.. في ذكرى غياب جوزف سماحة

25-02-2009

.. في ذكرى غياب جوزف سماحة

الحياة... رغم كلّ شيء!
سنتان فترة قصيرة جداً. سنتان؟ عمر كامل. كم من الحروب والمجازر، من المواجهات والامتحانات الصعبة! من محطات الصمت والوحدة واليأس والإحباط، من انتفاضات الأمل والفرح بالحياة أيضاً. كم من السهرات الخاوية، والمواعيد المؤجّلة، وليالي الأرق، والتساؤلات التي تنتظر من يجيب عنها... كم من الأحداث والمفاجآت والتحوّلات التي تحتاج إلى من يرصدها، ويخضعها للنقد والتحليل، ويستشرف انطلاقاً منها ملامح المستقبل. حتّى الماضي ماثل هنا كاليتيم، ينتظر من يرعاه وينادمه. كم من المسائل المعلّقة التي تقضّ مضجع كثيرين بيننا، كان من الممكن للغائب الأكبر أن يساهم في مناقشتها، في اقتراح مشاريع معالجة ممكنة. لا يعرف المرء قيمة الأشياء إلا حين يفقدها. الفقد سرّ الوجود.
كأنّها البارحة فعلاً. اتصال مختصر مع لندن غيّر كلّ شيء. كيف مرّت تلك الأيام والأسابيع والأشهر والفصول على غفلة منا؟ إنّه سرّ المنخرطين في سباق المسافات الطويلة. هؤلاء لديهم إجمالاً علاقة أخرى بالزمن. من أرض المعركة يكون العالم مختلفاً. لذلك، ربّما، لم نعش حدادنا كالآخرين. لذلك تبدو الحدود واهية بين حضور وغياب، تذكّر ونسيان. لكن سنتان، هذا كثير حقاً. كان لا بدّ من تاريخ محدد ـــــ الخامس والعشرين من شباط/ فبراير البائس واللئيم ـــــ كي ننتبه فجأة. سنتان، عمر كامل! جردة الحساب تؤكّد ذلك: كل الذي تغيّر، الخيبات التي لا حصر لها، الذين ذهبوا والذين جاؤوا مكانهم. ونحن الذين شخنا، شخنا كثيراً، عنّا وعنه... وجوزف في زاويته المعتادة يكثر من التدخين، يسند السيجارة المشتعلة بين العلبة وحرف المنفضة في وضعيّة أفقيّة. جوزف في مكان حميم من وجداننا الجماعي، ملفّعاً بالعدم، ينظر في اتجاهنا، أو هذا ما يخيّل إلينا بسبب تلك الصورة الكبيرة، ربّما، على جدارين متواجهين في مقرّ الجريدة. هو وحده لم يتغيّر تماماً. لقد تركنا مقعداً فارغاً في سهرات الطرب والأنس الآتية، لعلّ وعسى.
منذ رحل المارد الساخر في رقاده، ولمّا يتعب من التفكير والنقد والثورة العقلانيّة الهادئة، ونحن نطرح على أنفسنا السؤال المحيّر نفسه: كيف للرحلة أن تستمرّ من دون الأب المؤسس؟ وكل يوم نفاجأ بقوّة دفع جديدة، حتى في لحظات الشك والتردد والحيرة. كل يوم يأتي ما يؤكّد لنا أنّ التراجع غير وارد. التركة ثمينة، وفريدة، فكيف تبقى الساحة الفكريّة تحت رحمة الكتبة والسماسرة وأهل الانحطاط على أشكالهم؟ إنّهم يحدثون جلبة ناشزة، يلوّثون الكون، وأحياناً يأتون متنكرين خلف أقنعة عصريّة، لكن أذيالهم تتدلّى من الخلف. ليس هناك من وقت للحنين، لتصنيم الماضي، فالمعركة في بدايتها. نعم معركة، بالمعنى السلمي الأسمى، من أجل التقدّم والعدالة، من أجل التحرّر. من أجل التغيير. من أجل أن تعود الأوطان إلى أصحابها، وتستردّ الكلمات جوهرها ومعناها الحقيقي، في زمن الكذب والتزوير والعهر السياسي... حين يستبسل شهود الزور والمرتزقة دفاعاً عن «الحريّة».
نحن الذين عرفنا جوزف سماحة عن قرب، في مختلف مراحل مسيرته الاستثنائيّة، قد لا يكون لنا أي فضل في مواصلة الرحلة. زميلاتنا وزملاؤنا الأصغر سنّاً لا يتركون لنا خياراً. هؤلاء وصلوا متأخرين، لكنّهم يعرفونه خيراً منّا، يتمسّكون بأفكاره التقدّميّة والعروبيّة والتنويريّة والممانِعة، أكثر منّا أيضاً... في زمن العلمانيّة الشيك، واليسار الشيك، والديموقراطيّة الشيك، والوطنيّة الأشيك! يتمسّكون بميراثه ومشروعه واسمه ورهاناته الجريئة والمركّبة. لنستمع إليهم يكتبون لجوزف وعنه في ذكراه الثانية. لنترك جيل سماحة الثالث يدلّنا على الطريق.

بيار أبي صعب

الصحافي «بالمعنى النبيل» للكلمة
لو كان جوزف سماحة حياً، ربما لكان قد أضاف إلى عبارة «بالمعنى النبيل» (في العنوان أعلاه) كلمة «والوحيد». نفترض قيامه بهذه الإضافة لأنها كانت تلفتنا، كما كلّ قارئ لسماحة، صفة «النبيل» التي تمثّل واحدة من مفرداته الخاصة، يضعها بعد كلّ مصطلح ضاعت معاييره في زمننا، ولا سيّما لدى الحديث عن السياسة. فقد كان، عندما يكتب المفردة الأخيرة، (السياسة)، يُلحقها دائماً بعبارة (بمعناها النبيل).
في مرحلة سابقة كان يضيف إليها بين قوسين عبارة (والوحيد للكلمة). لكنه قد يكون توقف عن فعل ذلك بعدما يئس من التذكير بوجود معنى واحد، نبيل، للعمل السياسي... أو أنه اقتنع فعلاً بأن هذا النبل يمكن أن يُطبّق في دولة، لا في «مزرعة»، كما خلص إلى توصيف لبنان بجمهوريته الثانية، وذلك بعد سنوات من الحديث عمّا كانت لتكون عليه الأمور «لو أننا نعيش في بلد يحترم نفسه».
في افتتاحية العدد الأول من «الأخبار» بإصدارها الجديد، 14 آب/ أغسطس 2006، أضاف سماحة مفردته، «النبيل»، إلى «وظيفة الإعلام». لم تكن هذه الإضافة لتمرّ مرور الكرام على قرّائه الذين انتظروا إطلالته عبر «الأخبار»، وعاشوا مرحلة انقطاعه عن الكتابة، خلال مرحلة التأسيس للجريدة، في عزّ حاجتهم إليه، أي خلال حرب تموز. كان يجب التوقف عند صفة «النبيل» تضاف هذه المرة إلى وظيفة الإعلام، لكي يكون لـ«الأخبار» معنى. أصلاً، لم تكن «الأخبار» لتولَد لو لم تكن معايير هذه المهنة قد تردّت إلى حدّ بات فيه من الضروري تقديم نموذج جديد للإعلام، كما يراه أحد أبرز مجدّدي الصحافة اللبنانية: جوزف سماحة.
في تلك الافتتاحية، أعلن سماحة انتماءَين لـ«الأخبار»: سياسي ومهني. في الأوّل، تضع الجريدة نفسها في معسكر رافضي الهيمنة، وهو معسكر يمتد، حسب سماحة، «من قلب الولايات المتحدة الأميركية إلى أقاصي الشرق وأفريقيا وأميركا الجنوبية وأوروبا». أما انتماؤها المهني، فهو «معسكر الحرص على التعدّدية والديموقراطية والموضوعية والحداثة والثقافة الإبداعية».
لكن كيف يمكن أن يتفق هذان الانتماءَان؟ سؤال بالغ الصعوبة، وخصوصاً إذا انطلقنا في محاولة الإجابة عنه من المقاييس الجديدة التي تضع معسكر رفض الهيمنة على طرف النقيض مع معسكر الحرص على التعدّدية والديموقراطية والموضوعية...
يحتاج الأمر إلى صحافي، بالمعنى الوحيد للكلمة، ليرسم خارطة طريق توصل إلى حلّ هذه المعادلة، أو «المغامرة المحسوبة» كما سمّاها سماحة. يحتاج الأمر إلى صحافيّ مثل جوزف سماحة، المفكّر والمثقّف... وقبل هذا كلّه النبيل.

 

نبدأ من الصفة الأخيرة، النبل.
منذ رحيل سماحة، قبل عامين، كتب أصدقاؤه الكثير عن صفاته من خلال استعراض مواقفه الفروسية معهم. لكن نبل الرجل يتخطى علاقاته الإنسانية إلى حيّز أوسع، بحيث لا تقتصر هذه الصفة على المقرّبين منه، بقدر ما تمثّل همّاً إنسانياً يتحكّم فيه. لذلك لا يبدو مبالغة القول إن مقالاته كانت منحازة دائماً إلى المواطنين، حتى عندما عاب عليه كثيرون ما سمّوه خطاباً حاداً اعتمده في مقالاته الأخيرة في «الأخبار».
كلّنا يعرف أن «الأخبار»، كانت عرضة لكثير من الاتهامات والانتقادات؛ والأخيرة، حين أصابت سماحة، شكّكت في موضوعيته بسبب اعتماده هذا الخطاب الحادّ. بعضهم وصف الأمر بالإيجابي، وقال إن سماحة تحرّر أخيراً من كلّ المحظورات التي كانت تحاصره في المؤسسات التي عمل فيها. وبعضهم قال إن حاجة «الأخبار» إلى رسم خط لها، هي التي دفعت سماحة إلى التخلي عن موضوعيته ورصانته، ودفعته إلى مقاربة الأمور بأسلوب فجّ استدراجاً للجمهور. لكن ما لم يلتفت إليه الطرفان، أن سماحة لم يكن في افتتاحياته الأخيرة في «الأخبار» يكتب إلّا ما عوّد قرّاءه إياه من مطالبته بحقوقهم وتوعيتهم عليها. همّ واحد كان يحكم نصوصه: بناء الإنسان، مواطناً وحاكماً. والمقاربة التي تحكم أيّ موضوع هي المقاربة الأخلاقية، هو الذي كان يكرّر كلّما تطرّق إلى ملف إنساني وطريقة إدارة السلطة له: «هذه قاعدة أخلاقية عامة» يكتب حيناً، وتكاد تسمعه يصرخ حينا آخر: «ليست هذه مقاربة أخلاقية علماً أن في وسعها أن تكون كذلك». ومن هنا كان يمكن ملاحظة أن كلّ موضوع كان يتطرّق إليه سماحة، لم يكن ليخلو من حدة في اللغة. منذ التسعينيات كنا نقرأه يكتب التالي: «من يرتضِ هذا الوضع فليس جديراً بأن يتحكم في مصائر مواطنين يفترض، من حيث المبدأ، أنهم يدفعون راتبه».
لقد بقي سماحة مصرّاً، عند كل حادث لا أخلاقي، على أن يصفه باللاأخلاقي. هكذا بكل وضوح، حتى عندما «يصعب تصديق ذلك»، عبارته التي كرّرها مراراً في مقالة له عن معتقلين سابقين في السجون الإسرائيلية كانوا ينوون الاعتصام ليطالبوا السلطة بتأمين عمل لهم. (رغم أنه، في ذلك الزمن، وهذا الزمن للأسف، كان يسهل تصديق ذلك). نقرأ: «يصعب تصديق ذلك... ولكن لا بديل عن تحمّل هذه الحقيقة الصافعة. مقاومو الأمس، العاطلون من العمل اليوم، وخريجو سجون الاحتلال وعملائه، لا يريدون منحة، أو صدقة، أو صندوق دعم، أو تعويضاً، إلخ... يريدون، فحسب، عملاً يؤدونه في مقابل أجر لائق. وإذا كان هذا أبسط حقوق المواطن على دولته فكيف إذا كان المواطن المعني قد ساهم، إلى هذا الحد، في إعطاء دولته معنى». يضيف سماحة، بسخرية إن هؤلاء المقاومين الذين يبحثون عن عمل، على اختلاف انتماءاتهم «يلتقون عند قاسم مشترك واحد يكاد يدفعهم إلى إنشاء نقابة من نوع خاص، نقابة العاطلين من العمل المتحدّرين من أصل مقاوم!».
هل تختلف حدّة هذه المقالة عن غيرها مما كتبه سماحة في «الأخبار»، (ونقدّم مثلاً فضيحة الشاي في مرجعيون)، إلا في فداحة الحدث الذي استدعى الكتابة عنه؟ يحمل هذا السؤال إجابته الضمنية، لذلك يصبّ طرحه هنا في خانة التوطئة للإضاءة على صفة ثانية من صفات سماحة الصحافي، وهي المفكّر. الرجل، الذي قدّم منتصف التسعينيات قراءة أخلاقية للجمهورية الثانية في كتابه الصغير «قضاء لا قدر»، كان يقدّم أيضاً مقاربة فكرية تشرّح ظاهرة وصول الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى السلطة في لبنان الخارج من الحرب الأهلية.

■ ■ ■

لم تكن «معالجة» جوزف سماحة، كما وصف كتابه «قضاء لا قدر»، أول ما كتبه عن رفيق الحريري. في تموز 1993، كان لا يزال يعمل في «الحياة» حين كتب سلسلة مقالات تحت عنوان «محاولة اقتراب من الرجل الأوّل في الجمهورية اللبنانية الثانية».
آنذاك، كان ثمّة حدث يحصل في لبنان، على حدّ تعبير سماحة، عنوانه العام رفيق الحريري. هذا الحدث كان يستدعي زيارة لبنان والبحث عن «وعي شقيّ» للظاهرة. أجرى سماحة عشرات اللقاءات ليتوصل إلى تقديم ما سمّاه هو، تعرّفاً إلى العناوين العامة لمشروع الحريري، فيما ستكشف قراءة المقالات أن سماحة في محاولة التعرّف هذه، إنما قدّم تحليلاً علمياً لظاهرة الحريري نقرأ مثله في كتب تصدر اليوم (بعد مرور 15 عاماً) عن شخصيات سياسية مثل سيلفيو برلسكوني في إيطاليا أو نيكولا ساركوزي في فرنسا، إذ لا تختلف قراءة سماحة للظاهرة عن التوصيف العلمي للشكل الجديد من الممارسة السياسية الذي يتّبعه هؤلاء.
يبدأ سماحة مقالته بوصف ابتسامة الحريري، التي تتحوّل إلى ضحكة عندما يتعرّض لانتقادات خفيفة. ليست ملاحظة عابرة أن تكون الابتسامة مدخل سماحة إلى اكتشاف الرجل، وخصوصاً بعد أن يقرأ أحدنا دراسات جديدة عن الابتسامة و«المصنع» الذي تخرج منه، لتمثّل واحدة من أبرز صفات الرجل السياسي الجديد في عصر ثورة الاتصالات والمعلومات: السياسي الجديد هو الذي يستعير من مقدّمي البرامج التلفزيونية ابتساماتهم، كواحدة من مستلزمات مسرحة العمل السياسي، بعد تراجع دور الدولة.
كان طبيعياً في لبنان الخارج من الحرب، أن يكون رفيق الحريري، نقتبس سماحة: «أقوى من سائر الزعماء اللبنانيين فرداً فرداً. وليس سراً أيضاً، أنه منذ تسلّم الحكم وهو يحاول أن يكون وحده، أقوى من الطبقة السياسية اللبنانية كلها. وهو في مسعاه هذا، يتسلّح بدأبه على العمل، وبثروته وعلاقاته العربية والدولية وفرق العمل التي تحيط به. إنه مؤسسة لم يعتدها اللبنانيون ولم يسبق لرئيس حكومة، تحديداً أن شكّلها ولا يفيد في ذلك القول إن الحريري يشتري الولاء». التفسير الذي يقدّمه سماحة، هو إدراك الحريري «أن في وسعه إذا حكم، أن يحتلّ القسم الأكبر من المخيلة الشعبية ويطرد منها مثالاتها القديمة». يحكم الحريري إذاً من خلال بيع الأحلام لمواطنيه، وهو الذي نجح في «صبّ الزيت في مخيّلة اللبنانيين التي اشتغلت بملء طاقتها وتعزّز ذلك من حاجتهم إلى أحلام جميلة تؤكد لهم الخروج من كوابيس الحرب».
هذه أيضاً واحدة من صفات العمل السياسي الجديد الذي لا يقوم على برنامج عمل بل يكتفي بتغذية المخيلة الشعبية بالأحلام، أو زرعها بالخوف. في الحالتين يجب كسب ولاء المواطنين... والسياسيين. نعم السياسيون، وهنا يكون مذهلاً جوزف سماحة حين يكتب أن حلفاء الحريري حين يدافعون عنه فهم يفعلون ذلك «لأن لا بديل عنه» فيما يكون الحريري نفسه «أكثر المدافعين عن الحريري. يعرف تسويق نفسه. يريد لمشروعه أن يكون خياراً حراً لا مجرد منع للأسوأ. ويضفي على عرضه لخياراته حرارة يفتقدها سياسيون لبنانيون كثيرون إذ يصبح الخطر، عند أي لقاء معه، إصابة المرء بـ«عدوى التفاؤل» التي ينجح في تمريرها».
لا يكتفي سماحة بتشريح الظاهرة، بل يتنبأ بما قد تنتجه. يكتب: «لقد وصل الحريري إلى السلطة ممثلاً لرأسمالية ذات عمق شعبي... أي لرأسمالية تتقاطع مصالحها مع مصالح وطنية عامة. غير أنه اصطدم غير مرة بقطاعات كان يمكنها أن تمثّل قاعدته الاجتماعية أو على الأقلّ حليفه الاجتماعي: أساتذة التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية، القضاة، الحركة النقابية، وحصل ذلك في ظلّ شك لبناني متزايد في «وطنية الأثرياء». يصعب الحديث، اليوم، عن «فرط العقد الاجتماعي» لكن ثمة مؤشرات تقول «إن المشروع العام يحمل بذرة انحراف قد تقود إلى تراجع التماهي بين نجاحه وبين مصالح فئات لبنانية واسعة».
طبعاً، كان يمكن القول إن هذه القراءة ضبابية، وخصوصاً أنها تأتي في بدايات العمل السياسي للحريري. لكن بعد ثلاث سنوات، اتضحت الرؤية. حكمت الترويكا وفقاً لمنطق المحاصصة وقمع الحريات، بالتزامن مع انطلاق عمل شركة سوليدير. في هذا الوقت، يقع حادث صغير في أحد مباني بيروت: يموت السينمائي مارون بغدادي، ولا يستطيع سماحة إلا أن يجد في وفاته (بسبب انقطاع الكهرباء!) فضيحة أخلاقية تكشف سلوك السلطة في الجمهورية الثانية، وتدفعه إلى كتابة «قضاء لا قدر» الذي عرض فيه لـ«سمة من سمات السلطة الجديدة التي تفرض انقلاباً كاملاً في الصلة بين الحاكم والمواطن. لا يرى الأوّل أنه مطالب بتأدية الحساب حيال الثاني ما دام يدفع له من حسابه. ليس المسؤول هو الذي يقبض مرتّبه من المواطن بل هذا الأخير هو الذي يعدُ نفسه بأن تعمّه نعمة الحاكم».
يسير سماحة، في قراءته هذه، قدماً في تحليل ظاهرة الحريري كسياسي يعدّ وجوده في السلطة منّة منه على شعبه. ليس هذا السلوك إلا أحد مظاهر إدارة الدولة كشركة. نقرأ: «الصلة مباشرة بين هذا الفهم للسلطة، وبين عقلية القطاع الخاصّ. الحكم التزام والمهمّ فيه الانضباط في المواعيد. تسليم وتسلّم: نتسلّم الحكم ونسلّم مشاريع. في غضون ذلك لا مكان للاعتراض. من يستطيع محاسبة مدير شركة على كيفية إدارة مؤسسته؟ إنه حرّ (...)، هذه رأسمالية متخلّفة عدا عن أنها وحشية لأنها لا تراكم خبرات ولا تنتج ثروات». ويمكن من خلال تتبع مقالاته حتى عام 2006، القول إنها تنتج «مزرعة... سُمّيت تجاوزاً دولة».
هذا العرض المختصر لمقالات سماحة، المتعلقة بجانب واحد من اهتماماته، ليس إلا محاولة للتعريف بنوع خاص من الصحافيين الذين ارتقوا بالمهنة من خلال همّ واحد رافقهم في عملهم: احترام القارئ والارتقاء بوعيه. إنه عمل لا يتقن القيام به إلا صحافي... بالمعنى النبيل للكلمة.

مهى زراقط

لو كنتَ هنا، ربما...
أهو فرض؟ أهو واجب؟ هذا ما سألته لنفسي حين بدأت الشكوك تعبث بقلمي وأنا أكتب إليك، فأنا كما تعلم بعيدة عن أحكام ما يسمّونه الإله ولن أستوعب أساطيره، ومقتنعة بأنك حالياً لا تقرأ ولا تسمع ولا ترى، ولا تشعر بصلاة إن تلوتها، ولاصورته تحرس أروقة الجريدة بأمنية إن طلبتها... وصراحة لم أعلم أن عدداً من صفحات الجريدة سيخصص لك، وصراحة سألت مرة واحدة منذ حوالى أسبوع إن كان أصدقاؤك سيستذكرونك في يومك، ونسيت بعد هذا السؤال أن أسأل، وصراحة أيضاً لم أعتقد أن ذاكرتي ستستعيد حدث السؤال والنسيان هذا... اسمعني، سأحدثك لأنك كنت أول شخص أتعرف إليه، أعتاده، ومن ثم يرحل فجأة، وبالمختصر أنت تجربتي الأولى مع الموت على رغم أنني في يومك هذا تصبح سنوات عمري 26 عاماً... والآن، وبعد سنتين من غيابك، وبعدما فعل النسيان فعلته في ذاكرتي، واغتالت الأيام بعض الحنين والأمنيات، أصبحت أستطيع البوح بما يجول في خاطري. فقد شغلتني حادثتك بأسئلة غريبة جداً: لماذا لم توصِ بألا تقام لك جنازة؟ فقد تمنيتك نشيد الموتى في بيتك ووردة حمراء توضع على جسدك قبل أن يدخل إلى أحد المستشفيات لتتوزع أعضاؤك على من يرغب بحملها بضع سنوات.
هل تعلم أنك جعلتني أدمن كرسيّاً وكمبيوتراً وغرفةً ظنّاً منّي ولبلاهتي أنني أكمل مسيرتك؟
هل تعلم أن رحيلك كان مخيباً للآمال؟ فقد كنت أتمناك واقفاً قرب «الأسونسير» تحمل الجريدة في أعدادها الأولى، تصرخ فينا بصوت مرتفع: ها هو حلمي في يدي، وأنا سأرحل غداً، لا تكونوا سخيفين، لا تعتبروا أن جريدتكم هي حزبكم الجديد، لا تظنّوا للحظة أنّ لي منّة عليكم، إن أردتم ارحلوا. وتكرّر: ها هو حلمي في يدي...
سأخبرك بأن فلسطين ليست بخير، وأن كثرة الأوجاع التي أصابت قلبي سهّلت علي تجربة الموت الأولى التي رميتني بها. سأخبرك أن النظام الرأسمالي في ورطة كبيرة، وأن فؤاد السنيورة بات يحبّ القطاعات الإنتاجية، وأننا كنا لنستمتع في قراءتك لهذا الحدث الجلل. سأخبرك أن المقاومة تبعثرت في مستنقعات السياسة، ولن يفيدني بعد اليوم أن ترحّب بكتابات تنتقد ثغرات في حراك هذه المقاومة وكيفية تكاملها على صعيد السلاح وتلبية القضايا الاجتماعية والاقتصادية. سأخبرك بأنّ بعض المجرمين يظهرون بوقاحة لا مثيل لها على التلفزيون ويتحدثون عن حقوق الإنسان. سأخبرك باختصار بأن لبنان لا يزال في وضعه الطبيعي ولم يتغيّر، لو كنت هنا ربما كان خطك أكثر احمراراً، ربما كنت حملتنا في راحتيك ووضعتنا في جيب قميصك الأبيض، وهاجرت بنا إلى افتتاحية تحطم كل القيود المفروضة. أو كنت بكيت أو تألمت أو أمرت قلبك بأن يتوقف قسراً... ولو كنت هنا لكان الوضع مختلفاً. مختلفاً جدّاً ربّما.

رشا أبو زكي

أعترف بأنني كنت أكذب
كيف أكتب عن شخصٍ لم أعرفه ولم أقابله إلا نادراً في رواق الجريدة؟ الآن سيكتشف كل من كنت أتباهى أمامه بأنني مستكتبة في جريدة يرأس تحريرها جوزف سماحة أنني كنت أكذب عليه بادّعاء معرفة وطيدة بالرجل. نعم، حين كان يستفسر منّي أحد أساتذتي في الجامعة «كيف الشغل؟ كيف جوزف سماحة؟»، يأتي جوابي تلقائياً وبلا تفكير: «الأخبار بتعقّد والأستاذ جوزف ما في منّو». وأستفيض بالحديث عن ميزات الرجل التي كنت أسمع عنها من بيسان طيّ ومهى زراقط.
ثمّ رحل. هكذا لم ينذر أحداً ولم يعطني وقتاً كي أخترع قصصاً جديدة عنه، أرويها أمام عشّاقه من أساتذة وطلاب في كلية الإعلام.
رحل، وبعد أشهر أصبحت موظّفة في «الأخبار». يومها أعدت قراءة كل افتتاحياته في الجريدة. فعلاً قرأتها كلّها في يومين. أردت أن أثبت للجميع أنني أنتمي إلى «مشروع جوزف سماحة». حفظت الصور التي نشرت في الصفحات التي تلت رحيله، وجمّعت كلّ الأخبار التي تناقلها رفاقه في تأسيس الصحيفة عنه. قالوا لم يكن يغلق باب مكتبه أمام أحد. كان خجولاً. كان قارئاً نهماً. كان يحبّ الموسيقى. كان يحبّ عبد الناصر. كان يشعر بحرج شديد عند توجيه إطراء له أو لكتاباته.
اليوم، حين نتحدّث عنه في الصحيفة أناديه بـ«سماحة» حاف، من دون أستاذ ومن دون جوزف. أشعر لسبب ما بأن هذا يقرّبني منه، تماماً كما يفعل هؤلاء الذين عاشوا معه في «السفير»، وانتقلوا معه إلى «الأخبار». أعوّض عن نقص معيّن وشعور بالدونية تجاه كل من واكبه في حياته المهنية. ألصقت صورته على اللوح إلى جانب ناجي العلي وجورج حبش وغيفارا وتشافيز، وألصقت الريشة الحمراء التي وزّعت في دفنه فوق سريري. هكذا أشعر بأمان مهنيّ. سماحة، هل تقرأ الجريدة اليوم؟ ما رأيك بـ«الأربعين»؟ كيف تجد كتاباتي؟ هل تحسّنت عن الأيام التي كنت أكتب فيها في الصفحة الأخيرة؟ هل أستحقّ أن أكون جزءاً من مشروعك؟
فليأتِ أساتذتي اليوم وليسألوني عنه. سأقول الكثير، وهذه المرة لن أكذب. سأخبرهم عن سنة ونصف أمضيتها في «الأخبار»، وعن سياسة في التحرير أرساها ترفض الخطوط الحمر والمحظورات والرقابة، وعن صورتين تزيّنان طرَفَي الرواق وعينين تراقبان كل تفاصيل يومياتنا في العمل وتؤكدان انتماءنا جميعاً هنا إلى «الأخبار»... إلى «مشروع جوزف سماحة».

ليال حداد

رجل من جيل الهزيمة علّم جيلي معنى الأمل
لم يكن تعلّقي بافتتاحية جوزف سماحة اليومية، عادة. عادات أخرى كانت تتحكم بيومياتي. أستيقظ كل صباح كالعادة، أنا ابنة جيل ما بعد الحرب، أذهب إلى جامعة أكلتها حربٌ لم أشهد منها إلا أثرها. كل ما حولي مزيّف وعادي. أحببت، كعادة مَن هم في عمري، شعارات سياسيّة. كنت أعتقد أنني سوف أحرر فلسطين يوماً ما. آمنت بالتغيير، وآمنت به بورع. اليوميات السياسية، في هذا البلد، جعلت حبي وإيماني، عادات. بصراحة، ضجرت بسرعة من «التركيبة العجيبة»، لم أعد أجد فيها ما يغريني. اعتدتها كثيراً.
لم يكن تعلّقي بافتتاحية جوزف سماحة اليومية، عادة.
لم ألتقِ الرجل يوماً. كلُّ ما عرفته من جوزف سماحة، الشخص، كان ذلك التوقيع تحت كلمة «الآن هنا» في جريدة «السفير»، ثمّ تحت كلمة «خط أحمر»، في جريدته «الأخبار». كنت أتمسّك بمقاله كخشبة خلاص تردعني عن الغوص أكثر في «العادي». ما كتبه هو «الاستثنائي» الوحيد في كلِّ ما قدَّمته لي السياسة من فتات يومي. لم أبحث في مقاله عن الرأي فقط، بل كان يغريني المنطق خلف ذلك الرأي، المعلومة التي لن أحصل عليها من مكان آخر. أتذكّر مقالاته في بعض المراحل المفصليّة. أتذكّر حين فنّد الاتفاقيات التي وقّعها «حلف شمالي الأطلسي ــــ الناتو» مع الدول التي تطوّعت في «اليونيفيل» بعد حرب تمّوز. كتب عن تواريخ تلك الاتفاقيات ومضمونها، أتذكرون؟ وحين زار إليوت أبرامز بيروت منذ أربع سنوات إثر اغتيال الحريري والتطورات التي تلت الجريمة، كتب في «السفير» يخبرنا من هو إليوت أبرامز! فرحت يومها. صرت أعرف نيّات أبرامز من وراء زيارته إلى لبنان. قالها لي جوزف. أتذكّر عندما كتب عن حرب في قرغيزستان. لم أكن أعرف أنّ هناك بلداً اسمه قرغيزستان. قلت في نفسي يومها: «هذا الرجل موسوعة». لم أرَ «الاستثنائي» في مقالاته من ناحية مهنيّة، بل من ناحية شخصيّة محض. كنت أتخيَّل، وأنا أحمل الجريدة من المكتبة إلى الصف، ثمّ إلى المنزل، وأعيدُ قراءة الافتتاحية مرات عدة، أنّ جوزف كتبها لي خصّيصاً. خلف الكلمات، كنت أرى منهجيّة في قولها، تحترم عقل القارئ وقدرته على المحاسبة، ورغبةً لطيفة في الإقناع فيها الكثير من التسامح تجاه الرأي الآخر. كرهت «كليشيه الرأي الآخر» ومرادفاته السياسيّة اللبنانيّة، وأدمنته، حصراً، في مقالات سماحة. لم أحفظ يوماً تعريف «الديالكتيك» من الكتب، واستمتعت بقراءة تطبيقه «السماحي» على القضايا اليومية.
ولكن أليست تلك ذروة المهنيّة؟ حين يجعل صحافي من مقالته اليوميّة حدثاً بهذه الاستثنائية؟ أليست ذروة المهنيّة حين يفرض صحافي على القارئ أن يصبح معنيّاً بمقال، بهذا القدر من الذاتيّة؟ أليست ذروة المهنيّة حين يؤثّر صحافي في تشكيل رأي فتاة من جيلي، إلى درجة أصبحت تحلم فيها بالانضمام إلى حزب يؤسّسه جوزف سماحة؟ أليست ذروة المهنيّة حين يكفي قلم كي تتحوّل أحلام التغيير والتحرير، العاديّة اليوميّة، إلى ممكن؟
في اليوم الذي فهمت فيه سطوة القلم هذه، حلمت أن أكون صحافيّة.
رأيت جوزف للمرّة الأولى في مثل هذا اليوم منذ سنتين، على الصفحة الأولى من هذه الجريدة. انهالت على رأسي مقالات الوداع. قرأت فيها عن الرجل الذي كان يوقّع إمضائي المفضّل. تنبّهت إلى أنّ جوزف سماحة إنسان، له حياةٌ يوميّة وعاديّة خارج المقالات التي عرفناه من خلالها. حياةٌ كان فيها صديقاً ومعلّماً ورئيس تحرير استثنائياً. يومها، عرفت أنني خسرت الجزء الاستثنائي الوحيد في يومياتي، وغبطت جميع من عرفوه. أخشى أن أسأل عنه من أصبحت زميلتهم في جريدة سماحة. أخشى إدخاله في الأحاديث اليوميّة. أحاول أن أصطاد من هذا أو ذاك شيئاً كان يفعله سماحة، أو كلمةً قالها. اليوم، وأنا أجلس على مكتبي في جريدته، أعيش ضخامة إنجازه، أدرك أكثر موقع الاستثناء فيه. رجل من جيل الهزيمة الأولى، علّم جيلي معنى الأمل.
عندما أتعب من العمل اليومي، أتخيّله يتمشّى في ممرّ الجريدة، في جولته المسائية التي أخبروني عنها هنا. أستجمع طاقتي، أفكر بمن يعلمونني اليوم أسرار المهنة من زملائه وأصدقائه، وأقول لنفسي: المهمّة استثنائيّة، لا مجال لجهد عاديّ هنا.

سناء الخوري

أعاد الاعتبار والمتعة إلى الصحافة المكتوبة

فهم الرفيق الراحل جوزف سماحة باكراً، ما هي الهويّة التي يجدر بالكاتب الصحافي أن يكوّنها لنفسه في زمن العولمة وإعلامها. استوعبأنّ الزمن الذي يعيش، ليس ــ ولن يكون ــ زمن الكلمة المطبوعة على ورق. ربما كان يفضّل لو وُلِد في عصر آخر. عصر كانت فيه الصحيفة الورقية، تقريباً كلّ شيء: مانيفستو الثورة؛ إنجيل التغيير، مكروهة الحكام، ملعب المثقفين، مفتاح الشهرة، مسرح المبدعين، شيفرة التواصل بين الأمميّين، مالكة «الحقيقة»، حلم الناقمين وسلاح المسحوقين ممن لم تتوافر لهم بندقية.
لكن، مَن يُعِد اليوم قراءة ما كتبه الرفيق الراحل، على الأقل في الصحافة، منذ «الحرية»، إلى «الوطن» ثمّ «السفير» و«الحياة» والعودة إلى «السفير»، مروراً بـ «اليوم السابع» و«زوايا»، وصولاً إلى مشروعه «الأخبار» الذي أراده «من نوع آخر»، فلا بدّ من أن يلاحظ كم منع الرجل نفسه من عيش نوستالجيا صحافيّة، أكل مجدها الراديو أولاً، والتلفزيون والفضائيات من بعده، ليقضي عليها الإنترنت «العدوّ»، ويجهز عليها بالضربة القاضية، الاتفاق العام والمعولَم، على الهرب من القراءة، والاستعاضة عنها بوجبة سريعة من الـ«فاست فود» الإخباري.
ولأنّ أقصى طموح كلّ صحافي يختار هذه المهنة، هو أن تتسع دائرة قرائه، فلا بدّ أنّ الرفيق جوزف لم يهوَ الكتابة للكتابة. وبناءً عليه، استوعب جيداً، شروط المقالة المقروءة في العصر الذي عاش. لقد اختار الرفيق جوزف، خيار التعب والقراءة ومحاولة استشعار نبض الحدث عن بُعد. فهم باكراً جداً، أنّ الناس لن يضيّعوا وقتهم في فلفشة أوراق مدفوعة الثمن (حتى الصحف المجانية في فرنسا تعيش أسوأ أيامها) وتوسّخ الأيدي، ما دامت أمامها حلول أسهل. غالب الظنّ أنه عذر الناس على «خيانة» الصحيفة وتركها وحيدة. فـ«الجزيرة» وأخواتها، سرقت من صاحب القلم كامل رصيده تقريباً.
بين قسمات المصير الأسود للصحيفة الورقية، وجد الرفيق جوزف، مساحات من الأمل، عرف أنّ بالإمكان البناء عليها، لا لإعادة المجد الضائع للصحيفة، بل لإيجاد مهنة شبه جديدة للصحافي: بدل ناقل الخبر، عليك أن تكون المدقّق في تفاصيله، لكن بحذر، بما أنه «ممنوع الغلط». فالحدث، أكان قراراً أو حرباً أو موقفاً أو فضيحة أو جريمة أو ثورة، ليس «شيئاً ما» كما يعلّمنا علم الاجتماع. هو بالضرورة، امتداد لماضٍ، وتحضير لتطور مقبل. تعبير عن مصالح، طبقية كانت، أم مجموعاتية أم سياسية (محلية أو أجنبية). من يعِد التدقيق في مقالات الرفيق الراحل، فلا بدّ أن يشعر، بأن كاتبنا يؤمن أن أي ظاهرة، هي تجميع لعدد هائل ممّا نسمّيه «تفاصيل». تفاصيل لا علاقة بها بالعناوين العريضة التي تثير شهيّة الفضائيات. عناوين تصنع رأياً عاماً زائفاً، أو «وعياً زائفاً» بلغة الشيوعيين الذين كان الراحل واحداً من أبرزهم في عالمنا العربي، رغم أنف من يحاول خلق هوية متخيّلة لأستاذنا.
وقد يكمن هنا بالتحديد، سرّ أناقة الراحل وهيبته. أن تكتب بلغة رصينة، مقالاً من 500 كلمة أو 600، بلغة صحيحة وسهلة الهضم في آن واحد. مقال لا تهدف من ورائه إلى القول إنك تعرف كل شيء. تكتفي بقول ما تعرف، أيضاً بشرط أن يكون جديداً. كن موجوداً في مقالك، لكن بطريقة «غير مرئيّة»، بطريقة ذكية. حتى إن كنت من أنصار الكتابة التعبوية، فلن تنجح إلّا إذا كان ما تطلب من الناس أن يقرأوه، خلاصة لأدبيات ومعلومات ونقاشات رصينة. أن يكون فكرة جديدة. ومَن فهم أكثر من الرفيق جوزف، أنّ شكل المقال ولغته، قد يكونان أهم من محتواه؟ ساوى الرجل بين الشكل والمضمون. تعليقه وتفكيكه وتشكيكه وأسئلته وأجوبته وتحليله وخلاصاته، كلها جاءت في جمل قصيرة. الجمل الاعتراضية تمرّ خفيفة الظلّ. الرصانة عنده زاوجت الفكاهة، أو بكلمة أدق، «الروح المرحة». حين يكتب عن مصائب تحصل، أو يتخوّف من كوارث ستأتي، يبتعد عن النصح والتفزيع المنفّرين. كأنه حين يكتب عن «شيء بشع»، كان يتناول قبلها جرعة ممزوجة من العبثية والواقعية.
لماذا يشعر بعضنا، بأنّ الرفيق جوزف، لم يطرح على نفسه ولو مرّة التساؤل الأزلي: هل تتعارض «موضوعيّتي» كصحافي (مفترض أنه كان يفضّل مصطلح مهنية على الموضوعية)، مع هويّتي العقائدية وفكري السياسي؟ قد يكون عدم انتسابه إلى كلية الإعلام (في العالم العربي خصوصاً)، قد وفّر عليه عناء المحاضرات الفارغة عن ضرورات الحياد والموضوعية والتجرّد عند الصحافي. محاضرات ممهورة بتعريف للصحافي على أنه «صانع للرأي العام». كيف يكون الصحافي مجرد شاهد، وفي الوقت عينه، يصنع رأياً عاماً؟ وهل هناك شيء اسمه «رأي عام محايد»؟
على الأرجح أن أستاذنا سهّل المهمة على نفسه. فإعادة التدقيق في العبارات التي كتب بها مقالاته، تحمل ما هو أبعد من القيمة الصحافية ــــ التاريخية ــــ السياسية. تحمل قيمة إنسانية أخلاقية عنوانها الصدق. الصدق نقله الرفيق جوزف من عينيه إلى مقالاته ودراساته وكتابيه الوحيدين. قد يكون جديراً اليوم، بتنظيم مسابقة يتبارى فيها النقاد، لضبط تصنُّع ما في أحد مقالاته، أو تناقض مبدئي أو كلمة تندرج في إطار لزوم ما لا يلزم. حتّى حين يسخر، فهو صادق. تجده يغضب في مقاله، ثمّ يهزأ فيحتفل ثمّ يحزن ويتأسّف. كل ذلك مغلّف بطيف محبَّب من الرصانة من دون تكلّف... هي الرصانة الصادقة. صدق لا يمكن الوقوع عليه في أي نمط تعبير، إلا في المقال المكتوب.
لا يحتاج المرء إلى أن يكون قد عاشر الراحل طويلاً، ليكتشف أنه صاحب نظرية جديدة في الموضوعية، أو قل المهنية. أن تأخذ مسافة من الحدث، لا يعني أن تكتب عنه كأنك «مستشرق» آت من بعيد. فأن تكون مهنياً، يعني أن تبادر إلى نقل وجهة نظر من تختلف معه كلياً، قبل أن تسمع رأي من تتفق معه. وفي تفكيك الرأيين، تبقى القراءة النقدية التي تترك دوماً مكاناً للنسبية، حجر الزاوية. وهنا المفارقة: كيف تقول الأشياء بأسمائها، وتذهب حتى النهاية في ما تقوله، وتكون جذرياً لا بل «أرثوذكسياً»، ولا تنفّر قارئك؟ من دون ذلك الحسّ النقدي، يكون تقريرك أو تحليلك أو تحقيقك أو مقابلتك أو افتتاحيتك أمراً من اثنين: إمّا ترداد ببغائي لما يقوله السياسيون. أو اختراع كاذب حلّ مكان البحث عن الخبر وما وراءه وحوله وبعده.
صفة كاتب المقال الذي كانه الرفيق الراحل، لم يحجب عنه الاهتمام ببقية أنواع الكتابة الصحافية. فقد اقتنع الرجل بأنّ الصحيفة الورقية ستموت نهائياً، إذا لم نخترع لها لغة وشكلاً جديدين في الكتابة والاهتمامات والأبواب. التحقيق الاستقصائي، وتحليل الوثائق، والابتعاد عن المادة الخبرية السردية، والمعرفة ولو العامة بحدّ أدنى من العلوم والفنون، كما مشاركة القارئ بمشاهدات الصحافي الميداني، والهروب من العمل المكتبي قدر الإمكان... كلّها قد لا تكون من اختراعات الرفيق جوزف، لكنها بالتأكيد، عرفت نقلة نوعية على يديه أينما حلّ، إلى درجة أنّه بات بالإمكان القول من دون ادعاء، أنه مخترعها لكونه قد نقلها (في لبنان طبعاً) من إطار العمل الفردي لصحافي مميّز هنا، وآخر مغرّد خارج سرب «السياسة التحريرية» لمؤسسته هناك، إلى نهج عام وملزم. نهج لم يكن بالإمكان أن يُعمَّم، من دون مواكبة في تصميم الصفحات، وفق مفهوم جديد لدور الإخراج الفنّي في الصحافة المكتوبة، وسط زحمة الفنون التصميمية ونظرياتها.
الأحجيات بشأن كتابات الراحل كثيرة. لا جواب نهائياً يفضح سرّ حاجتنا للعودة إلى ما كتبه قبل سنتين أو 5 سنوات أو 10 أو 20 سنة أحياناً. الأجوبة النمطية، العلمية والميتافيزيفية منها، من نوع «بُعد نظره»، أو سعة أفق تحليله، أو حتى قدرته الاستثنائية على الكتابة عن المستقبل وتشريح اللحظة الراهنة لتهيئة عناصر مشهد الغد، كلّها لا تكفي. ليس بهذه البساطة يمكن تبرير كيف أنّ كتاباته جديدة دوماً، تحاكي حاضرنا وهمومه، متحرّكة، حيّة، صالحة اليوم للقراءة أكثر مما كانت عليه في الأمس. لن تسكت حشرية بجواب كهذا، لتزيل السؤال من أجندتها: فيمَ كان يفكّر الرجل عندما كان يرسم سيناريو متخيّلاً استهجنه سواد أعظم من الناس حينها، عن مشهد سياسي ما، وها هو الفيلم «المشؤوم غالباً» يتحقق اليوم!
قليل من الشكّ في نهائية العلم كحقيقة ولو غير نهائيّة، قد يأخذ بنا إلى جواب يسهّل المهمّة: للرجل طاقات لم تكن عادية، ليس في التحليل والتمسّك بقناعاته وخياراته وسرعة «أكل» المادة التي يقرأ والحسّ النقدي عنده، وانسيابية كتابته فحسب، بل أيضاً في «تنبّؤ» المستقبل. كلمة ما كنّا نجرؤ على استخدامها لو أنّ الراحل لم يرحل، ببساطة لكونها عبارة غير علمية.
ألا يكفي هذا الرجل فخراً، أنّه على الأقل، أعاد متعة القراءة ــ التفكير إلى الكثيرين ممّن كفروا بها؟

أرنست خوري

علّمنا أنّ الصحافة انتماء أوّلاً وأخيراً
الأصعب، حين يعلم الصحافي الجديد العهد مع جوزف سماحة بموته، هو تذكُّر تلك الملاحظات الصغيرة التي كان سماحة يوزعها عادة في ترويقة الصحف، ثم في تنقّله الخفيف من قسم إلى آخر في الصحيفة، ولاحقاً في جمعة العشاء حول مشاوي «الشيخة»: لا يمكن لصحافي ناجح أن يقول صباح الخير قبل أن يقرأ كل الصحف، فتقرأ «من تحترمهم ومن لا تحترمهم»، وتسطّر تحت الأفكار البارزة، كما تسجّل ملاحظاتك على الأفكار التي تستحق المتابعة. وبعدها تجري اتصالات بمصادرك تسألهم عن جديدهم.
يشعر بالتفاعل معه، فينتقّل بعد أيام إلى ملاحظة أخرى: ضع نفسك قبالة ابن الجنوب ثم حدثه عن السياسة في عكار. في الأساس، لا شيء أساسياً ولا شيء ثانوياً، وغالباً الثانوي أهم مما تصنّفه أساسياً. وربما، سائق الأجرة وناطور البناية وصاحب الدش أكثر تأثيراً في الرأي العام من السياسي الذي تهتم الصحف عادة بآرائه. وتطول لائحة الملاحظات، ثمة مدرسة غير منضبطة تنبش مواضيع، وتستخرج من أصغر حديث شعبي زاوية ثابتة في الصحيفة.
في السياسة آخر أيامه، كان البلد يعيش ازدهاراً سياسياً، بالمعنى الاستهلاكي للكلمة. لكنه في عزِّ الحدث، أراد من فريق العمل في «الأخبار» أن ينظر أبعد من أنفه، أن ينسى وجود سمير جعجع وميشال عون ونبيه بري وحسن نصر الله وسعد الحريري ويلتفت إلى تلك السيدة في جل الديب التي تحب نصر الله، وأن يسأل القواتي الجديد لماذا يعجبه جعجع، وأن يتنقّل من أمليٍّ إلى آخر ويكتشف حقيقة علاقة هؤلاء ببري. وأكثر، كان يريد استعراض كل التفاصيل: فلننظر إلى تفاهم التيار الوطني الحر وحزب الله من زاوية أخرى فنكتب من هو مؤيد عون، من أين يأتي، كيف يفكر، أين يمضي يومه. ولنضع قبالته نموذجاً من حزب الله.
بعد استيعاب «الرحيل»، في باحة تلك الكنيسة، يكتشف الصحافي ــ الحديث العهد مع سماحة ــ صورة أخرى لذلك الرجل الذي تغادر عادة الصحيفة إلى المطبعة ولا يغادر هو مكتبه. فترى حشداً من شبان صغار يأتون من الجنوب وعكار يافعين لوداع الرفيق، تكتشف أن الزملاء الذين وفدوا إلى «الأخبار» من أماكن مختلفة يكاد لا يجمعهم إلا احترام هذا الرجل، وتسمع في تلك الجنازة كلاماً يُضيع بداية ثم تنتظم الأفكار: أن تكون صحافياً، أن تتابع بنهم، أن لا تفوتك معلومة، أن تنظم أفكارك وتربط المعلومات، وأن تكتب ما تريد كتابته دون مراعاة. وفي النتيجة، ستجد من يفهمك، ستجد من يغضب حين يقرأ مقالك النقدي عنه، لكنه بدل أن يحقد عليك، سيحترمك أكثر.
ولاحقاً، إثر زيارات لناس تتعرف إليهم بعد أسابيع وأشهر وسنتين من وفاة سماحة تكتشف الرجل أكثر، تراه في اشتياق عيون كبار إلى تلك الأسطر التي يمكن نشرها بتاريخ اليوم، فتراهم يحاولون ربط الأفكار كما علّمهم سماحة، وبعضهم يرتبك في عالم الإنترنت بحثاً عن مواقع وأسماء صحف ومراكز دراسات كان يكرر سماحة ذكرها في مقالاته. ووسط ذلك كله، تكتشف أن لا صفات لجوزف، هو ليس مَلك الأقلام ولا عبقري التحليل ولا شاعر الصحافة ولا صوت الحقيقة، هو «الصحافي» ونقطة على السطر.
وهكذا، يكتشف الصحافي ــــ القديم العهد مع جوزف ــــ معنى أن يكون صحافياً، أن ينتمي إلى مهنته رغم كل قدرته التأثيرية في الحياة السياسية، ورغم كل الأبواب التي كان يمكن أن تفتح له، وأن لا يوظف علاقاته إلا للمهنة.
في لحظة، تبدو الصحيفة عالماً مملاً، روتينياً، وينتبه الصحافي فجأة إلى أنه لم يقرأ صحفاً ولا حتى صحيفته، ومقاله منذ بضعة أيّام. في لحظة كهذه تطل ابتسامة سماحة المتّقدة، تنبّه إلى أنّ الصحافة ليست ممارسة بل انتماء.

غسان سعود

سأخبرك سراً أرجو أن يبقى بيننا
عزيزي جوزف،
تستغرب من رفع الكلفة بيننا ومناداتي لك «عزيزي»، رغم أننا لم نلتقِ، تقول؟ لكننا التقينا «رسمياً» مرتين. أتذكر؟ كانت المرة الأولى في «اتحاد الشباب الديموقراطي» في بداية 2006. جئت لتحدثنا عن الوضع العام وعن «الأخبار». أتذكرني؟ أنا تلك الفتاة التي كانت تجلس في مؤخرة الصالة مشرئبّة الأذنين لتحفظ كلّ كلمة تنطقها. عندما انتهى اللقاء، تجمهر حولك الرفاق، لكنني خجلت من الاقتراب، فخرجت لأدخّن سيجارة على الشرفة، وعندما عدت إلى الداخل لم أجدك. قالوا لي «الأستاذ جوزف في المكتب مع الرفاق. ادخلي». لعنت السيجارة. ما لا تعرفه يا جوزف هو أنني درت حول غرفة المكتب ما يقارب أربع مرات، لكنني لم أجرؤ على الدخول. خجلت مجدداً، رغم أنّ كلّ ما أردت فعله هو مصافحتك وإخبارك بأنني معجبة جداً بك، والاحمرار كأنني مراهقة تلتقي بمغنّيها المفضّل.
ألا تذكرني؟ حسناً. ربما تذكر المرة الثانية التي التقينا فيها: في الرابع من آذار (مارس) 2007. استيقظتُ باكراً لأصل مع جمع من محبّيك في الوقت. في باحة الكنيسة كنّا كثراً وأحسست بأننا نحتفي بك ونحن نحمل الوردة الحمراء. سأخبرك شيئاً. عندما خرج التابوت من الكنيسة بكيت، وأنا لا أبكي بسهولة، وخصوصاً أمام الناس. بكيت كثيراً ذاك النهار، ولم آبه للجموع حولي، ولم أسعَ لإخفاء وجهي. لكنني لم أذهب إلى المقبرة. هناك كنت سأحسّ بأننا فعلاً فقدناك. مشيت قليلاً وراءك ثم انكفأت.
إنهما اللقاءان الوحيدان بك. لكنّنا تواعدنا مئات المرات على مقال يومي، كنت التهمه مع فطوري ليكون رأيي لهذا النهار. سأخبرك سراً أرجو أن يبقى بيننا. لسنوات وأنا أينما ذهبت، كنت تكوّن الآراء في عقلي من دون أن تعرف ذلك. كنت أقرأ مقالاتك وأحفظها لأعرف ماذا يحصل في البلد وما يتوقع أن يحصل مستقبلاً، لأنني لم أعرف كيف أحلّل شيئاً.
كنت حين أقول شيئاً وأتشاجر مع أهلي بشأن موضوع سياسي ما، ويقول لي والدي «أنت لا تعرفين شيئاً»، كنت أجيبه بتحدٍّ «الأستاذ جوزف هيك قال. يعني أكيد هيك رح يصير». أحبّك أهلي من محبتي لك. ولهذا، في 25 شباط (فبراير) 2007 شاركتني والدتي الحزن، وتركتني أبكيك بصمت دون أن تتدخل.
لهذا بعثت إليّ أختي برسالة قصيرة من كندا تعزّيني فيها. لم أكن أعرف وقتها أنك رحلت. أجبتها برسالة «من توفي؟». فردّت علي «لقد توفي ذلك الصحافي الذي تحبينه كثيراً، ميشال سماحة». في تلك اللحظة، أحسست بأنّ شقيقتي، التي خلطت بين اسمك واسم الوزير السابق، تمزح بطريقة سمجة.
سأخبرك شيئاً. لا أزال احتفظ بتلك الوردة التي أعطوني إياها في جنازتك. بعد سنتين، لا تزال الوردة الحمراء التي جفّفتها في خزانتي، ومقالتك الأولى في «الأخبار» «توقيت صائب» معلّقةً فوق مكتبتي، تستقبلانني كلما عدت إلى طرابلس.
أتريد أن تسمع شيئاً مضحكاً؟ أحياناً، عندما أهمل عملي قليلاً وأتسكّع في الرواق مع الزميلات في العمل ونحن نثرثر، أراك تنظر إلينا من آخر الممر من تلك الصورة الكبيرة، فأعود مسرعة إلى عملي، وأردّد في نفسي «إذا ما كرمال حدَن كرمال جوزف». وعندما أغضب من أحدهم وأهرع إلى الحمام لأنفّس عن غضبي، ألمح وجهك المبتسم فأعود إلى هدوئي.
لست أردد جملاً فارغة عندما أقول لك إنك لا تزال بيننا بعد مرور سنتين على رحيلك. فأنت فعلاً بيننا، في كل نجاح تحققه «أخبارك»، وفي عيون الزملاء الذين تسنّى لهم العمل معك وهم يذكرونك تذكّراً شبه يومي.
عزيزي جوزف، شكراً لك على وقوفك إلى جانبي وتكوين وعيي السياسي في مرحلة حساسة من حياتي، كنت في أشد الحاجة إليك فيها، واسمح لي بأن أقول لك إنني اشتقت إليك.

ديما شريف

من مقالات جوزف سماحة في الأخبار
غاب الخطّ الأحمر عن الصفحات الأولى من «الأخبار»، لكنّه لا يزال يرسم وجهةً للجريدة التي أسّسها وترأس تحريرها جوزف سماحة، وكذلك لكلّ القوى والأفراد الطامحين إلى تجاوز الواقع المتفكّك نحو دولة لبنانيّة سيّدة، ديموقراطيّة، عادلة، ومزدهرة. هنا ثلاثة مقالات مختارة ممّا كتبه جوزف سماحة كافتتاحيّات لجريدة «الأخبار»، وهي تتناول ثلاث مسائل لا تزال تمثّل جوهر السجال السياسي في البلاد: البرنامج أو السياسات الاقتصاديّة الواجب اتّباعها، الاتّفاق بشأن استراتيجيّة دفاعيّة لبنانيّة في ظلّ صعود اليمين الإسرائيلي المتطرّف، والبحث عن بديل بعد فقدان اتفاق الطائف لمرتكزاته.
العودة إلى تلك الافتتاحيّات تكشف أمراً غريباً. فهي لا تزال صالحة لتمثّل افتتاحيّة عدد اليوم، رغم أنّها نابعة من الحدث السياسي اليومي، وتبني على تفاصيل الحياة السياسية اليومية. هذا لا يقول الكثير عن الرؤية الاستشرافية لسماحة وحسب، بل أيضاً عن التخبّط الذي نعيش فيه والدوران في حلقات مفرغة من دون التوصّل إلى نقطة استقرار وتوازن يتمكّن المواطن اللبنانيّ والعربيّ من العيش فيها بهدوء وكرامة.

 

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...