سهيل عرفة: إسرائيل تسرق تراثنا الفني ونحن غافلون
من (قاسيون أطل يا وطني) و(بلدي الشام) و(ودي المراكب عالمينا) و(صباح الخير يا وطناً) وغيرها من الأغاني الوطنية التي كانت وما زالت تلهب الحماس وتشعل شموع الوطنية في داخل كل عربي. و(ميلي ما مال الهوى) و(قدك المياس) و(يا طيرة طيري يا حمامة) و(عالبساطة)، وغيرها من الأغاني العاطفية الراقية التي ما زالت حية في الوجدان إضافة إلى أغاني الطفولة المميزة والأغاني الوجدانية المعبرة، استحق على كل هذا الملحن والموسيقار سهيل عرفة، وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة.
سهيل عرفة مسيرة نصف قرن من العطاء المتميز وأحد حراس الأغنية السورية يتحدث بحرقة وألم وترقرق الدموع في عينيه وهو يرى حال الأغنية السورية خاصة والعربية عامة والإهمال المتعمد للأغنية الأصيلة التي كانت سلاحاً وفي زمننا تحولت إلى عامل إحباط وتحلل أخلاقي ووطني.
و بمناسبة حصوله على الوسام الذي اعتبره تتويجاً لمسيرته ومسؤولية جديدة تضاف إلى مسؤولياته كان الحوار التالي:
قلت إن وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة الذي حصلت عليه كان رسالة، هل تتوقع أن هذه الرسالة قد وصلت.
يجب أن تصل وهي بمثابة رسالة توجيه من السيد الرئيس إلى أصحاب القرار في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ووزارة الإعلام ومفادها: أين الأغنية السورية؟ ولماذا خفَّ ألقها وهي التي كانت حتى بداية الثمانينيات متفوقة وكان المطربون العرب يأتون إلى دمشق ليأخذوا (الزوادة) من هنا؟ وأنا برأيي أن الأغنية السورية اختفت في مكتبة الإذاعة والتلفزيون ورموا المفاتيح في البحر لأن هناك كماً هائلاً من الهدايا من أغاني الفيديو كليب والـCD، والتلفزيون منذ الثمانينيات توقف أو تجاهل إنتاج الأغنية السورية ومن المفترض أن تكون هناك دائرة لإنتاج الأغنية السورية، والدائرة الموجودة في الإذاعة إنتاجها متواضع وزهيد لأن ميزانيتها سبعة ملايين ليرة فقط وهي لا تعادل أغنيتين لنجوى كرم وفي بلدنا مبدعون كثر وهذا المبلغ متواضع، ويبدو أن الرسالة إلى الآن لم تصل إلى المعنيين.
ألا تلاحظ معي أن الأغنية السورية انهزمت إذا جاز التعبير أمام الأغنية اللبنانية والمصرية والخليجية؟
الأغنية السورية لم تهزم، وما زالت محافظة على شخصيتها وأصالتها ووجودها والمشكلة الحقيقية التي تواجهها هي في عدم عرضها في التلفزيون السوري وللأسف هناك برامج في الإذاعة لا تتناسب مع السمعة التي اكتسبتها الإذاعة السورية لأن المذيعين وهم عصب العمل الإذاعي شتتوا أنفسهم بين عدة برامج لكي يعيشوا بكرامة. ويبدو أن المعنيين في الهيئة معنيون فقط بالأخبار ولم يصلهم أن الرئيس حافظ الأسد والرئيس جمال عبد الناصر قالا إن الأغنية سلاح والمفروض المحافظة عليها وسورية لكل العرب ولكن يجب أن نفسح المجال أمام الأغنية السورية في برامج الإذاعة والتلفزيون.
الأغنية الوطنية وأنت أحد فرسانها لم تعد تلعب نفس الدور الذي لعبته في عقود الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات، لماذا تراجعت دوراً ولحناً وأداءً؟
الأغنية الوطنية أساساًً موجهة لابن الشارع العربي، في عام 1956 لعبت الأغنية دوراً مهماً في مواجهة العدوان على مصر وعلى سبيل المثال إن نشيد (الله أكبر فوق كيد المعتدي) حمّس الشارع العربي ولولا الشعب ما انتصر جمال عبد الناصر.
لقد كانت الأغنية الإعلام الذي يترجم إنجازات عبد الناصر وفي عام 1963 عندما قامت الثورة في سورية وأنا لست بعثياً شعرت أن هذه الثورة قامت من أجلي، وكان الشعب السوري وقتها أغلبه من الطبقة الوسطى، وقد تحمست لها وقدمت لها عدة أغان مشهورة أبرزها (من قاسيون أطل يا وطني) وكانت هذه الأغاني تغنى في الملاهي الليلية عندما كانت هناك أصوات حقيقية تغني بها وفي عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد كنا نواكب خطواته بالأغاني وأذكر عندما أَمَر بإنشاء مدينة رياضية في اللاذقية لحنت أغنية (يا مهندس عمرلي دار) وإذا انتقلنا إلى اليوم، أشعر أن المواطن العربي يئس وخاصة وهو يرى ما يحدث في العراق وفلسطين وحتى المؤلف والملحن يعيشان هذه الحالة من اليأس.
عندما يقف سهيل عرفة اليوم على قاسيون ويطل على الوطن العربي ماذا يقول؟
أقول رحمة الله على العروبة، والموقف الوحيد المشرف اليوم هو موقف سورية لذلك هي مستهدفة وأنا هنا (أتحركش) بالسياسة لأنها غير بعيدة عن الفن وصارت تتحكم بأنفاسنا.
حصلت على عدة شهادات تقدير وتكريم في العالم العربي والعالم بماذا يختلف تكريم السيد الرئيس عن تلك الشهادات؟
سؤال جميل، مسيرتي امتدت على نصف قرن وكان الشعب خلالها يحب سهيل عرفة ويحب ألحانه سواء الوطنية أو العاطفية أو أغاني الطفولة أو الموسيقا التصويرية في السينما والإذاعة والتلفزيون والمسرح، وقد توج هذه المحبة وسام السيد الرئيس وهو لا يعطي وساماً إلا لمن يملك تاريخاً يعشش في الذاكرة الشعبية وأرجو أن أكون على قدر هذا الوسام لأنه حمّلني مسؤولية كبيرة وكل وسام أو شهادة تقدير أو جائزة تحمل المبدع مسؤولية مختلفة وسوف أستمر بمسيرتي وتأدية دوري في تقديم الأغنية السورية وأشعر أن مسؤوليتي بعد هذا الوسام باتت تحتم علي تنبيه أصحاب القرار لأقول لهم: لماذا أنتم نائمون؟ وأين ذاهبون؟ لا تنسوا أن الأغنية هي وسيلة تعبير البشر منذ بدء الخليقة ودعني أعطك مثالاً بسيطاً إذا حدث سيل- لا سمح الله- تتدخل كل الجهات للوقوف في وجهه، فلماذا لا أحد يقف أمام سيل الأغاني التي تقضي كل يوم على الأذن العربية وتقضي على تراثنا وعلى عروبتنا (بحدة..) تذاع أغاني مصورة في غرف النوم والحمامات.
هل تشعر أن ما يحدث نوع من المؤامرة؟
هي كذلك بالفعل هل تعلم أن إسرائيل تضع على التراث العربي كلمات عبرية وبعد خمسين سنة يتحول إلى تراث يهودي، والعرب ساكتون ونائمون وهذا شيء مخجل، يجب أن تتدخل الحكومات العربية.
أستاذ سهيل هناك أجيال جديدة وأذواق جديدة هل يقع عليكم بعض اللوم لأنكم لم تأخذوا ذلك بعين الاعتبار.
بعد حصولي على الوسام قلت في أكثر من مناسبة إن هذا الوسام رسالة لأصحاب القرار وأصحاب القرار لا يسمعون ولا يريدون الأغنية ويركضون وراء الأخبار فقط بدءاً من وزير الإعلام مروراً بمدير عام الإذاعة والتلفزيون ومدير الإذاعة، أنا أطالب بأن يكون لدينا وزيران للإعلام: واحد للسياسة وآخر للفن وأطالب بأن تخف هذه المركزية في القرار إذا غاب الوزير أو المدير العام يتعطل القرار وأنا أطالب أيضاً بإعادة هيكلة مبنى الإذاعة والتلفزيون، أنا أعتقد أن لا ذنب ولا لوم على الفنان، من المفروض أن الفنان (ما ياكل هم شي) ولا يفكر إلا بالفن ولا يسعى وراء هذا وذاك للحصول على موافقة لإنتاج أغنية، يجب أن يأتي أصحاب القرار إلى الفنان وليس العكس كما هو حاصل اليوم هكذا كنا نعيش حتى عقد الثمانينيات، كان المدير العام للإذاعة والتلفزيون يصعد ستين درجة حتى يصل إلى مكتبي لكي يسمع لحناً جديداً، الملحنون والكتاب والمطربون الذين لحنوا وقدموا الأغنية السورية مازالوا موجودين ولكن المصيبة في الإدارات.
دعنا نرتح قليلاً من الإدارات ونعد إلى الفن في الزمن الجميل عندما بكى وديع الصافي وهو يغني من ألحان سهيل عرفة أغنية (يا دنيا) ما المشاعر التي اختلجت داخلك؟
هذه الأغنية حالة خاصة عند سهيل عرفة وقبل أن يبكي وديع الصافي بكى سهيل عرفة وزوجته وأولاده من هذه الأغنية وعندما جاء وديع منحها معاناة 75 عاماً إضافة إلى ذلك لديه ابنة اسمها دنيا متزوجة وبعيدة عنه لذلك استحضر وديع كل هذا الحزن في هذه الأغنية.
هل كنت تتمنى ألا ترى وديع الصافي وهو يغني مع فلانة وفلانة وأسأل أيضاً هل هناك لحن جديد يجمعك معه؟
هناك علاقة احترام وصداقة بيني وبينه وهو مدرسة قائمة بحد ذاتها وهو يحترم بأي شكل وعندما غنى مع نجوى كرم كان كمن يغني مع ابنته ووديع لا يليق به أي كلام وهناك مشروع أغنية لا أرى أحداً غيره فيها، تقول كلماتها «ارجعوا لي يا أولادي».
وهي كلمات شادي عيسى أيوب، وتكلمت معه ووافق ولكن الروتين الموجود في الإذاعة والتلفزيون هناك حال دون مجيئه لأنني لا أريد منه أن يسجل هذه الأغنية فقط، يجب أن نستغل حضوره لتسجيل كل أغانيه الجديدة، وكلما أتفق مع مدير يتغير.
هل تشعر بالأسى عندما ترى الصبوحة وهي على هذه الحالة؟
بالتأكيد أزعل ولكن عظمة صباح هي في محافظتها على وزنها لهذا عاشت إلى هذا العمر وقد مرت بأزمة وتدخل السيد الرئيس بشار الأسد ومد لها يده الكريمة وقبله كان الرئيس الراحل حافظ الأسد تدخل أيضاً وألغى قرار منع بث أغانيها في سورية عندما اكتشف أن القرار لم يكن في محله وأعتقد أن الصورة الجميلة لصباح ما زالت موجودة رغم تقدمها بالسن.
دخلت للفن في زمن العمالقة كيف تتحدث عن تلك المرحلة؟
أنا محظوظ لأنني دخلت الفن في هذا الزمن لقد كان الفن محاطاً ومحروساً بحلقة فولاذية لقد كان العمالقة حراس الفن مثل عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش ولو لم يكن عبد الحليم حافظ يملك موهبة خارقة لما استطاع الدخول وحتى في سورية لم يكن أي أحد يستطيع الدخول إلى الفن ولكنه للأسف هؤلاء الحراس ذهبوا، كانت فايزة أحمد ووردة الجزائرية تقولان إن أم كلثوم تحاربنا وعندما ماتت أم كلثوم تراجعتا لأنها كانت حافزاً للجميع. نحن في زمن الانحطاط على كل الصعد.
ولكن عبد الحليم ما زال يتصدر مبيعات الكاسيت؟
هذا دليل على أن الأغاني التي تظهر اليوم كلها نسخة واحدة، أنا أعتقد أن شعبان عبد الرحيم دليل على تدهور المجتمع ودليل على الانحطاط، مهرج (تتسكر) الشوارع من أجله.
ما رأيك بظاهرة علي الديك؟
هذه ظاهرة ذكرتنا بطهر القرية وصياح الديك وخبز التنور والهواء النقي ولكن لكي يستمر يجب أن يتعامل مع أكثر من ملحن ويجب أن يتعامل مع القمم.
سهيل عرفة هل يعطي علي الديك لحناً؟
بالتأكيد ولكن عليه أن يبادر هو ويتصل بي ويطلب لحناً.
أين الأصوات السورية لم نعد نسمعها؟
لدينا أصوات جميلة وأهمها ميادة الحناوي التي اتجهت للأغنية المصرية وأصالة كذلك ونور مهنا و(معهم حق) لأن الإعلام السوري لا يصدر ولا يصنع نجوماً بعكس الإعلام المصري الذي يعتبر (الفاترينا) التي تصنع النجوم.
هل تعتقد أن الساحة الغنائية السورية تفتقد ملحنين حقيقيين؟
الغزو الثقافي قضى على كل ما هو أصيل وأنا أدعو للسيد الرئيس بطول العمر لأنه ورغم كل الضغوط على سورية يفكر بالأغنية السورية.
هل كنت تتمنى أن تستمر ابنتك أمل في طريق الغناء؟
طبعاً ولكن أعتقد أن الأغنية والدراما توءمان، وأمل فنانة شاملة بشهادة الناس ولكن شروط شركات إنتاج الأغاني لا يمكن أن نوافق عليها وأمل لم تتراجع عن الأغنية ولكن تراجعت عن جو هذه الشركات.
سؤالي الأخير: من الفنان العربي الذي تتمنى أن يتصل بك طالباً لحناً جديداً؟
كل مطرب أصيل وعلى سبيل المثال أحب صوت عبد الله رويشد وأنا شخصياً وصلت إلى (التوب) حيث غنى لي صباح فخري ووديع الصافي وصباح وشادية ونجاح سلام، ومشكلة المطربين الجدد أنهم مرتبطون بشركات لا تفكر بسهيل عرفة، وسهيل عرفة لا يفكر بها.
محمد أمين
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد