خنق العرض يؤجج الدولار
كثر الحديث عن ارتفاع الطلب على الدولار في السوق السوداء، وتعمشقت بعض التصريحات على سلم تخفيف ضغط الطلب على الدولار لمعالجة ارتفاع سعر صرفه على أساس معادلة العرض والطلب.
قد لا أختلف مع كثير من الطروحات التي تعتمد معادلة العرض والطلب في تحديد سعر صرف الدولار، لكن أختلف بشدة على تحديد مكان الخلل في المعادلة التي يفرضها المضاربون بجرأة في تعاملاتهم، وأكاد أزعم أن الطلب على الدولار في أدنى المستويات، والخلل هو في جانب العرض وليس الطلب، والسوق مفتوح أمام الجميع ويمكن الاستدلال على مكان الخلل في المعادلة ببساطة.
فعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها المضاربون وتجار السوق السوداء لاستثارة موجة شراء جديدة على الدولار، لكنهم باؤوا بالفشل، لذا تكفل الصرافون باعتماد إستراتيجية بديلة تعتمد على إضعاف مكون العرض، عبر احتكارهم «للعملة الصعبة» وامتناعهم عن البيع، وبالتالي يصبح العرض أقل بكثير من الطلب المتوقع أو المعتاد، فيرتفع السعر إلى مستويات جديدة، ثم يبدؤون بتحرير العرض والبيع بهدف جني الأرباح ما يؤدي إلى انخفاض السعر من جديد، وهكذا نلاحظ تحرك الأسعار بين حدين أدنى (مستوى دعم) وأعلى (مستوى مقاومة) يتغيران بدورهما من فترة لأخرى حسب الأهداف المتوقعة التي يمكن للتجار تحريك الدولار ضمنها.
أما احتكار الدولار وخنق جانب العرض فيساهم بخلق حالة تعرف بالمشاركة العامة، أي يتشارك المتعاملون مجموعة من الأخبار وينشرونها في السوق، وكانت تلك الأخبار تتركز على عدم وجود دولار في السوق، وهذا يحفز جانباً بسيطاً من الطلب ويخلق انطباعاً بأن الأسعار سترتفع إلى مستويات جديدة، ومع تحقق الارتفاع ينتقل المضاربون إلى مرحلة «الشطارة» وهي تفرق التجار، حيث ينسحب المضاربون من السوق ويتوقفون عن الشراء عند مستويات مرتفعة ويستعدون لإغلاق مراكز الشراء عبر البيع عند أعلى سعر مستهدف في ظل الظروف المحيطة وحالة الحذر، وهنا تبدأ عمليات جني الأرباح الناجمة عن فروق أسعار الشراء والبيع، وهكذا يكون الرابح الأكبر من بادر بالشراء أولاً عن أدنى مستوى للأسعار، وإغلاق مركزه والبيع أولاً عند أعلى مستوى للأسعار.
هذه هي الآلية التي تتحرك وفقها السوق السوداء اليوم، من دون أن ننكر جملة الإشكاليات الأخرى المرتبطة بالمؤشرات الاقتصادية وتفاصيل الأدوات النقدية وسياسات التدخل التي أعطت فرصة أمام تجار السوداء لتحقيق ثروات طائلة على حساب القدرة الشرائية للمواطن.
علي نزار الآغا
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد