دمشق وبغداد «تتبادلان» استدعاء سفيريهما
أدخلت الحكومة العراقية علاقاتها مع سوريا في أزمة جديدة، أمس، عندما قررت استدعاء سفيرها في دمشق، ومطالبتها بتسليم اثنين من كبار قادة حزب البعث العراقي تشتبه في تورطهما في التخطيط للتفجيرات التي استهدفت ثلاث وزارات في بغداد الأربعاء الماضي، وهو ما ردت عليه دمشق على الفور باستدعاء سفيرها في بغداد، من دون تحديد مهلة زمنية لعودته، معتبرة أن «العلاقات مع العراق باتت رهناً بأجندات داخلية وخارجية».
وجاء ذلك في وقت، تبنت «دولة العراق الإسلامية»، التي تعتبر الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، في بيان، التفجيرات الدامية التي استهدفت وزارات الخارجية والمالية والدفاع ومراكز حكومية أخرى في بغداد قبل أسبوع، وأوقعت أكثر من مئة قتيل، وحوالى ألف جريح، بينما قتل عراقيان، وأصيب 11، بانفجارات في الكرادة وحي المرتضى في بغداد.
وخلال توزيعه تعويضات على ضحايا التفجيرات في بغداد، كرر رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي اتهامه لدول جوار العراق بالوقوف وراء ما حصل. وقال «نحن في حرب مفتوحة مدعومة للأسف من دول الجوار، ولهذا حصل ما حصل. إنهم يريدون حصول المزيد قبل الانتخابات» التشريعية في كانون الثاني المقبل.
يذكر أن المالكي كان زار دمشق قبل يوم واحد من التفجيرات الدموية في بغداد، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، ووقع مع نظيره السوري محمد ناجي عطري «إعلاناً سياسياً مشتركاً لتأسيس مجلس تعاون استراتيجي» مهمته مناقشة التعاون في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتعاون العسكري.
وكان البلدان قررا خلال زيارة قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى بغداد في 22 تشرين الثاني العام 2006 إعادة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء. وأرسلت سوريا سفيرها نواف الفارس إلى بغداد في تشرين الأول الماضي. وتسلم الأسد في 16 شباط الماضي، أوراق اعتماد السفير علاء حسين الجوادي.
وفي دمشق، ردت سوريا سريعاً على قيام الحكومة العراقية باستدعاء سفيرها في دمشق بقرار مماثل تضمن استدعاء السفير السوري في بغداد إلى دمشق من دون تحديد مهلة زمنية لعودته. وقالت مصادر أن ذلك جرى قبل وقت مقبول من إعلان البيان العراقي، مع الإشارة إلى أنه لم يتم تبليغ السفير العراقي رسمياً باستدعائه.
وصدر بيان رسمي سوري بعد ساعات قليلة من ورود الأنباء الصحافية عن استدعاء السفير العراقي في دمشق. وشدّد البيان الرسمي السوري على الرفض القاطع لما جاء على لسان المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ حول تفجيرات بغداد الدامية الأربعاء الماضي. وقال مصدر رسمي إن «سوريا التي أكدت مراراً حرصها على وحدة العراق وأمنه واستقراره تأسف أن تصبح علاقاتها مع العراق رهناً للخلافات الداخلية وربما أجندة خارجية».
وأضاف المصدر أن سوريا «أبلغت الجانب العراقي استعدادها لاستقبال وفد عراقي للإطلاع منه على الأدلة التي تتوافر لديه عن منفذي التفجيرات، وإلا فإنها تعتبر أن ما يجري بثه في وسائل الإعلام العراقية أدلة مفبركة لأهداف سياسية داخلية». وأشار إلى «أن تضارب تصريحات المسؤولين العراقيين حول هذا الموضوع وتناقضها دليل يؤكد ذلك»، وذلك في إشارة إلى تبادل الاتهامات بين الأطياف العراقية المختلفة والحديث عن فساد وسط الشرطة وحتى اتهام دول مجاورة أخرى خلال الأيام الأخيرة.
وأوضح المصدر أنه «بناء على ما تقدم، ورداً على استدعاء الحكومة العراقية للسفير العراقي في دمشق للتشاور قررت سوريا استدعاء سفيرها في بغداد».
كل ذلك تجمع بين سطور البيان السوري الذي تميز باللهجة الحادة والسريعة في الرد، وذلك انطلاقاً من «إحباط شديد» من تصرف الحكومة العراقية، خصوصاً أن هذا يأتي بعد أيام على زيارة المالكي إلى دمشق وتوقيع اتفاق لتأسيس مجلس استراتيجي رفيع المستوى.
وبالرغم مما أنجزه البلدان نظرياً على مستوى العلاقات عبر الزيارات المتبادلة أو بتوقيع اتفاقيات بالأحرف الأولى، إلا أن لهجة تفاؤل حذرة بقيت في أروقة الدبلوماسية السورية، والتي تستند لقناعة بأن أطرافاً إقليمية ودولية، إضافة لأطراف محلية عراقية، ولأسباب متنوعة ستقف عائقاً أمام تطور هذه العلاقات مجدداً، مستندة في ذلك التحليل إلى تجارب تاريخية متعثرة من محاولات التقارب السوري العراقي.
وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ قد وزع بياناً جاء فيه إن «مجلس الوزراء قرر مطالبة الحكومة السورية بتسليم محمد يونس الأحمد وسطام فرحان لدورهما المباشر في تنفيذ العملية الإرهابية». وأضاف أن وزارة الخارجية ستطالب الحكومة السورية «بتسليم جميع المطلوبين قضائياً ممن ارتكبوا جرائم قتل وتدمير بحق العراقيين، وطرد المنظمات الإرهابية التي تتخذ من سوريا مقراً ومنطلقاً للتخطيط للعمليات الإرهابية ضد الشعب العراقي». وأكد أن مجلس الوزراء «قرر استدعاء السفير العراقي في سوريا للتشاور معه بشأن الموضوع».
كما قررت الحكومة العراقية تكليف وزارة الخارجية بمطالبة مجلس الأمن الدولي بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين خططوا ونفذوا جرائم حرب وجرائم إبادة ضد الإنسانية بحق المدنيين العراقيين، و«الإيعاز إلى وزارتي الداخلية والعدل بتنظيم ملفات استرداد المجرمين المطلوبين عن جرائم الإرهاب».
في هذا الوقت، تبنت «دولة العراق الإسلامية» الفرع العراقي للقاعدة، في بيان بعنوان «غزوة الأسير»، التفجيرات الدموية في بغداد.
وجاء في البيان «بفضل من الله ومنه وتسديده، انطلق أبناء دولة الإسلام في غزوة مباركة جديدة، في قلب بغداد الجريحة، لدك معاقل الكفر وحصون الشرك للحكومة الصفوية المرتدة، التي لطالما تبجح عملاؤها وأسيادهم بمنعتها وقوة تحصينها. وكان مما تم استهدافه بالعمليات الاستشهادية المباركة، وما يسره الله لأوليائه من أسلحة: مقار وزارات الخارجية والمالية والدفاع، ومبنى محافظة بغداد، وبعض أوكار الشر في منطقتهم الخضراء، فتزلزلت الأرض تحت أقدامهم، وتقطعت قلوبهم رعباً وخوفاً، وبان للقاصي والداني ضعفهم وهزال دولتهم واختلافهم فيما بينهم».
وأضاف البيان «ليعلم رؤوس الكفر في الحكومة المرتدة، ومن سيطبل لهم، أن جنود دولة الإسلام لا تهمهم جعجعات التهديد، ولا صيحات الاستنكار والتنديد، ولا حملات التشويه التي سيطلقونها، وأن سيوف الحق التي سلت نصرة لدين الله لن تعود لأغمادها حتى يقضي الله بأمره ما يشاء، ولئن أبيد أبناء دولة الإسلام عن بكرة أبيهم خير لهم من أن يحكمهم رافضي خبيث أو أن تستظل بغداد برايات الصفويين يوماً واحداً».
من جهته، قال السفير العراقي في دمشق ان السفارة ستبقى مفتوحة والاعمال فيها جارية، مؤكداً انه استدعي «للتشاور».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد