01-03-2018
في سورية.. مصادر دخل مشبوهة تفرز طبقة من الأثرياء الجدد
أفسح غياب الرقم الإحصائي الكفيل بمسح الظواهر الناتجة عن الأزمة والوصول إلى مؤشر يمكن من خلاله اتخاذ القرارات اللازمة للمعالجة، المجال أمام تقديرات الباحثين واجتهاداتهم، ولم تقتصر مثل هذه الاجتهادات على الباحثين المحليين فحسب، بل تعدتهم إلى إقحام المنظمات الدولية أنفسها لإصدار تقارير لا تخلو في غالب الأحيان من أرقام وبيانات لا يمكن إخراجها من سياق التسييس المرتبط بشكل أو بآخر بأسباب ومسببات الأزمة.
كثيرة هي الظواهر المرعبة الناتجة عن الأزمة التي باتت بحاجة إلى مسح إحصائي، منها على سبيل المثال لا الحصر طبقة الأثرياء الجدد، ومصادر دخل الأسرة السورية، وتنامي ظاهرة السكن العشوائي …إلخ، غير الملحوظة رسمياً بشكل دقيق يُمكّن الجهات المعنية من الوقوف على حيثياتها ليصار إلى اعتماد سبل وآليات لمعالجتها أو الحد منها على أقل تقدير.
لإعادة النظر
يدفعنا –للأسف- تمسك المكتب المركزي للإحصاء بتوصية اللجنة الاقتصادية أيام الحكومة السابقة، القاضية بعدم الإعلان عن أي رقم أو بيان إحصائي، سوى الرقم القياسي لأسعار المستهلك الذي بلغ 782.9% عن شهر شباط 2017، وذلك حسب سنة الأساس 2010، للاستعانة بتقديرات غير رسمية لبعض الباحثين كما أسلفنا بداية، مع الإشارة هنا إلى أن أهمية مسح وتحليل هذه المسألة تكمن بالحصول على مؤشرات تفيد بإعادة النظر بالدعم المقدم للأسرة السورية، وبرسم سياسات اقتصادية تلحظ مصادر الدخل في ظل الظروف التي تعيشها هذه الأسرة، خاصة بعد أن أفرزت الأزمة مصادر دخل مشبوهة.
سلوكيات
وفي الوقت الذي تتصدر الرواتب والأجور –كما هو معروف – قائمة مصادر الدخل للأسر السورية، يليها الأعمال الخاصة، ثم التحويلات الخارجية، والإعانات الداخلية سواء من الأقارب أم من المساعدات الإغاثية، إلى جانب العائد من بيع الممتلكات والمدخرات الذي نفد معظمه، نجد أن هناك مصادر دخل أخرى فرضتها الظروف الحالية وتتخذ شكلاً من أشكال الأتاوات، كتلك التي كنا نلاحظها في وقت سابق في مراكز توزيع مواد مثل الغاز والمازوت وأحياناً الخبز، وقد تلاشت إلى حد كبير بعد توفر هذه المواد بشكل ملحوظ. كما أن هناك بعض السلوكيات البعيدة عن ثقافة المجتمع السوري يمارسها البعض بغية الحصول على مبلغ مالي حتى يؤمن المواطن بيسر وسهولة بعضاً من حقوقه، وقد أنتجت هذه السلوكيات طبقة من أثرياء الحرب أصبحوا ظاهرة واضحة في المجتمع مع أن نسبتهم لا تزال محدودة قدرها أحد الباحثين بـ10%، وبرزوا على حساب الشريحة الواسعة الفقيرة من المجتمع السوري.
حوالات
وفي السياق ذاته تشكل التحويلات الخارجية مصدراً مهماً من مصادر دخل الأسرة السورية، إذ أكدت بعض المصادر المطلعة أنها تبلغ سنوياً نحو 1.5 مليار دولار، أي 651 مليار ليرة وفق سعر صرف الحوالات المحدد بـ 434 ليرة رسمياً، مما يعني أنها تفوق الكتلة السنوية للرواتب والأجور المقدرة بنحو 478 مليار ليرة سورية. يقودنا الحديث عن مصادر الدخل إلى الإشارة إلى أن الخطوط المتعددة للفقر”مدقع، أعلى، أدنى”، حيث إن لكل واحدة حساباتها وتختلف من دولة إلى أخرى. فقبل الأزمة كان خط الفقر الأدنى يراوح ما بين الـ 1.25 – 1.5 دولار للفرد، وعلى اعتبار أن متوسط حجم الأسرة السورية 5 أفرد كان دخلها بحدود الـ7.5 دولار يومياً، أي 225 دولاراً في الشهر، فإنه وبناء على سعر صرف الليرة الحالي للحوالات 434 مقابل الدولار يكون الناتج 97650 ليرة سورية وهو الحد الأدنى للفقر.
ربما ليست كذلك
أمام هذا العرض الموجز، وغياب المسح الإحصائي لمثل هذه الظواهر والحالات خلال سنوات الأزمة، يثار الكثير من الهواجس الناجمة عن تنبؤات وتوقعات لا تنم إلا عن صور سوداوية لكل جوانب حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، مع العلم أنه من المحتمل أن تكون هذه الصور أقل سوداوية مما يسوق لها فيما لو تم تحليل واستقراء الواقع الاقتصادي، لكن غياب الإفصاح عن البيانات والأرقام الإحصائية أطلق العنان لتقديرات وقراءات كثير من المتابعين والمحللين الاقتصاديين لواقع الاقتصاد الوطني، بل أكثر من ذلك نلاحظ أنه بين الفينة والأخرى تنبري بعض المنظمات والجهات الخارجية للحديث عن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسكاني في سورية، مُدعّمةً حديثها بإحصائيات أغلب الظن أنها تقديرية إن لم تكن مزاجية وفق أهواء مصدريها..!.
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد