قصيدة جديدة لأدونيس
- 1 –
حياته زيٌّ مسرحيٌّ،
والمعادن كلها تُصفق له.
- 2 –
على المسرح
أرجلٌ هي التي تُملي،
وهي التي تكتب وتمحو.
- 3 –
القتلُ أخٌ في الرضاعة
لهذا المسرح.
- 4 –
صفّقوا لهذا المغني الطالع:
يسوسهُ قائدٌ
تعملُ السماء فلاَّحةً في حقوله.
- 5 –
ببراعة،
يمزج المخرج في مسرحياته كلها،
بين أسنان السماء
وعظام الأرض.
- 6 –
للسياسة على هذا المسرح
غيلانٌ
تبدو في عيون المشاهدين
كمثل غزلانٍ عاشقة.
فجأة،
يجري الدم الى مُستَقَرِّه،
وتطيرُ الأشلاء الى بارئها.
- 7 –
مسرحٌ
ينسج الزمن حُجُباً وأقنعة
على الوجه والعقل.
- 8 –
للمسرح، كمثل المدينة، ضواحٍ متنوعة.
لكل ضاحية صفاتٌ ثلاث:
قنديلٌ يُرمى في الأزقة والبيوت،
كما يُرمى النرد.
دمٌ يروي كأنه الماء.
ملاكٌ، لا أُنثى له، يحرسُ، ويُحيط.
وكل شيءٍ إيماءٌ وإشارة.
الهواء هو نفسه الذي يهدم الفضاء.
- 9 –
الذهب على هذا المسرح
سليل القتل.
«وطوبى
لمن آمن، ولم ير».
ويُقال، بناءً على ما تقدم:
«الإبهام
هو، حقاً،
أكبرُ الأصابع
في يد الغيب».
- 10 –
ماذا نستطيع أن نعمل لذلك الممثل
الذي يشطح صارخاً:
«لا أؤمن إلا بقمرٍ
يطلعُ من أحزاني»؟
- 11 –
سأل مُخرجٌ أحد نُقاده:
«كيف تريد، إذاً، أن تُظلّل العتبة
بغُصنٍ من الأمل؟
«كيف تحب، إذاً، أن تُفتح النافذة
بيدٍ لا تعرف القيد؟
«كيف تحلم، إذاً، أن يُحرَّر الخشبُ
من سوس الهجرة؟»
لكن هذا المخرج لا يزالُ ينتظر جواباً.
- 12 –
عجباً!
المرأة على هذا المسرح، ثوبٌ
والرجل حقيبة.
بينهما ممثلٌ
يُسمّي الغيب حظاً،
ويقول: «الحياة حربٌ
والفلك جيشنا الآخر».
- 13 –
ما هذه الخطوات التي تُحيط بالمسرح
فيما ترضع ثدي الغبار؟
ما تلك الأجسام التي تمتص
رحيق الإسفلت،
فيما تحلمُ وتُصلّي؟
- 14 –
أيها المُشاهد،
أترك لجلبابك أن يُغطي المشهد.
لا حاجة الى أن تصغي.
لا حاجة الى أن تستفسر.
لا حاجة الى أن ترى.
- 15 –
مَن ذلك الجمهور
الذي يُحوّل عصا قائده الى طريق،
وألفاظه الى قُصور؟
- 16 –
الظلام يلتحفُ المكان،
وليس للضوء أن يتقدم إلا رمزاً.
لليل، على هذا المسرح،
مهنة الحفر، بعيداً، عميقاً،
وللنهار مهنة النوم.
- 17 –
ما شأن ذلك المشاهد المقيّد؟
تُراه أيقن
أن محاكاة الجنة على المسرح،
لا تُنتج أي نهر –
للعسل، أو للّبن؟
- 18 –
عندما نظر ذلك العابرُ
الى الأجسام وهي تلتهبُ حتى في الماء والظل،
أخذ يكرر في ذات نفسه:
الحق أن
«درهم وقاية
خيرٌ من قنطار علاج».
- 19 –
مُعظم المشاهدين
يكدّسون أعمارهم في صناديق الذاكرة:
هكذا لا يعرفون إلا بعد فوات الوقت،
أن الخشب فيها أول الجسد،
أن الأقفال تتقدم الكلمات،
أن السُّوسَ ينخرُ هانئاً.
- 20 –
عندما يهدم الشعر وزن التاريخ وعموده،
في موسيقى تتفجر بحكمة
كحكمة الشجر والماء والهواء،
سيتحول هذا المسرح الى مكان
تنتقش على وجهه قصيدة الأزمنة.
ربما، آنذاك،
سيُتاح للمشاهد أن يقول:
«كلا،
ليس على الوردة أن تحترق،
لكي نصدّق عطرها».
- 21 –
أعرفُ، أيها المسرح،
ذلك المأزق الذي تتحرَّك
بين جُدرانه:
«المرض فاتِكٌ،
والعلاجُ الذي يُوصَفُ أشدُّ فتكاً».
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد