سوريا في مواجهة الخط الفاصل
الجمل: خلال الفترة التحضيرية لمؤتمر حزب البعث، الذي تم عقده في 6 يونيو /2005م ، كان ثمة تنافساً بين قوتين، وفي غمره انسحاب القوات السورية من لبنان، كان ثمة طرف في المؤتمر يدفع باتجاه التأكيد على سيطرة الحزب، وطرف آخر كان يرى بأن تلك اللحظة، تمثل الوقت الأنسب من أجل التهيؤ لتسريع عملية التغيير الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي.
• الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي
برغم أجندة الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي المتبعة حالياً، إلا أن هناك توقعات بانتهاج المزيد من إصلاحات السوق الحر الإضافية، بما يقلل أكثر فأكثر حجم القطاع العام، خاصة أن هناك الكثير من التلميحات التي تؤكد وجود العديد من الإصلاحات الاجتماعية الاقتصادية الممكنة الحدوث. بما يتضمن تعزيز الشفافية المؤسسية، على النحو الذي يحفز تدفقات رأس المال الأجنبي، والجدير بالذكر أن مسيرة الإصلاح الاقتصادي قد قطعت شوطاً كبيراً، بعد صدور قانون المصارف الخاصة، وشركات التأمين الخاصة، إضافة إلى السماح بالتوسع في إنشاء الجامعات الخاصة.
• الإصلاح السياسي:
يرى الكاتب رونالد بروسه، بأن الإصلاحات السياسية الضرورية من الصعب القيام بها حالياً، خاصة وأن ذلك يتطلب حدوث المزيد من التعديلات الدستورية، وهو أمر مازال قيد البحث، ويبدو أن التطورات التي تحدث في العراق ولبنان والأراضي المحتلة، وماتعززه من تهديدات ومخاطر لأمن سوريا والسوريين ، هي السبب والدافع الرئيسي الذي جعل (دمشق) تتريث في عملية المضي قدماً في الإصلاحات السياسية.
• المعارضة السياسية :
توجد معارضة سورية، بالخارج، ويتزعمها الأخوان المسلمين، إضافة إلى بعض الشخصيات، مثل المنشق السوري عبد الحليم خدام، وتقوم هذه المعارضة ببعض التحركات في العواصم الغربية، ولكنها لاتتمتع بأي تأييد في الشارع السوري، الأمر الذي جعل منها معارضة معزولة.
خلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت العديد من ملتقيات ومنتديات الحوار، والتي كانت تتوجه بالنقد لكثير من القضايا الاقتصادية والسياسية، ولكن تزايدت المخاوف أكثر حول مستقبل هذه المنتديات، وذلك على خلفية الرسالة التي بعثها زعيم حركة الأخوان المسلمين الموجود بالخارج، إلى أحد هذه المنتديات الأمر الذي أدى إلى إغلاقها.
• دمشق : بين التفاؤل والإحباط
برغم مطالبات واشنطن المستمرة، وإلحاحها بإجراء المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، فإن ما تم إعلانه حتى الآن بواسطة دمشق، لم يجد قبولاً مرضياً من جانب الإدارة الأمريكية، والتي ظلت تدعي دائماً بأن كل ما تم حتى الآن في دمشق لا يحقق التحول الرئيسي، المطلوب، وبالتالي فإن واشنطن مازالت أكثر إصراراً بعدم تغيير توجهاتها السياسية إزاء دمشق.
هذا، واستناداً إلى تأكيد مجلس الشيوخ الأمريكي على ماجاء في جلسة سماع التقرير الشفهي الذي قدمه جون بولتون، والذي أظهر فيه الكثير من الذكاء والاقتدار في عملية كيل الاتهامات على سوريا، يمكن القول بأن إدارة بوش قد أصبحت تلجأ إلى تضخيم (الخطر السوري) في بعض الأوقات ويبدو أن ذلك في جزء منه إلى قناعة إدارة بوش بأن دمشق يمكن أن تقدم الكثير والكثير لدعم الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب.
كذلك، فقد أصبح البيت الأبيض الأمريكي يلجأ بوضوح سافر إلى عملية استخدام سوريا كـ (كبش فداء ) لتبرير فشل سياسات الإدارة الأمريكية في العراق، بحيث يتظلم الرئيس بوش كل مرة مكرراً القول : بأن سوريا هي قناة العبور التي يتسلل من خلالها المسلحون والمال والعتاد إلى داخل العراق (حاولت الإدارة الأمريكية نفس هذا الأسلوب عندما انكشفت فضيحة عدم وجود أسلحة دمار شامل عراقية، بأن حاولت الإدعاء بأن هذه الأسلحة تم إخفاءها في سوريا، وحالياً يحاول تطبيق نفس الأسلوب إزاء الأسلحة الإيرانية!!)
على هذا النحو يمكن القول، بأن سياسة الولايات المتحدة الراهنة والجارية تجاه سوريا، تمثل سياسة لاتعكس واقعاً ديبلوماسياً أو ظرفاً محلياً ضمن سوريا، وإنما هي سياسة تعكس حالة الإحباط التي تصيب الإدارة الأمريكية إزاء الفشل الذي منيت به في العراق.
في كلا الحالتين ، فإن تظلمات الإدارة الأمريكية حقيقية كانت أم خيالية وهمية، فإن شيئاً واحداً سوف يظل مفهوماً كحقيقة ماثلة وهو : إن الضغوط الأمريكية ضد سوريا سوف لن يتم تحقيقها على المدى القريب، وعلى الصعيد المقابل لذلك، فإن إدارة الرئيس بوش، سوف تظل في حالة تفادي وتجنب لأي محاولة تهدف إلى الإنخراط في أي عمل مباشر مع السوريين في الوقت الحالي، لذا فبدلاً عن ذلك، نجد أن الإدارة الأمريكية تعمل على الدوام من أجل استهداف عملية تغيير النظام في سوريا وذلك وفقاً لأقل تكلفة عن طريق إتباع توجه سياسي يؤدي إلى إحداث المزيد من الفوضى داخل سوريا، بحيث يتم استهداف السلطة السورية عن طريق الضغوط الخارجية. ولكي تتمكن واشنطن من تنفيذ مخططات استهدافها لسوريا، فإن الإدارة الأمريكية سوف تتجاهل باستمرار كل الإصلاحات التي تقوم السلطات السورية بتنفيذها في المستقبل، أو حتى تلك التي تم تنفيذها في الماضي. كذلك تجاهل البيت الأبيض الأمريكي مناشدات الناشطين من المعارضين السوريين، حيث كان معظمهم يطالب واشنطن بأن تلتزم الوقوف بعيداً.
وماأحبط واشنطن بقدر كبير، فشلها في الحصول على أي فائدة إيجابية مباشرة من الإجراء التي قامت سوريا بتنفيذها في الفترة الماضية، وعلى سبيل المثال لم تستطع الإدارة الأمريكية الحصول على الفائدة التي كانت تسعى إلى تحقيقها من عملية انسحاب القوات السورية من لبنان، ولا من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية إزاء ضبط حدودها مع العراق. بل وتفاقمت خسارة واشنطن عندما أعلنت الحكومة السورية وقف تعاونها مع واشنطن في العام الماضي. هذا، والجدير بالذكر، أن هذه الخطوة السورية، قد أدت إلى تحديد المناقشات في أعلى المستويات الحكومية بالولايات المتحدة، والتي كانت تتمحور حول أن ثمة خيارات ديبلوماسية، اقتصادية، وعسكرية ماتزال متاحة للتعامل مع "المسألة السورية".
على خلفية غياب الدعم الأمريكي، قامت سوريا بالتركيز على اتفاقيتها القائمة مع الاتحاد الأوروبي, والذي يمثل شريكها التجاري الرئيسي. وماتجدر الإشارة إليه أن هذه الاتفاقية، تمنح سوريا سبيلاً واسعاً لدخول الأسواق الأوروبية، في حالة قيامها بالامتثال الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، والذي طالب بسحب كل القوات السورية من لبنان.
هذا، وفي الوقت الذي تبلغ فيه معاملات سوريا مع الولايات المتحدة حوالي 400 مليون دولار، فإن اتفاقية الاتحاد الأوروبي تتيح لسوريا معونات ومبادلات تجارية تتجاوز قيمتها المليار دولار.
الجمل : قسم الترجمة
الكاتب: رونالد يورسا سانت جون
المصدر: فبايف
إضافة تعليق جديد