صديق العطل .. أهالي اللاذقية يصالحون البحر بعد العاصفة
يلتمس أهالي اللاذقية السكينة على شاطئ بحرها، يوجهون نظرهم وأمانيهم نحوه، بين أسرة مع أطفالها وألعابهم في يوم العطلة، وصيادين منهم من يجمع قوت يومه أو شباب يمارسون الصيد كهواية، ونسوة أحضرن قهوة الصباح ليشربنها بهدوء بعيداً عن الروتين اليومي، يكتمل المشهد العام لأهمية البحر في حياة كل من سكنها.
تقول السيدة ماجدة : “كلما سنحت لي الفرصة وكان الجو ملائماً آتي إلى الشاطئ مع “جارة العمر”، أحضر ترمس القهوة وكرسي لي ولها ونجلس أمام البحر متناسين المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، البحر مصدر للراحة ومجرد النظر إليه يبعث بالسكينة والطاقة اللازمة للبدء بأسبوع جديد”.
يجتمع الشبان حول “الأركيلة” وورق الشدة، ويشفون مشاريبهم على اختلافها، وإلى جانبهم تجلس عائلات مع أطفالها الذين يلعبون حولهم، و تختلف الألعاب ككرة القدم والريشة أو مجرد الجري أو جمع الصدف والرسم على الرمال، وبين المناظر المعتادة رجل كبير في السن يجلس مع زوجته محولين نظرهم تارة إلى البحر وتارة إلى الناس من حولهم.
وتحدث أبو محمد عن “تقليد” التوجه إلى شاطئ البحر خلال العطلة مع زوجته وأبنائه، فهنا يحس بالأمان عليهم كونهم أمام ناظريه، ويمارس الأولاد نشاطات مختلفة كنوع من “تفريغ الطاقة”، يلعبون بكرة القدم أو كرة المضرب، وحتى مجرد المشي على طول الشاطئ له نكهته الخاصة.
ويكمل أبو محمد “بعد العاصفة التي شهدتها اللاذقية كان لا بد من الخروج والاستمتاع بأشعة الشمس، “اشتقنالا”، وخصوصاً من أجل أولادي ففي المنزل لا يوجد متنفس لهم إلا مشاهدة التلفاز أو ألعابهم التي سئموا منها بعد أسبوعين من الحبس داخل جدران المنزل، وعندما أصبح الجو مقبولاً قدمنا لمكاننا المعتاد، وبالإمكان رؤية السعادة واضحة على وجوههم”.
وتختلف أسباب القدوم إلى الشاطئ، بين من يطلب الهدوء والسكينة، وبين من يريد التقاط صورة مع الطائرة الموجودة على الشاطئ، أو هرباً من أبنية البيتون وضجيج السيارات، وربما لمجرد التماس الجمال الذي يحمله البحر بمنظر وصوت موجه و لون رماله.
يقول أحد الصيادين: “آتي للمكسر ليس فقط لألحق مصدر الرزق، بل كهواية أحبها ومهنة ورثتها أباً عن جد، تحتاج صبراً وقبل كل شيء الدراية، بالنهاية الصيد علم له مبادئه وأساليبه.
وأشار “مو كل مين مسك سنارة بينقلو صياد”، مبيناً أن “للوقوف في حضرة البحر سحر فريد يجعل من كل عابر يردد خاشعاً بقلبه “هيلا يا واسع”.
ومن العادات التي يقوم بها الأطفال رمي الحصي أو النقود المعدنية للبحر وتمني أمنية، يحضر كل منهم حجراً ويطبق عليها قبضتى يده، مع جعلها على مستوى القلب، مغمضين أعينهم بقوة، وهامسين لقطعة الجماد بكل إيمان الطفولة، عسى أن تتحقق ويحمل الموج لهم لعبة، لوح شوكولا، أو قريب مسافر.
أما على الكورنيش الغربي والجنوبي، تنتشر عربات الذرة والفول، كولبات القهوة والسحلب، وبكلمة “غزلة” تصدح من بعيد، يجذب أنظار الكبار قبل الصغار صوت بائعي غزل البنات والبوالين ممن يشترون السعادة بأكياس تحتوي “غيم زهري”، وتملأ الطريق رائحة بزر “عباد الشمس” المحمص الساخن الذي تتم تعبئته بشكل قمع ورقي.
وتتوزع على طول الكورنيش بسطات ألعاب الأطفال بألوان وأشكال مختلفة، تفرح قلب الأولاد تفعل العكس بالنسبة للأهل، فترى الأم ممسكة يد ابنها و”راكضة” عند مرورها من قرب إحداها، وبين ضحكة انتصار للأم و”زمور الخطر” الذي يطلقه الطفل، يخسر البائع صيداً ثميناً وزبوناً لطيفاً.
وغصت مقاعد الكورنيش الغربي بمن يجلسون وبين أيديهم أكواب كرتون لشرب السحلب أو القهوة وعليها عبارات متنوعة وألوان مختلفة، ولا تخلو أرصفته من أشخاص ينزهون حيواناتهم الأليفة، أو من أصدقاء يلتقطون “سيلفي” للذكرى مع سور الميناء الملون.
في أرض البرتقال الأغلى، يلجأ أهالي اللاذقية لبحرهم، عراب وجودهم ورابط انتمائهم المكاني، علهم يودعون به حزنهم وأمانيهم الموعودة، حاملين نسماته وصوت موجه في وجدانهم، هؤلاء الطيبون الذين عجنوا من طين “أبو اليتامى”، جسدوا كلمات “بحر لاواديسا” بأن تقمصوا سماتها : “غريبة هذه المدينة.. رغم كل جراحها..ما زالت تبتسم منذ آلاف السنين”.
الخبر
إضافة تعليق جديد