دراما المال الآثم و«بَنْدَقة» المحطات العربية
نستطيع اليوم الحديث عن المخرج الموظف والكاتب العامل «بالأجرة»، فاستناداً إلى قاعدة «منعمل كلشي بفلوسنا»، فتَكَ المال الخليجي بالدراما السورية عندما حوّل المخرج إلى منفذ، والمؤلف إلى كاتب عريضة، والممثل إلى باحث عن فرصة عمل، والذريعة هي «المصاري» وسيطرة محطات المال على العروض العربية للمسلسلات ودخول التجار إلى سوق التأليف وإلقاء الأوامر على الكاتب وتحديد قوائم الممثلين للمخرج ومطالبته بحذف المشاهد وتعديل الخلفيات ونسف العمل من جذوره إذا ما اقتضى الأمر!.
لم يكن ذلك غريباً فقد فعلتها المحطات والمال نفسه في مواضيع أخرى أكثر حيوية بالنسبة للأمة وهي الشعر، عندما دخلت شركات الموبايل على خط القصائد وحوّلت «ديوان العرب» إلى بازار يحدد فيه صاحب المال موضوع القصيدة وأساليبها وخطوطها الحمراء كأن الشاعر يكتب «روشيتة» مفقّطة بتعدادات وبنود لا تحتمل التمايزات بين خصوصيات الشعراء، وكان الأمر الذي يندى له الجبين هو في المسابقات التي تستنفر القبائل العربية من أجل التصويت لمصلحة شعرائها بهدف حماية المضارب مع أن الأمة مثخنة بجراح الطائفية وهي لا تكاد تنهض من شرذمة حتى تقع في شرذمات!.
لم يكن غريباً أن نتعرف إلى شعراء كتبوا دواوين مناسبة للمسابقات الخليجية من حيث «حشمة الحبيب» وارتفاع منسوب الإيمان والتقوى في القصيدة مع تطعيمها بألفاظ تشير إلى مجد الدشداشات وحباشاتها بذكاء وحرفية بهدف الحصول على الجائزة التي ستنتشل الشاعر من الفاقة وشظف العيش إلى الاكتفاء الذاتي وربما التصدير للأبناء الذين لا يتوانون في كل مرحلة عن إدانة الشعر لأنه «يجلب الفقر»!.
الخط البياني للمال الخليجي يؤكد الانعطافات الخطيرة التي عصفت بالدراما السورية بدءاً من مسلسلات الفنتازيا التي ربما تكون أول الاعتداءات على المخيلة السورية عبر هذا النوع من الانتاج الذي كلف الكثير وكان على الأرجح من ضمن مخطط هدف اغتيال الخصوصية المحلية للسوريين واحتلال مخيلاتهم بالشكل الذي حدث لاحقاً في مسلسلات القرون الأولى إلى جانب دراما الصحراء وبيوت الشعر التي استهلكت إمكانات المخرجين المبدعين الذين اضطروا لسبب أو لآخر أن يحسبوا الموضوع من باب «فرق العملة» فمشوا على قاعدة «حسب السوق رح نسوق».. ألم يحدث الأمر نفسه على صعيد الأغنية عندما قامت روتانا وسلسلاتها الكثيرات بإجبار المطربين على توقيع عقود ملكية لمصلحتها وإلزامهم بإنتاج يحمل لوناً معيناً يتكفل بتحديده خبراء «الموارد البشرية» في تلك الشاشات التي تعاملت مع الإبداع باعتباره من اقتصاد السوق والتسويق والتوزيع والاستهلاك!.
طغيان رأس المال الغريب خلال سنوات خلت، قد يكون من أهم أسباب تراجع الدراما السورية التي دخلت في «البندقة» العربية في اختيار الممثلين وفرض النجوم الجدد الذين يفترض أن يكونوا من دول معينة وبمزاجات محددة، وكلها خلطات شربتها المسلسلات السورية لتفاجأ لاحقاً أن المواليد الجدد مهجنون غير معروف «قرعة أبوهم من وين»!.
«اللي معو برشّ ع المخلوطة مصاري»، ومخلوطة اليوم لا تقتصر على الدراما السورية المثخنة بالاعتداءات، بل هي خليط من جميع أنواع الفنون الإبداعية المطلوب ترويضها وتصحيرها كي تبدو أقل تنويراً وأقل خرمشةً كأن هناك مكنة ضخمة تعمل من أجل مجد العَطَب في هذا العالم العربي المتهالك بالوهم!.
زيد قطريب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد