علاء الدين عبد المولى يحاور المفكر السوري برهان غليون (3-3)
الجمل- علاء الدين عبد المولى:
المحور الثالث: في علم الاجتماع " عربيا "
س1- كثيراً ما يعمل " علم الاجتماع عربياً " مزوداً بأجهزة معرفية غربية . ما رؤيتك للعلاقة بين النهج الأوروبي وميدان عمله عربياً ؟ ثم هل يكون لدينا " علم اجتماع عربي " في ظل ظروف تنظر إلى هذا العلم على أنه أخطر العلوم الإنسانية ؟ ثم ألا يفترض أن يكون هناك مجتمع عربي " ليكون هناك " علم اجتماع عربي " ؟
د. برهان :
لا أعتقد أن هناك علم اجتماع عربي وأمريكي وأفريقي ، لا يكون العلم علماً إلا إذا كان قائماً على أسس عقلية واضحة ، ومفهوماً لدى جميع بني الإنسان ، وإنما يمكن أن تكون هناك مدارس عربية أو أمريكية ـو أفريقية لعلم الاجتماع ، وهذه المدارس عندما تنشأ تأخذ بالاعتبار خصائص المجتمعات التي تعالجها ، ولكنها لا تتحدى أو تخرق القواعد أو المناهج الأساسية في علم الاجتماع . وهناك بالتأكيد مجتمع عربي ، أو إذا شئت مجتمعات عربية ، مجموعات من بشر لها خصائص محددة وهياكل وبنيات متقاربة محددة يمكن أن نطلق عليها اسم " مجتمع " حتى ولو كانت هذه النظم الاجتماعية تعاني من أزمات وتناقضات عميقة . وفي نظري أن البحث الاجتماعي في العالم العربي يتطور أكثر مما نعتقد . إنما تعاني البلاد اليوم أكثر من أي فترة سابقة من غياب التداول الصحيح للمعلومات والدراسات التي تقوم بها فرق بحث في مناطق متعددة في العالم العربي . إن مشكلة العالم العربي اليوم في الميدان العلمي كما هو الحال في ميادين كثيرة هي انعدام التواصل الحي بين النشطاء والعاملين في جميع الميادين .
س3- تسود لغتنا الثقافية والنقدية والعلم اجتماعية غالبا ظاهرة الحديث باللغة المذكرة بكل ما تعنيه رمزيا وسياسيا وتاريخيا . بماذا تعلل هذا ، ثم ماذا تفيدنا كعالم اجتماع حول واقع المرأة العربية المثقفة – مع الأخذ بعين الاعتبار ثقافة داخل المؤسسة وخارجها ؟
د. برهان :
لا اعتقد أن هناك لغة ذكورية اليوم في علم الاجتماع أو النقد . أعتقد أن نتائج الأزمة العميقة التي تعاني منها المجتمعات العربية – الأزمة الروحية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية – تنعكس بشكل رئيسي على وضعية المرأة العربية . وتظهر أكثر فأكثر بالفعل دعوات إلى استبعاد المرأة من الحياة الفكرية والسياسية ، أي إلى تهميشها ، كحل أو كجزء من الحل الذي تدعو وتطالب به بعض قطاعات الرأي العام العربية . ونلاحظ أمراً مشابها تماماً في البلدان الأوروبية ، فحزب " الجبهة الوطنية " – وهو حزب فرنسي يميني متطرف – يذكر أيضاً أن حل مواجهة الأزمة يمكن أن يكون عن طريق طرد العمال الأجانب ودفع النساء إلى البقاء في المنزل . هذا يشكل شبه قانون ثابت اليوم في المجتمعات البشرية التي تعاني جميعا من سيطرة إيديولوجية التمييز بين المرأة والرجل لصالح الرجل . لكنني إذا تجاوزت مرحلة الأزمة ونظرت إلى الأمور على المدى الزمني المتوسط والطويل ، أي خلال سنوات طويلة ، وجدت أن المرأة العربية قد غيرت جذريا من موقعها الاجتماعي خلال الثلاثين سنة الماضية ، وهذا ملاحظ في التعليم أو العمل أو حتى في الحياة الاقتصادية والعلاقة بين المرأة والرجل ككل . والمقصود أننا لا ينبغي أن نخدع بالمظاهر . إن النزعات الجديدة لوقف تقدم حركة التطور الاجتماعي وتحرير المرأة لا ينبغي أن تنسينا الاتجاه الرئيسي للتاريخ ، أعني تطور حركة المساواة العملية والأخلاقية في مجتمعاتنا ، وهو جزء من الاتجاه التاريخي العالمي الذي لم نعد بعيدين عنه أبداً . وبالتالي لست متشائماً بالنسبة للمستقبل . وأعتقد أن هذا الاتجاه سوف يتعمق في السنوات القادمة في مجتمعاتنا كما هو الحال في مجتمعات العالم الأخرى .
س3- الأدب الأسطورة : ماذا يقدّمان لعالم الاجتماع ، في تحليله للواقع العربي تحديدا إذا سلمنا بأثر البنية الأسطورية على التركيب الثقافي للكائن المجتمعي العربي ، وإذا سلمنا بأن الرواية مادة مهمة يقرأ من خلالها المجتمع بما تنطوي عليه من سرد للوقائع والتاريخ والأفكار ، وما يمثله الشعر من نشاط جمالي يتعامل مع اللاوعي والذاكرة الجمعية والحلم ؟
د. برهان :
كنت قد ذكرت في كتاب " اغتيال العقل " في فصل مستقل أهمية البنية الرمزية والخيالية في تكوين الثقافة ككل . ومما ذكرته أن هذه البنية تؤثر في تحديد سلوكات الإنسان من خلال تشكيل بنيته الشعورية ، أكثر مما يؤثر في هذا السلوك البناء العقلي . ولذلك أعتقد أن البحث في هذا العمق الخيالي والأسطوري هو ميدان أساسي لفهم المجتمعات العربية ، وهو مصدر أيضاً للدراسات الاجتماعية . وأنني أنظر إلى الأدب – فناً ورواية وشعراً – في الواقع ، وهو الذي يهتم ببناء الخيال العربي ، على أنه مواكب للنقد النظري والفكري ، ولا أعني بمواكب أنه أقل قيمة منه ، بل أعتقد أن ما يقوم به النقاد الفكريون يرسم الخطوط الرئيسية لتجديد الرؤية في المجمعات العربية ، أي أن ما تقوم به النقد النظري هو تشكيل ما نسميه العمود الفقري ، وليس لهذا العمود الفقري أي قيمة أو أثر إذا لم ينجح الأدب أو الفن في إكسائه باللحم . إن نظرتي لعلاقة الأدب بالفكر والبحث العلمي هي أن الأدب – رواية وشعراً ... – هو الوسيلة الوحيدة لجعل الفكر النظري حيا بالمعنى الدقيق للكلمة ، تماماً كما أن الكسوة الجسدية هي التي تجعل من العمود الفقري كائناً من لحم ودم . وكلاهما ، الأدب والفكر النظري يخوضان اليوم معركة واحدة هي معركة تجديد المجتمعات العربية .
الجمل
علاء الدين عبد المولى يحاور المفكر السوري برهان غليون (1- 3)
إضافة تعليق جديد