رغم أخطار صعود اليمين الأوروبي المتطرف.. «فوبيا الإسلام» انتعشت في 2011
أظهرت نتائج دراسات أجريت في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، من بينها السويد، تنامي ظاهرة «فوبيا الإسلام» خلال العام الجاري 2011، على رغم مرور 10 سنوات على هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة. وبات لافتاً أن هذه الظاهرة بدأت في الانتشار في دول الشمال الأوروبي أيضاً، بعد ان كانت أقل حدة فيها عن غيرها. وبحسب الدراسات، فإن العمليات الإرهابية في عدة دول أوروبية خلال السنوات الماضية، كانت سبباً رئيساً في تنامي هذه الظاهرة، فالخوف من الإسلام والنظرة السلبية ضد المسلمين تزايدا خلال الأعوام القليلة الماضية في أكثر من دولة.
وأوضح تقرير صدرعن لجنة مكافحة الإجرام السويدية، تزايُدَ الجرائم المتعلقة بفوبيا الإسلام، فيما أظهر تقرير آخر نشرته وكالة الانباء السويدية الرسمية، ان عدد الشكاوى العنصرية والمدونات والصفحات الالكترونية التي تحمل مضامين عدائية ضد الإسلام والمسلمين في السويد، ارتفعت الى الضعف، إذ بلغ عددها 15000 في العام 2011، فيما سجلت 7000 في العام 2009، كما أعلن جهاز الامن السويدي «سيبو» أن الإرهاب الإسلامي يشكل «أكبر تهديد حقيقي» للبلد، مقارنة بالتطرف اليميني الذي مثله النرويجي أندرش بريفيك.
وخلف ذلك تقف أسباب عدة اجتمعت لتشكل قاعدة قوية استندت إليها شعوب الدول الغربية في الخوف من الإسلام ومن الاعمال الإرهابية الموصومة باسمه، وربما من اقوى تلك الاسباب، في السويد على الاقل، تزايد التهديدات الإرهابية، التي دفعت بالبلد الى رفع درجه تأهبه الى الرقم 3 في مقياس الخطورة المؤلف من 5 درجات، وهو أعلى رقم يتم التعامل به حتى الآن، إذ كان التفجير الانتحاري الذي نفذه «انتحاري ستوكهولم» في كانون الاول في العام 2010 ومحاولات إرهابية اخرى تم إحباطها في مدينة يوتوبوري السويدية، واعتقال اربعة أشخاص في المدينة يوم 11 ايلول 2011 وما خلّفه ذلك من زيادة حظوظ الاحزاب اليمينية المتشددة ودخول حزب الديموقراطيين السويديين، المعروف بعدائه العلني للمهاجرين، البرلمانَ السويدي لاول مرة في الانتخابات التي جرت في ايلول 2010 ، كان لكل هذه الاحداث تأثير حقيقي في انتشار هذه الظاهرة.
الإسلام ليس جديداً في السويد
يقول رئيس الوقف الإسلامي السويدي، الذي يضم جنسيات إسلامية مختلفة، أحمد المفتي: «إن الإسلام ليس ديناً جديداً في السويد، لذلك فنحن بحاجة الى التعريف به بشكل أكبر وسط الجاليات الموجودة في البلد، والتي كفل لها الدستور السويدي حقها في ممارسة طقوسها وشعائرها».
والمفتي مدير مسجد يوتوبوري، الذي كان قد اثار بناؤه صيفَ العام الجاري ضجةً واسعة، اعتبرها المتابعون الاولى من نوعها التي تحصل في السويد، اذ خرج انصار بناء المسجد، من المسلمين والداعمين لهم من حزب اليسار السويدي، ومعارضو بنائه من اليمين المتشدد في تظاهرتين شارك فيهما المئات، وسط وجود كثيف لقوات الشرطة السويدية، معتقلة عشرة اشخاص على اقل تقدير.
ورفع مؤيدو اليمين أعلاماً سويدية ضخمة، مرتدين قمصاناً رُسم عليها وشاح أحمر يغطي صورة المسجد، معربين عن رفضهم لبنائه، كما حملوا شعارات عدة، معتبرين «الإسلام مسؤولاً عن العمليات الانتحارية وزواج الأطفال»، ورفعوا شعار «انتبه! السويد تحت احتلال قوة اجنبية».
«ضجة مفتعَلة»
يقول المفتي، إن ما أثير حول بناء المسجد في يوتوبوري كان «ضجة مفتعلة لا مبرر لها، أثارها اليمين المتطرف، وهدفه الرئيسي محاربة الإسلام والمدارس الإسلامية، محاولاً تشويه الكثير من الحقائق». ووفقاً للمفتي، يعيش في السويد قرابة 400 الف مسلم، يقطن اكثر من نصفهم في المحافظات السويدية الثلاث الكبرى، وهي ستوكهولم ويوتوبوري (يعيش فيها قرابة الـ 50 الف مسلم) ومالمو. ويشير المفتي الى وجود 6 او 7 مساجد في عموم السويد، بالإضافة الى وجود نحو 15 من المراكز الثقافية والجمعيات والأندية الإسلامية.
ويرى المفتي ان الحل الأمثل للحيلولة دون تزايد فوبيا الإسلام هو «الحوار»، قائلاً: «لا سلاح لنا غير الحوار».
ورغم ما يذهب اليه الخبراء من تراجع قوة «القاعدة» ونفوذها، إلا أنهم يرون أن التطرف الإسلامي يُعَدّ أكبر خطر يهدد العالم، أكثر من اليمين الأوروبي المتشدد، على رغم الهجوم الإرهابي الذي قام به النرويجي اندرش بريفيك، في تموز (يوليو) الماضي، وراح ضحيته العشرات من الابرياء، ما دفع بنائب رئيس جهاز الأمن السويدي أندرس تورنبيرغ للتصريح بأن «العالم لم يشهد مطلقاً في السابق تهديداً حقيقياً مثل التهديد والخطر الذي يشكله التطرف الإسلامي».
وأدت زيادة المهاجرين العرب الى دول الشمال الأوروبي خصوصاً، وأعمال العنف الدامي التي يقوم بها تنظيم القاعدة، وأهمها تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك وأعمال أخرى، والخلايا النائمة في الغرب، الى زيادة حظوظ الاحزاب اليمينية المتشددة وانتشارها في معظم الدول الإسكندنافية، فهناك حزب الشعب الدانماركي اليميني المتطرف، الذي يُعتبر داعماً للحكومة في البرلمان، فيما يشكل حزب «الفنلنديين الحقيقيين» المتطرف ثالثَ اكبر حزب في البرلمان الفنلندي، وحزب «التقدم» اليميني المتطرف في النرويج، بالاضافة الى مجموعات يطلق عليها اسم «النازيون الجدد»، وهي «هتلرية» متطرفة هدفها ترحيل غير الأوروبيين ووقف الهجرة.
وكانت الشرطة النرويجية قد أعلنت في 10 ايلول الفائت عن اعتقال شاب في الـ 27 من عمره، للاشتباه في تحضيره لهجمة إرهابية شبيهة بما قام به سلفه بريفيك، وأوضحت انها عثرت مع المتهم، الذي لم يعلن عن اسمه، على اسلحة ومواد متفجرة في منطقة «لارفيك» الواقعة غرب العاصمة النرويجية اوسلو، تمكِّنه من صنع قنبلة يصل وزنها الى 200 كيلوغرام.
رفض وضع المسلمين في خندق واحد
ويرى الباحث والكاتب العراقي الناشط في المجتمع المدني ثائر كريم، أنه من الخطأ النظر الى المسلمين جميعاً من زاوية «الإسلام السياسي المتطرف»، مستهجناً ظاهرة «الخوف» من المسلمين الذي يرجع الى عدم معرفة كافية بالدين الإسلامي.
ويضيف كريم ، أن «الخوف» من الاشياء التي لم يجر الاعتياد عليها امر طبيعي ومتوقع، لكنه يصبح مستهجَناً عندما يؤدي الى حدوث تغيرات سلوكية واجتماعية وسياسية لدى الناس، وهذا ما يحصل عندما ترابَطَ الخوف من الإسلام مع نمو الحركات العنصرية.
ويضطر العديد من العاملين العرب في مراكز الاتصالات الهاتفية في السويد، وجُلُّهم من الشباب، الى تغيير اسماءهم العربية الى اخرى سويدية، لينالوا ثقة الزبائن اثناء عملية البيع او التسويق لمنتج عبر الهاتف، وفقاً لتقارير منشورة في هذا الصدد.
ويستبعد كريم زيادة ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، وبالأخص في الدول الإسكندنافية، لما لهذه الدول من تقاليد تملي عليها احترام الرأي الآخر، بالإضافة الى طرحها الواضح والصريح للعوائق، كما ان النظام القانوني الذي يسير عليه البلد يحتم على كل فرد معرفة ما له من حقوق وعليه من واجبات.
ويبين كريم أن المد الشبابي «الثوري والعلماني» في الدول العربية، سيغير نظرة الدول الغربية ويزيد من احترامها للشباب العربي، الذي يضحي بحياته من اجل التغيير والديموقراطية اكثر مما يثير فيهم الخوف.
لينا سياوش
إضافة تعليق جديد