كسبة الصويا: مخازين بالمليارات بحاجة إلى تصريف
ماذا يعني في المنطق الاقتصادي أن توقف الحكومة - بقرار- عجلة الصناعة في قطاع مهم، ويؤدي قرارها من حيث النتيجة إلى ضرر للصناعة الوطنية أكبر بكثير من الفائدة التي رجتها للمستهلك؟
ماذا يعني أن يتم تجميد مليارات الليرات في المستودعات في المنطق الاقتصادي؟!
إن ثروة أي دولة هي ما تملكه الدولة والأفراد فيها، لذلك فإن أي ربح أو إنتاج من أي مؤسسة أو مواطن هو ناتج وطني وأي خسارة هي خسارة وطنية..
قد تبدو هذه المقدمة " عاطفية" ولكنها أتت على خلفية أننا لم نكن نتوقع أن نرى جبالاً من ( الكسبة العلفية) في مستودعات الصناعيين السوريين قيمتها- وبدون أي مبالغة - تقدر بمليارات الليرات في سوق أخذ حاجته وأغلقت في وجههم أبواب التصدير؟!!
بدأت القصة منذ أشهر عندما عرضت وزارة الزراعة في المجلس الأعلى للاستثمار - لسوء الحظ أن الطرح تم هناك لسبب نورده لاحقاً - مشكلة ندرة الأعلاف في السوق وتوقعات مؤسسة الأعلاف بحصول كارثة للثروة الحيوانية إذا لم يتم تأمين الأعلاف المطلوبة.
الحديث تركز يومها على الثروة الغنمية- وكنت حاضراً- ولكن القرار جاء آنذاك بمنع تصدير الكسبة العلفية بمختلف أنواعها - بما فيها كسبة الصويا - والمفارقة أنه لا توجد مشكلة أصلاً في توفر كسبة الصويا لأن إنتاج المصانع الوطنية تجاوز 800 ألف طن سنوياً، ناهيك عن أن الاستيراد مسموح لهذه المادة.
ومنذ صدور القرار وحتى الآن يحاول أصحاب مصانع الزيوت والكسبة الذين تضرروا من وقف التصدير إيضاح وجهة نظرهم دون جدوى، والمخازين تتراكم في مستودعاتهم إلى أن اضطر بعضهم إلى إيقاف العصر وإنتاج ( الزيت والكسبة) لعدم توفر أماكن للتخزين والاتجاه إلى الاستيراد (ترانزيت) لتلبية حاجة الأسواق المجاورة بدلاً من الإنتاج المحلي .
بعد جهود مضنية عقد الاجتماع في مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية لهذا الغرض حضره وزير الصناعة ومعاون وزير الزراعة ومعاون وزير الاقتصاد ومدير عام مؤسسة الأعلاف ورئيس اتحاد غرف الصناعة واتحاد مصنعي الزيوت وأصحاب مصانع الزيوت والأعلاف ومربو الدواجن.
وبعد نقاش مستفيض فنياً واقتصادياً خرج الاجتماع بمشروع قرار يسمح بتصدير كسبة الصويا وتم توقيع المحضر قبل انتهاء الاجتماع من قبل جميع الجهات ذات العلاقة .
تراءى للصناعيين أن المشكلة انتهت لكنهم سرعان ما تبدد أملهم لسبب " بسيط" بل " غريب" سببه على الأرجح الروتين والبيروقراطية التي لا تزال تحكم عمل هذه المؤسسات..
الأمر ببساطة إحالة المحضر من قبل رئيس مجلس الوزراء إلى المجلس الأعلى للاستثمار للنظر فيه لأن القرار صدر أصلاً عن المجلس المذكور؟!!!
القانون 8 نص على أن يجتمع المجلس الأعلى للاستثمار مرتين في العام، أو بدعوة من رئيسه، وقد عقدت الجلستان فعلاً في عام 2007 وربما لن تعقد جلسة قبل العام الجديد ؟!!
إنها معضلة حقاً، قرار لم يكن في محله بحق مصانع الزيوت يقرر الجميع أنه لا بد من التراجع عنه، ولا يمكن اتخاذه إلا تحت منصة المجلس الذي أصدره! باعتقادنا أن السيد رئيس مجلس الوزراء أو مجلس الوزراء في اجتماعه الأسبوعي يمكن أن يحل الموضوع ويتخذ القرار ويحل هذه المشكلة التي تعصف بإحدى أهم الصناعات وأكثرها تشغيلاً للاستثمارات ولليد العاملة .
إن تجميد مستودعات ومليارات الليرات خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني أولاً ولأصحاب المصانع ثانياً، وهم حالياً يعيشون كابوس الإجراءات التي يمكن أن تتخذها المصارف التي تمول أعمالهم لأن كل السيولة التي في أيديهم مجمدة في المستودعات.
في غضون ذلك ما زال الاستيراد مسموحاً لأسواقنا ويعبر أيضاً أراضينا إلى البلدان المجاورة.. ترانزيت !
ترى كم يخسر البلد "جمارك" وضرائب وفرص عمل من جراء هكذا قرار وما جدوى تأجيل التراجع عنه؟!
إن منع التصدير بجميع أشكاله بالنسبة للمواد المسموح استيرادها والتي لا تدعم في البلد خطوة خاطئة في الأساس، حتى منع تصدير الفروج والبيض لم يأت بالنتائج المطلوبة بل زادت الأسعار وأضرّ بالمنتجين. قد نتفهم منع تصدير كسبة القطن لأنها (مدعومة) ولكن ماذا يعني منع تصدير الصويا التي نستوردها كبذرة وتكون لها قيمة مضافة في البلد ونعيد تصديرها في وقت مازلنا نسمح باستيراد المنتج النهائي؟!!
أيمن قحف
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد