطة السياسية، وصُنّاع السياسية الذين سيأتون لاحقاً سيواجهون بكل تأكيد نفس النوع من المشاكل. وأعتقد بأن الأوان قد حان بالنسبة إليهم، أي لأسرة بوش، ليفكروا ويتمعنوا ملياً في الاعتبارات المتعلقة بانتماءاتهم السياسية وينظروا بشكل جاد إلى هذه الاعتبارات.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
الكاتب: فالنتين زورين
المصدر: فويس اوف روسيا
إضافة تعليق جديد