سوريا، ورقة مبادئ صحيحة إلى العنوان الخطأ
قدّم وفد الجمهورية العربية السورية إلى مؤتمر «جنيف 2» ورقة مبادئ، تشكّل، بحسب وزير الاعلام عمران الزعبي، أرضية إجماع للسوريين، بغض النظر عن الولاءات السياسية والمذهبية والاتنية والجهوية. وهي كذلك بالفعل؛ فهي اقتصرت على بنود لا يستطيع سوري أن يرفضها: السيادة وتحرير الأرض المحتلة ووقف التدخل الخارجي في شؤون سوريا وإدانة التطرف والتكفير ومكافحة الإرهاب، والانتقال إلى نظام ديموقراطي تعددي.
رَفَضَ وفد «الائتلاف» الورقة. وكان ذلك متوقعاً. فالقوى المنضمة إلى «الائتلاف»، أو التي تدعمه، نشأت، أساساً، في تضاد مع السيادة، ووجودها مرهون بالتدخل الخارجي، وهي قدّمت تعهدات لإسرائيل بشأن التنازل عن الثوابت السورية في الجولان، كما أنها تستند إلى عواصم وتيارات التكفير والتطرف والإرهاب ميدانياً، ثم أنها تسعى إلى استخدام العوامل الخارجية والإرهابية للقيام بانقلاب تتمخّض عنه هيئة حكم ـــ تشبه أكثر ما تشبه هيئة الحكم التي أنشأها بريمر بعد الاحتلال الأميركي للعراق ـــ هدفها الأساسي ليس فقط إلغاء أي دور للرئيس بشار الأسد وأركان حكمه، حتى كطرف من المعادلة السياسية، بل تفكيك الدولة الوطنية السورية والجيش العربي السوري، فمن دون ذلك التفكيك، لا يمكن قوى «الائتلاف» ورعاتها الدوليين والإقليميين حُكْم سوريا. وبذلك، يصبح رفض الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، حتى بإدارة الأمم المتحدة، تحصيل حاصل؛ فحتى لو خسر الأسد المنصب الرئاسي في انتخابات تجري في إطار سيادة الدولة الوطنية السورية ووحدتها وثوابتها، فلن يكون لجماعات فورد وبندر مكان في سوريا.
هل قدم الوفد السوري ورقة الاجماع الوطني لإحراج «الائتلاف» اللا ــ وطني، تفاوضياً؟ ممتاز أنها أحرجته فكشفت ادعاءاته ووضعته في زاوية الخيانة الوطنية. لكن كل هذا المسار التفاوضي لا قيمة له. المهم الآن أن دمشق أنتجت ورقة إجماع صالحة لتكون أساساً لإطلاق عملية سياسية وطنية وأرضية لحوار جدي مع القوى السياسية والاجتماعية الوطنية؛ ولا أقصد فقط «هيئة التنسيق» و«قوى التغيير السلمي» وسواها من قوى المعارضة الداخلية، بل أيضاً كل الأحزاب التقليدية والقوى المجتمعية من الشباب والنساء وممثلي المحافظات والعمال والفلاحين والصناعيين والبورجوازيين الوطنيين والمثقفين والعشائر ورجال الدين وكل الحساسيات الفكرية والسياسية والاجتماعية السورية.
ولعل قيام الوفد السوري بتسليم ممثلين عن كل تلك القوى التي حددناها للتو ورقة المبادئ للإجماع الوطني، ودعوتها إلى الشروع في حوار على أساسها، يمكن أن يضع حداً لمهزلة تمثيل «الائتلاف» للمعارضة السورية، بل وينهي، بالأساس، ثنائية الموالاة والمعارضة، انتقالاً إلى قيام الجبهة الوطنية لإنقاذ سوريا، وتأمين انتصارها ووحدتها وتقدمها ودمقرطتها في آن واحد.
هناك بنود في ورقة الوفد السوري لن يكون حولها نقاش بين الوطنيين، وهي المتعلقة بالسيادة وسلامة الدولة الوطنية والجيش وتحرير الأراضي المحتلة ومكافحة التطرف والتكفير والإرهاب، بينما توجد بنود أخرى تشكل إطاراً للإجماع، لكن يمكن الحوار الجدي داخلها، لتحديد مضامينها؛ (1) يمكن النقاش حول التوصل المبدئي للوقف المتزامن لكل أشكال التدخل الخارجي القائمة بالفعل على جانبي الصراع، (2) ويمكن النقاش في تفاصيل الانتقال نحو الديموقراطية والتعددية، (3) ويمكن، بل من الضروري، النقاش حول الشروع في تعاون وطني في تطبيع الحياة اليومية وخفض العنف وتكليف المعارضة الوطنية بالوساطة لإجراء مصالحات ميدانية، وتأمين المدنيين، وإعادة توطين المهجرين أو، أقله، تأمين عودتهم إلى البلاد وتأمين شروط إقامة إنسانية وكريمة وآمنة لمن يصعب الشروع الفوري في عودتهم إلى بلداتهم وأحيائهم إلخ، (4) وبدلاً من رؤية فورد ـــ بريمر لإنشاء هيئة حكم انتقالية، يغدو ممكناً، على أساس ورقة الاجماع الوطني المنقحة، تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على عملية سياسية وطنية وتعديلات دستورية وقانونية، بما في ذلك التوافق على حلول للمشكلات الاتنية، وخصوصاً المشكلة الكردية، والقيام بإجراءات انفراج وانتخابات رئاسية وبرلمانية، لا تستبعد أحداً، وتجري في إطار المنافسة الحرة.
ورقة المبادئ السورية نفسها، ولكن موجهة إلى العنوان الصحيح، والاستعداد لمناقشتها على الملأ مع كل الأطراف الوطنية، يشكلان مدخلاً ممتازاً للتوصل إلى إجماع وطني عميق، يعزل التدخلات الإمبريالية والرجعية وأدواتها في «الائتلاف» والجماعات المسلحة، سواء مما يسمى «الجيش الحر» الطائفي، أو من الإرهابيين من فصائل «القاعدة» («داعش» و«النصرة») و«الجبهة الإسلامية» الوهابية.
أداء الوفد السوري في جنيف، وانعكاسه على الاعلام السوري، انفتاحاً وحيوية، يبعثان الأمل في انطلاق دمشق نحو مبادرات سياسية دينامية في قوة إنجازات الجيش العربي السوري الميدانية. مثلاً، قبل انتهاء الفترة الأولى من جنيف، وفي الموازاة، هل يمكننا أن نتوقع دعوة هيثم منّاع وقدري جميل وفاتح جاموس إلى حوار علني حول ورقة المبادئ السورية؟
ناهض حتر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد