عن أدوات تركيا لدخول معركة الرقة.. وعوائقها
واصلت قوات «غضب الفرات» تقدمها في ريف الرقة الشمالي، مقتربةً لمسافة كيلومترين من بلدة تل السمن الاستراتيجية، في وقت زاد الغموض حول معركة تحرير الرقة والأطراف التي ستشارك فيها، وسط تشويش تركي واضح على مختلف محاور القتال، من مدينة الباب إلى الرقة مروراً بمنبج. فهل تملك تركيا الأدوات اللازمة لدخول معركة الرقة، أم أنها تتشدد في ملف لتحصيل مكاسب في ملف آخر؟
ويبدو أن لا اتفاق نهائياً بين واشنطن وأنقرة بخصوص معركة الرقة، باستثناء المرحلة الأولى التي تهدف إلى عزل المدينة وحصار «داعش» داخلها. أما المراحل الأخرى، فهي لا تزال موضع تجاذب بين الطرفين، إذ تحاول الولايات المتحدة استنساخ سيناريو منبج وتطبيقه على الرقة، بما يعنيه ذلك من نقل المدينة من الصراع ضد «داعش» إلى صراع تركي ـ كردي ـ عربي قد يكون أكثر تعقيداً وحساسية. لكن أنقرة تعتبر أن ما حصل في منبج كان بمثابة فخّ لها وأفقدها مصداقيتها أمام حلفائها في شمال حلب، لذلك تسعى إلى إدخال بعض التعديلات عليه التي من شأنها أن تضمن لها دوراً ما في المعركة، عوضاً عن وضع نفسها تحت رحمة عدوّها الرئيسي، «قوات سوريا الديموقراطية» ومدى التزامه بتنفيذ وعود الانسحاب بعد التحرير.
وقال مبعوث الرئيس الاميركي في «التحالف الدولي» بريت ماكغورك خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الأردنية عمان «إن المقاتلين الكرد لن يدخلوا إلى الرقة»، وإن «القوات التي تدخل ستتألف من العرب ومكونات المنطقة». ويبدو هذا التصريح متطابقاً مع كلام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي أكد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية البوسنة والهرسك أن «الولايات المتحدة أكدت أن وحدات حماية الشعب الكردي لن تشارك في عملية تحرير الرقة، ونأمل أن تلتزم بتعهدها». غير أن تجربة «مجلس منبج العسكري» الذي تمّ تكليفه بمهمة تحرير منبج، واختلاف الطرفين حول تحديد هويته، هل هي كردية أم عربية، تشير إلى أن جوهر الخلاف بينهما بخصوص القوات التي ستشارك في معركة الرقة لم يُحسم بعد، وسط مخاوف تركية من الوقوع في الفخ مرتين.
وتثير مطالبة تركيا بالمشاركة في معركة الرقة، بل القيام بها وحدها من دون إدخال «قوات سوريا الديموقراطية» العديد من التساؤلات حول امتلاك أنقرة للأدوات اللازمة لهذا التدخل، خاصةً أنها منهمكة في جبهة شمال حلب التي تستنفد قسماً كبيراً من القوات المتحالفة معها على الأرض.
في هذا السياق، تؤكد المعلومات أن أنقرة حاولت خلال الأشهر الماضية بناء قوةٍ عسكرية تكون جاهزة لخوض معركة الرقة من دون الاعتماد على أي قوة أخرى. ورغم أنها قطعت شوطاً لا بأس به في بناء هذه القوة، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى أشهر عدة للوصول إلى مبتغاها، وربما هذا ما دفعها للمطالبة بتأجيل معركة الرقة إلى ما بعد تحرير الموصل، أملاً بكسب الوقت اللازم لاستكمال طموحها.
وقد عملت أنقرة لتحقيق هذه الغاية على محورين: الأول إقناع فصائل «الجيش الحر» التي كانت تعمل في الرقة قبل سيطرة «داعش» عليه بالعمل معها وتحت قيادتها. ويبدو أنها نجحت في استمالة العديد من هذه الفصائل (مثل «لواء أحرار الرقة» و«لواء ثوار تل ابيض» و «لواء صقور الرقة» و «لواء أمناء الرقة»)، غير أن إنجازها الأبرز كان في إقناع «لواء ثوار الرقة» بالانشقاق عن «قوات سوريا الديموقراطية» والانضمام إلى فريقها، كما قال الناشط الإعلامي قعقعاع العنزي، وهو من أبناء مدينة الرقة ويدون أخبارها بالتفصيل على حسابه على «تويتر».
ورغم أنه من غير المعروف ما هو العدد الإجمالي لمقاتلي هذه الفصائل، غير أن أبا الخطاب، قائد «لواء التوحيد»، ذكر مؤخراً في مقابلة مع صحيفة «يني أقيت» التركية أنه مستعد لحشد ما يقارب الـ20 ألف مقاتل للقتال تحت قيادة الجيش التركي في الرقة، زاعماً أنه يملك مقاتلين في عدد من المحافظات السورية.
والمحور الثاني الذي تعمل عليه أنقرة، هو تدريب مسلحين في معسكراتها في مدينة أورفا.
وفي هذا الخصوص، قال الناشط العنزي إن تركيا أسست ما يسمى «اللواء 115» بهدف زجّه في معركة الرقة. وأضاف أن هذا اللواء هو بقيادة أبي رعد المنيفي، ويتلقى تدريبات عسكرية عالية في معسكرات خاصة في مدينة أورفا. وقد تخرجت الدورة الأولى منه في تشرين الأول وافتتحت دورته الثانية في الخامس من الشهر الماضي. يذكر أن «سرايا القادسية» التي أعلنت عن نفسها قبل أشهر عدة، وقالت إن هدفها قتال تنظيم «داعش» و «وحدات حماية الشعب الكردية» تتبع للواء «115». غير أن هذه السرايا لم تقم بأي نشاط نوعي منذ الإعلان عنها، وهو ما يؤكد صحة ما ذكرته مصادر كردية أن هذه السرايا مجرد خطوة إعلامية، وليس لها أي تأثير على الأرض.
لكنّ مشكلة تركيا تكمن في ناحيتين: الأولى عدم وجود طرق إمداد بينها وبين الفصائل التي تتحالف معها، فلا يمكنها تقديم الدعم لها، وهو ما يقلل من أهمية هذه الفصائل التي كان تنظيم «داعش» قد استولى على معظم مستودعات أسلحتها سابقاً. والثانية، عدم قدرتها على إدخال «اللواء 115» الذي تدربه في معسكراتها إلى الأراضي السورية إلا عبر طرق تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» التي لا يمكن أن تسمح بمثل هذه الخطوة، وهو ما يجعل فرص أنقرة شبه معدومة، إلا إذا اتخذت قراراً جريئاً وكبيراً بالتصادم العسكري مع «وحدات الحماية» في تل أبيض أو منبج، وهو ما دونه العديد من العراقيل، خصوصاً الضوء الأحمر الأميركي الذي يمنع التعرض لحليفتها الوحيدة على الأرض «قسد»، وهو ما جرّبته أنقرة في تل رفعت وفهمت جديته.
ومن هنا، فإن «سياسة التشويش» التي تتبعها أنقرة في العديد من الملفات السورية وعلى رأسها منبج والباب، إنما تأتي في سياق محاولة خلط الأوراق بين هذه الملفات، لعلها تحصل على مكاسب إضافية في هذا الملف أو ذاك. لذلك فهي تزيد من تهديداتها الكلامية ضد منبج، وكان آخرها حديث نعمان قورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي الاثنين، عن أن أنقرة تعطي الأولوية في سوريا لطرد «قسد» من بلدة منبج، فيما تواصل تقدمها باتجاه مدينة الباب التي تتنافس ثلاث قوى على دخولها، وهي الجيش السوري و «درع الفرات» و «قسد». وسيطر «درع الفرات»، أمس، على قرى جديدة قلصت المسافة بينه وبين الباب إلى عشرة كيلومترات فقط.
ميدانياً في الرقة، واصلت قوات «غضب الفرات» تقدمها في ريف الرقة الشمالي وسيطرت على العديد من القرى والنقاط التي كانت آخرها مضخة المياه التي لا تبعد سوى كيلومترين عن بلدة تل السمن الاستراتيجية. ويتحصن تنظيم «داعش» في هذه البلدة التي تمتاز بأنها بداية انتشار الغابات والمزارع في المساحات الممتدة بينها وبين مدينة الرقة، ما يجعلها أكثر صعوبة من الناحية العسكرية. ومن المتوقع أن يكون هدف المرحلة الأولى من العملية هو الوصول إلى بلدة حزيمة التي تبعد عن الرقة حوالي 20 كيلومتراً وتشكل خط الدفاع الأخير لـ «داعش».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد