دينا حايك: حزن بالفطرة أم بالإرغام؟
لم تُطبَع مغنية شابة قبل دينا حايك في الأغنية اللبنانية المسمّاة «شبابية»، بطابع الحزن واللوعة وحتى البكاء، كما طُبعت هي. ولم تتصرف مغنية شابة لم تختبر الحياة العاطفية بالشكل الكامل أو بالشكل الذي قد يمنحها قدرة على استخلاص عِبَر درامية اكتئابية، كما تتصرف هي. كأنها التزمت الأسى وراحت تغني له. والأسى في معنى من المعاني هو الشرّ العاطفي في مقابل الخير الذي هو الفرح، ودينا سعيدة بهذا الغناء. سعيدة، ويبدو أنها مصرّة عليه، أحياناً بإرادة، وأحياناً أخرى بلا ارادة. سعيدة وتحاول حتى تحويل بعض الأغاني الفرحة الى حزينة على رغم كلامها اللطيف ولحنها الايقاعي المرح وضرورة اعتماد أداء أكثر رشاقة وحيوية وتفاؤلاً بالحياة فيها.
ليست متشائمة دينا حايك. ليست كذلك قطعاً. لكن عادة سيّئة هي التأثر الصوتي والأدائي الدامع غلبت عليها فغلبتها، فباتت تتعامل مع كل أغانيها بذهنية فَقْدِ الحبيب حتى ولو كان حاضراً في الأغنية، وجميلاً ومحبباً وعاشقاً متيماً!
ما هي تلك النزعة السوداوية التي تمسك بصوت دينا حايك وتأخذه طائعاً مختاراً راضياً مرضياً الى رثاء الحب في عزّ الحاجة الى مديحه ومديح الحبيب ومديح الحياة التي ينهض بها الحب بهية ساطعة؟
من الذي أقنع هذه المغنية الطيبة التي اعتمدت على صوتها وعلى ذاتها وعلى انتاجها الخاص الضئيل في البداية، و «صارعت» لإثبات وجودها قبل أن تتلقفها شركة الانتاج، بأن صوتها أقرب الى الناي المجرّح النبرة لا الى آلة ترقص وتلعب، فاقتنعت بالفكرة وأَسَرت نفسها بها ونكاد نقول نذرت نفسها لها، فكل فرح ممجوج، وكل حبور مسحوب منه الألق، أما كلّ باك فمرغوب، وكل وجع فمرحّب به؟!
ليس في الأمر مبالغة. كثيرة هي الكتابات النقدية التي قالت ذلك لدينا حايك، وأكثر منها المقابلات الاعلامية التي طُرحت فيها هذه القضية الشائكة وكان جواب دينا باستمرار انها تحب أن تعيش عمرها وأن تغنّي لعمرها وأن تتجاوب مع جمهور من عمرها، لكنها لا تدري لماذا تنجح أغانيها التي تعكس الحزن أكثر من تلك التي تعكس الفرح. وأغلب الظن أنها صادقة في ما تقول. لكن بعض التدقيق قد يؤدي الى كشف العلّة، ثم الى ايجاد الحل.
واذا كانت العلّة هي في العادة الأدائية الميّالة الى اظهار الشجن، وهذا قوّى امكانات نجاح الأغاني الرومانسية بصوتها، فإن محاولة اكتساب عادة أدائية أخرى ميّالة الى اظهار نبض سعادة وحيوية عبر التمارين الغنائية المتكررة على الأغاني الراقصة ذات المعنى والمبنى الجميلين بإشراف متخصص (وهذا ليس عيباً) سيقوّي امكانات نجاح أغانيها الايقاعية الخاصة سواء باختيار أفضلها من ملحنين مبدعين، أو بإقناع الجمهور فعلاً، بعد تقديم براهين غنائية، بأن طاقات صوتها تحرّرت من قيود أدائية معينة وانفتحت على احتمالات شتى.
لا تستطيع دينا حايك أن تبقى حيث هي، بل تخرب صوتها، اذا لم تجتهد في سبيل التحرك الى مواقع أخرى. ولا يُغرّنها أن جمهوراً يحبها في الأغنية الرومانسية وأنها مكتفية بذلك. فالجمهور ملول بطبعه. ملول ومتقلّب وحسّه النقدي الفطري غالباً ما يدعوه الى فكّ ارتباطه بمغنين يواصلون النسج على المنوال نفسه، أو العزف على قيثارة بعينها، نغماً بعينه دون سواه، وثمة حول دينا من هؤلاء المغنين والمغنيات مَن فَقَدَ البوصلة لأنه فَقَد القدرة على التواصل مع الجمهور بمداه الأرحب المتنوع المزيّن بالألوان، فتلبدت ظروفــه وأُسـقط في يديه الاثنتين لا في يده الواحدة فقط، وبات الجمهور منه بعيداً.
على دينا حايك أن تختار مصيرها عبر أكثر من نوع غنــائي قبل أن تحترق بخيـــار واحد أرغمت نفسها عليه أو استسلمت له بالفــطرة... وفـي الحــــالين النتــيجـــة واحـــدة!
عبد الغني طليس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد