رئيس واحد وحكومتان وأولمرت شقيق عباس بالرضاعة
بعد مرور 16 عاما على ضياع فلسطين ونكبة أهلها، نشأت «منظمة التحرير الفلسطينية» بهدف تحرير فلسطين. وبرغم أن نشأة المنظمة تمت بقرار من النظام العربي الرسمي القائم على مبدأ الدول، فإن هذه المنظمة لم تشر، في وثائقها الأولى أو ميثاقها، إلى قيام الدولة الفلسطينية بوصفها هدفا من أهدافها. كما أن وجود سابقة ما كان يعرف بـ»حكومة عموم فلسطين» التي أنشأتها الهيئة العربية العليا، فور إعلان الدولة اليهودية، لم يقد إلى إعلان دولة فلسطينية ولا إلى تحديد رئيس لها.
وفقط بعد احتلال إسرائيل لكامل التراب الفلسطيني إثر حرب العام ,1967 بدأ السجال الخجول في الساحة الفلسطينية حول الدولة، وما إذا كانت ديموقراطية أم علمانية. وبعد تحويل الميثاق القومي إلى ميثاق وطني، جرى التعامل مع الدولة بوصفها تعبئة للخانة الفارغة لفلسطين في الحلبتين العربية والدولية، وعلى اعتبار أن قواعد العمل الدولي ترتضي ذلك.
ولم يكن خافيا على أحد، أن الدولة حق من أبسط حقوق الفلسطيني الساعي لتقرير مصيره، إلا أن قومية القضية كانت تحول دون إظهارها وكأنها قضية «وطنية». وحتى بعد إعلان الدولة الفلسطينية في مؤتمر الجزائر اثر الانتفاضة الأولى، تردد البعض في تقبل فكرة «الرئيس» الفلسطيني. فقد كانت فكرة الدولة والرئاسة تتضمن، في فهم البعض، خروجا عن قواعد الفعل الثوري المطلوب لمهمة التحرير وانصياعا لقواعد العمل الرسمي المطلوب لمهمة إدارة الفعل الدبلوماسي السياسي.
وحتى عند إبرام اتفاقية أوسلو، كان الخلاف على أشده بين إسرائيل ومنظمة التحرير حول التعابير وبينها «الرئيس» والحكومة، إذ لم يتطرق اتفاق أوسلو أو «إعلان المبادئ» إلى ذلك واكتفى بتعبير مجلس الحكم الذاتي. وفي مفاوضات عسيرة، وافقت إسرائيل على تعبير كوفىٍْفَ بدلا من ِْمَّىلمَُّ الإنكليزية، لتقليل قيمة تعبير «الرئيس» بالعربية. والشيء نفسه تقريبا جرى حول تعبير الحكومة، حيث حــاولت إســرائيل مطولا الحيلولة دون توفير معاني السيادة لأي صفة تطلق على ممثلي السلطة الفلسطينية.
ومع مرور الوقت، وبعد إفراغ الكثير من التعابير من مضمونها، عادت إسرائيل ورأت أن لا جدوى في الإصرار على الانتقاص الشكلي من السيادة. ففي ظل الانتفاضة صار الحديث عن «الرئيس» و«الحكومة» و«الوزراء» دلالة على أن الأمر يتعلق بدولة لا تختلف عن باقي الدول. وهكذا غدا من الأسهل التمرير للعالم أن الصراع القائم بين إسرائيل والســلطة الفلسطينية هو في الواقع صراع عنيف بين «دولتين» لكل منهــما مؤسسـاته وحـكومته بل وجيشه.
وحتى عندما حاصرت إسرائيل الرئيس الشهيد ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله، تعاملت معه كرئيس مهزوم في حرب شنها عليها. واستغلت حتى في ذلك موقعه الرئاسي، لتظهر بالصوت والصورة مقدار جبروتها والفارق بين قوتي الطرفين.
وعندما وصل الرئيس محمود عباس إلى سدة الرئاسة في انتخابات حرة، لم تغير إسرائيل جوهريا من نظرتها للرئاسة أو الحكومة الفلسطينية. فقد كان رئيس الحكومة الإسرائيلي أرييل شارون يصف عباس بأنه «فرخ لم ينبت ريشه بعد». وجاءت الانتخابات التشريعية الفلسطينية، التي منحت حماس غالبية مقاعد المجلس التشريعي، لتزيد الطين بلة. فقد تحول الحنق من الرئاسة الفلسطينية، التي كانت في نظر إسرائيل أمرا «غير ذي شأن»، إلى السلطة الفلسطينية بأسرها التي غدت «كيانا معاديا». ولكن مع مرور الوقت ولاعتبارات إقليمية ودولية، تراجعت حدة المواقف الإسرائيلية من الرئاسة الفلسطينية، في نطاق البحث، أو التظاهر بالبحث، عن مخارج.
وهكذا وصلنا إلى احتضان الدب لصديقه، فعاد عباس في نظر إسرائيل إلى موقع الصديق. ويقول قيادي فلسطيني بارز ان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت اكتشف أنه «شقيق عباس في الرضاعة». وفي الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام الإسرائيلي بمنصب الرئاسة الفلسطينية، ليس فقط بوصفه رئيسا فعليا لحكومتين، واحدة معادية في غزة وأخرى محايدة، إن لم تكن محابية، في الضفة، وإنما أيضا بوصفه «رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية».
فرئيس يرأس هذا القدر من الحكومات والمنظمة هو الأقدر، في نظر أولمرت، وهذا هو اكتشافه الأعظم، على إحلال السلام بين الشعبين. وبقدرة قادر أعلن أولمرت، فقط بعد يوم واحد من اعلان مجلسه الوزاري المصغر أن قطاع غزة كيان معادي لإسرائيل، أن عباس «رئيس» للشعب الفلسطيني. وقال أنه «يوجد للشعب الفلسطيني قيادة معتدلة، تعلن رغبتها في السلام معنا». واعتبر أولمرت عباس شريكا في التطــلع نحــو الســلام، مشددا على وجوب عدم الانتظار خشية خلق جبهة إسلامية معادية في كل الأراضي الفلسطينية.
ولكن كيف يقيم السلام رئيس لكيانين أحدهما معاد والآخر صديق؟
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد