حصاد المطلقين في ساحة العباسيين
هناك في ساحة العباسيين في دمشق, ساحة أخرى للشجار والمحاسبة والانتقام...لتصفية حسابات شخصية بين الآباء والأمهات المطلقين, والأبناء هم الضحية الوحيدة.
وتحت لافتة مركز اللقاء الأسروي الذي يحمل أجمل المعاني بين حروفه تتفاجأ بمشاهد مأساوية لم نسجلها..ولم نكتبها..بل بقيت عالقة في الذاكرة.
طفل يجلس في زاوية مظلمة بإحدى غرف المركز يخفي رأسه براحة يده, حاولت انتشاله من حالة القلق التي تعصف به أبحث عن الكلمات المناسبة لأخفف عنه وطأة الألم ولكن بقي صامتاً, مطأطئ الرأس خجلاً.
طفل آخر ما زال البكاء لغته الوحيدة للإعلان عن تمرده ونفوره من المركز, تقول أمه: زوجي ركب رأسه ولم يوافق على حل الأمور بيني وبينه سلمياً دون اللجوء إلى المحكمة وتعريض الأطفال لهذه التجربة القاسية.
وتشتكي أم أخرى قائلة: تمنّع ابني عن لقائي بعد الزيارة الأولى, مع أنني لم أتحدث عن أبيه وكنت مهتمة بأخباره فقط, وقد علمت أن أباه يخبره عني أحاديث كاذبة تجعله يأنف من رؤيتي وبدل أن يقترب مني, يبتعد ويخلف في صدري غصة تكاد تحرقني.
وفي الطرف الآخر من المركز طفلة تبكي لأن أمها كسرت اللعبة التي قدمها لها أبوها, ورمتها في سلة المهملات كيداً وانتقاماً, الأمر الذي جعل الزوج يفقد أعصابه ويضرب الأم وبالتالي استدعاء الشرطة وهنا تتدخل الطفلة لحل الموضوع باستيعاب والديها ومجاملة الطرفين.
وتشاهد أيضاً في المركز طفلاً مريضاً وهو بحالة يرثى لها وعن سبب وجوده يقول أبوه: أتيت خوفاً من تقديم شكوى من أمه وسجني إذا لم أحضر الطفل إلى هنا وقت الزيارة, وابنة الثانية عشرة من العمر تصرخ بوجه أبيها: لاأحبك.. لاأحبك.. لاأريد رؤيتك.. أنت مجرم..
وبصعوبة ينتزع الأب ابنته الصغيرة من أمها التي تحتضنها بقوة لأن وقت الزيارة انتهى (الوقت المخصص لرؤية الأم ابنتها).
مشاهد تتكرر يومياً خاصة يوم الجمعة وفي مكان يفتقر لأدنى الشروط الصحية والنفسية (عبارة عن شقة صغيرة فيها باحة صغيرة, لا يوجد تدفئة لا يوجد ألعاب للأطفال) هذا ما قاله الأهالي والبعض منهم يرى أن هذا المكان أفضل بكثير من السابق حيث كانت تتم الإراءة في مخافر الشرطة.
الأستاذ يدج حاج حسن مشرف على مركز اللقاء الأسري يقول: الإراءة: هي حق لكل من الأبوين رؤية أولاده الموجودين لدى الطرف الآخر (الزوج أو الزوجة) دورياً مكان وجود المحضون وتم افتتاح المقر الجديد لأطفال الإراءة (مركز اللقاء الأسري في بداية عام 1999) من قبل وزارة العدل والاتحاد النسائي بالتعاون مع منظمة اليونيسيف في دمشق وتمّ تجهيزه بكل مستلزماته, ويقوم بالإشراف عليه السيد وزير العدل والسيد المحامي العام الأول بدمشق ورئيس التنفيذ الشرعي ويقوم رئيس التنفيذ مع مساعديه على حسن تنفيذ الإراءة وعلى الخدمة الاجتماعية والجو الباعث على الطمأنينة وهم على إطلاع مستمر لإنجاح عمل المركز حرصاً على مصلحة الطفل كما يعمل على وضع الحلول الفورية للمشكلات التي قد تظهر أثناء تنفيذ الإراءة.
في المركز موظف واختصاصية اجتماعية وعناصر شرطة باللباس المدني لإزالة الذعر والخوف من نفوس الأطفال إضافة إلى مستخدم ومستخدمة.
يعاني بعض الأطفال في المركز مشكلات عديدة منها: تكليف الوكلاء باستلام وتسليم الأطفال فهذا يسبب مشكلات عديدة من أهمها عدم ارتياح الطفل للذهاب مع أحد أقرباء الوالد أو الوالدة. ومن أغرب الحالات وأكثر المشكلات مرارة تعرض أحد أبناء الطلاق إلى إساءة وايذاءات جسدية من والديه ليحاول كل طرف الحصول على حضانة الطفل ويستعمل جميع الوسائل في الإيذاء من ضرب أو حرق لهذا الطفل ليحاول الانتقام من الطرف الآخر غير متوانٍ في تعريض الطفل لهذه الحالات ليذهب بعد إيذائه إلى مخافر الشرط ليثبت ما فعله الآخر في محضر رسمي ليكون وثيقة رسمية ليبرزها ليحرم الطرف الآخر من الحضانة لعدم الأهلية (الضحية هو الطفل) الذي كان يجب أن ينعم بغطاء الدفء والسعادة والأمان.
ومن خلال دراسة حالات الطلاق في المركز تبين أسباب الطلاق:
1 أسباب اقتصادية وأسباب اجتماعية فمن أكبر العوامل هو تدني مستوى الدخل الذي يؤدي إلى عجز الرجل عن تأدية الحاجات البيتية للزوجة والأطفال وإلى تغيبه الطويل عن البيت وبالتالي نسيانه لواجباته تجاه زوجته من أجل تأمين متطلبات الحياة, الضغط الاجتماعي والتدخل السافر بحياة الزوج أو الزوجة عندما يرتبط أحد الأطراف بأهله للمساعدة الاقتصادية.
2 الزواج المبكر للفتاة التي لا تعي شيئا عن متطلبات الزواج وحقوق الزوج والمنزل, عدم وجود علاقة متكافئة بين الطرفين وعدم وجود ثقافة جنسية صحيحة, مشتركة بين الطرفين وفي بعض الأحيان ينهي الزوجان حياتهما الزوجية بالطريقة الودية والرضائية المحترمة دون إدخال الأولاد طرفاً فيها ودون اللجوء إلى القضاء وتكون النتيجة عودة الحياة الزوجية بين الطرفين أحيانا ويكون السبب في ذلك غالبا الأطفال وحتى في بعض الأحيان لا يشعر الأطفال بأنه توجد مشكلة بين والديهما على الأقل حتى سن معينة, وهذه حالات قليلة في مجتمعنا ويلجأ الآباء المطلقون إلى مركز اللقاء الأسري عندما يشعر أحد الطرفين بالظلم والكيد وحرمانه من الطفل من قبل الطرف الآخر بأساليب قهر متعددة وعندما لا يكون التوافق بالتراضي.
وبلغت عدد الأضابير المسجلة عام 2006 (1249) إضبارة تم الصلح بين الطرفين (12) وتم الاتفاق رضائيا (57) وفي عام (2007) بلغت عدد الأضابير (1588) منها (23) صلحاً وفي عام (2008) بلغت عدد الأضابير (936) إضبارة وتم الاتفاق رضائيا على (9) في المنزل.
والإراءة على مدار الأسبوع كما يوجد الأحد (50) إضبارة والاثنين 45 والثلاثاء 48 والأربعاء عطلة المركز, ويوم الخميس حوالى (80) إضبارة والجمعة حوالى (601) إضبارة, وتقوم المشرفة الاجتماعية بدور فعال في المركز عن طريق تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة لمصلحة الأطفال أولاً.
لمن تكون الحضانة عند انفصال الزوجين؟ إذا تعدد أصحاب حق الحضانة فلمن تكون؟ وما المدة المسموح بها لرؤية الطفل؟ وأسئلة أخرى يجيبنا عنها المحامي حسين عواد قائلا: الإراءة هي حق لكل من الأبوين رؤية أولاده الموجودين لدى الطرف الآخر وعند المعارضة في تنفيذ ذلك تطبق أحكام المادة 482 من قانون العقوبات (الأب والأم وكل شخص آخر لا يمتثل أمر القاضي فيرفض أو يؤخر إحضار قاصر لم يتم الثامنة عشرة من عمره يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر حتى سنتين وبالغرامة مئة ليرة, والحضانة تكون للأم حتى سن الثالثة عشرة للولد وخمس عشرة سنة للبنت وبعد هذا السن للأب, والقانون أعطى للولد حق الاختيار بعد انتهاء فترة الحضانة بين الأب والأم بدعوى أمام المحكمة الشرعية وللقاضي تطبيق الأصلح للطفل, أما البنت ففي أغلب الأحيان لا توافق المحكمة تخييرها ولا توجد مواد قانونية واضحة بهذا الموضوع وتعتمد المحكمة على اجتهادات محكمة النقض والهيئة العامة لحسم موضوع الاختيار, العقل والبلوغ والقدرة على صيانة الولد صحة وخلقاً, وغير محكوم ومن ذوي السمعة الحسنة هي الشروط التي يجب أن تتوفر بالحاضن, ويحق للزوج نزع الحضانة من الأم بعد انتهاء المدة المحددة بنص القانون أو إذا تزوجت الأم أو إذا ثبت ارتكابها جرماً شائناً أو كانت من أصحاب السمعة السيئة, ولا تسقط الحضانة من الزوجة إذا كانت تعمل خارج المنزل, بشرط تأمين الرعاية والعناية لأولادها وأن يكون العمل مقبولاً, ويكون الإثبات أن الأم أو الأب غير كفء لرعاية الطفل بحكم قضائي أو بضبط شرطة مقترن بدليل على ارتكاب خطأ شائن.
وفي بعض الحالات يجوز إثبات سوء خلق الأم بكافة وسائل الإثبات أمام القاضي ومنها الشهود. وتكون الحضانة بعد الأم لأم الأم (الجدة) فلأم الأب (الجدة) فللأخت الشقيقة والأخت, ويستطيع الأب أو الأم رؤية الأطفال الموجودين عند الحاضن عن طريق اتفاقية بينهما بأن يأخذ الطفل إلى منزله لمدة معينة ومن ثم يعيده إلى الحاضن وهذا أفضل, وإذا لم يتفقوا لسبب ما فيلجأ الطرف الذي يريد رؤية أطفاله إلى القاضي ليحدد له موعداً يلتقي بأطفاله في مركز اللقاء الأسروي التابع لمكان إقامة الطفل المحضون, وبالنسبة للرضيع المدة تكون قليلة جداً لحاجته لأمه وتطول المدة مع الزمن حتى تسمح في بعض الأحيان للزيارة لمدة يوم أو أكثر حسب الظروف.
وإذا تعدد أصحاب حق الحضانة فللقاضي الحق في اختيار الأصلح للطفل (مثال أن تكون الحضانة للخالة ويكون للطفل أكثر من خالة) ولا يجوز للحاضن السفر إلا بموافقة الطرف الآخر باستثناء الزوجة يحق لها السفر بالمحضون إلى بلدتها الذي جرى فيها عقد نكاحها.
يقول الطبيب النفسي محمد كمال الشريف: يعاني كلا الزوجين مرارة الطلاق والشعور بالإخفاق وليس مستغرباً أن يكون لدى كل من الطليقين مشاعر الحقد والكراهية للطرف الآخر, وهنا ليس هاماً لو أن علاقتهما تنتهي بالطلاق نهاية تامة, لكن في أغلب الأحيان هنالك أطفال يجعلون العلاقة بين الطليقين مستمرة مدى الحياة, والمصيبة الكبرى تقع عندما يسعى الأب والأم لاستخدام الأطفال وسيلة لمعاقبة الطرف الآخر والانتقام منه.. إما بحرمان الطرف الآخر رؤية أطفاله حرماناً كاملاً كي يحرق قلبه كما يقال أو على الأقل أن يشحن الأطفال ضد والدهم الآخر ويجعلهم يرونه شخصاً بغيضاً ومخيفاً ويجعلهم ينظرون نظرة شك وريبة لكل محاولاته للتقرب إليهم كالطفلة الصغيرة التي خافت أن تأكل حلوى قدمها لها أبوها خشية أن تكون مسمومة!
إن الإنسان في طفولته ومراهقته يرى في والديه القدوة والنموذج والمثال فيتشبه بهما ويقلدهما ويأخذ عنهما القيم والأخلاق وطرق السلوك, كما يتعلم منهما كيف يكون رجلاً أو كيف تكون امرأة, ولن يتعلم الطفل من أبويه شىئاً إلا أن كان يحبهما ومعجباً بهما في النواحي التي يقتبسها من شخصيتهما والطفل الذي يرى أحد والديه عدواً ويراه شخصاً تتجسد فيه جميع العيوب ويراه مسؤولاًعن معاناته ومعاناة أمه بعد الطلاق, يكون محروماً من النموذج الذي يقتبس منه تلك الصفات الضرورية لبناء شخصية قوية متوازنة.
إن الذي يموت أبوه أو تموت أمه لكنه يحتفظ في عقله بصورة مشرقة لهما لا يتأثر نفسياً كذلك الأثر الذي يتأثره من يعتقد أن أحد أبويه عدو له أو شخص لا يتمناه أحد أباً له من كثرة عيوبه وسوء طباعه.
إن محبة الأطفال للوالد الآخر ليست خدمة نسديها له وبالتالي قد لانراه جديراً بها وبخاصة بعد اساءاته لنا, إنما هي خدمة عظيمة نسديها لأطفالنا لأننا مهما عملنا سيبقى للطفل والد آخر, هو بحاجة له, ولو كذكرى طيبة وصورة حلوة لأب محب حتى لو كانت الحقيقة غير ذلك,لابد أن نضحي من أجل أطفالنا لنا بدل أن نضحي بهم وبنفسياتهم كي نصفي الحساب ما بيننا.
ويضيف د.ثائر حيدر, طبيب نفسي ومدرس في كلية الطب البشري, جامعة الطب البشري, جامعة دمشق: تأتي مشكلة المكان الذي يحدده القضاء حتى يرى الطفل أحد أبوين وهو ما يسمى (الإراءة) وهنا المكان أقل ما يوصف به أنه غير مناسب إطلاقاً لهذه المهمة النبيلة لا من حيث الازدحام ولا وسائل الترفيه أو اللعب ولا مكان الجلوس والحديث ولا أوقات الدوام و..و..و..
وتصبح هذه التجربة نقمة على الطفل بدل أن تكون مناسبة سعيدة للقاء وبما أن الكلام عن آثار الطلاق السلبية على الأطفال يطول شرحه فإنني أكتفي باقتراح فكرة بسيطة لكنها مهمة من الناحية النفسية وهي أن يقابل الآباء أطفالهم في مكان محايد سواء عند أحد الأقارب أو الأصدقاء وسيجدون أن الساعات القليلة لهذا اللقاء ستكون أكثر نفعاً وراحة وفرحاً للطرفين معاً.
د. محمد عبد الله, دكتور في علم الاجتماع, جامعة دمشق: إن الأثر النفسي للانفصال بين الوالدين على نفسية الأطفال أمر لابد من حدوثه بدءاً من الشعور بالنقص لعدم توفر الجو العائلي المتوفر للآخرين وانتهاء بعدم الإحساس بالأمان لفقدان المنظمة المتكاملة من الحب والحنان التي يضعها الأبوان في تناغم مشترك, وينشأ الطفل فاقداً للثقة إلا إذا تم تعويضها بنبع آخر للحب والعطف والحنان.
وينبغي على الآباء التكيف مع الظروف الجديدة لحماية نفسه من أية مشكلات نفسية أو ضغوط عصبية لذلك عليه أن يفكر أيضاً في احتياجاته الشخصية ليعيش مرتاحاً فتنعكس هذه الراحة النفسية على أبنائه ما يوفر لهم المناخ الملائم للنمو والتربية وإن كان الأطفال دون سن المدرسة ينبغي أن يوفر الأب من يقيم معهم طوال اليوم ليشعروا, بالأمان لأنهم في هذا السن بحاجة للالتصاق بشخص يوجد معهم طوال اليوم, ومن الخطأ نقل الأبناء إلى منزل الجد أو الجدة فور الانفصال بل ينبغي انتظار فرصة مواتية لذلك كعطلة نصف السنة أو نهاية العام الدراسي.
أخيراً خلط أدوار الأبوين معاً يؤثر سلباً على الأبناء بمعنى أن سلوكك المتزايد بالتعويض عن الأم ولعدم وجود شيء آخر في حياتك غير الأبناء يدفعك للمراقبة والتدقيق والمتابعة لكل صغيرة وكبيرة تخص الأبناء وهذا يخلط على الأبناء الأمر فرغم حاجتهم لمن يسد فراغ الأم إلا أنهم مازالوا بحاجة إلى أب, وللأسف مثل هذه الحالات تسبب للمراهق الكثير من المشكلات.
لم ينزعج مدير المركز من شكوى وتذمر الآباء من ضيق مكان المركز وعدم وجود تدفئة و..و..
بل قال مازحا: أتمنى أن يزداد الوضع سوءا حتى يضطروا إلى الإراءة المنزلية وإخراج الأولاد من حساباتهم الشخصية فهل يعقل أن يحتاج الأب أو الأم إلى قضاء وقانون وشرطة لرؤية فلذة كبده في مكان محدد وزمن محدد.
وأضاف: شاب شعري من تصرفات الآباء (ضرب- شتائم- إهانة) أمام أبنائهم الذين يضحون بهم بدل أن يضحوا من أجلهم.
لم يجبر القانون الزوجة على حضانة الولد وإن كان في سن حضانتها ولها إجبار والده على تسلمه والتخلي عن حضانته ولكن لم يمنع حق الحاضنة بطلبه مرة ثانية ولو بعد تسليمه رضائياً, للأب ولو لعدة مرات استنادا لقاعدة حق المحضون بهذه الحضانة ولكن هل ياترى بظل حاضنة تستخدمه سلاحا وليس راعية له.
وفي اجتهاد آخر الاراءة إن كانت للأم أو للأب فهي مرة في الاسبوع وإذا كانت لغيرهما فهي مرة في كل سنة, والسؤال كيف ستكون علاقة شاب مع جدّ رآه مرة في العام؟َ!
رويدة سليمان- محمد عكروش
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد