كيف ترنح الإعلام الأمريكي تحت وطأة حذاء الزيدي
يعاني الكثير من الأميركيين من سرطان العنصرية. و يغذي "الحب المتطرف للرب و للوطن" الشعور بالتفوق و الجدارة و الغطرسة كما و يلائم و يبارك جرائم الحرب الرهيبة التي ارتكبها القادة السياسيون باسمنا.
و ينطبق الأمر أيضا على تيار الإعلام الرئيسي و القادة الدينيين.و عوضا عن مواجهة الامبريالية التي تغذيها العنصرية و الكامنة في النسيج الأخلاقي و الديمقراطي لبلدنا ، فإنهم غالبا ما يعيدون تعريف هذا السرطان لتبرير و حماية مواقعهم كحراس و قسيسين للوضع الراهن.
الصحفي منتظر الزيدي الذي رمى حذاءه على الرئيس السابق بوش منحنا مثالا قويا عن الامبريالية التي يجلدها انتشار الحرية و الديمقراطية الأمر الذي لم يستطع بوش تفاديه. و بشكل فوتوغرافي عبر رامي الحذاء عن الشجب العالمي و الغضب تجاه "أميركا التي باركها الرب" هذا المرض الخداع الذي جسده بوش فعرض بذلك روح و أمن أميركا للخطر.
كان ذلك في كانون الأول الماضي في مؤتمر صحفي بالعراق.حين كان بوش يقوم بزيارته الأخيرة غير المعلنة للمنطقة الخضراء في بغداد، و هي فقاعة الديمقراطية التي صنعتها أميركا وسط المدينة ،و كان القصد من هذه الزيارة أن تكون لحظة تتويج للرئيس الذي أعلن الحرب ضد العراق الذي لم يكن يشكل أي خطر. و رغم خسارة أرواح ملايين العراقيين و عشرات الآلاف من الأميركيين و الدمار الذي خلفته جرائم الحرب التي ارتكبتها إدارته، فان بوش كان هناك للحصول على البراءة.و لكن عوضا عن الترحيب به بإكليل الحرب رمي حذاء إلى وجهه و إذا كان قد تفادى الحذاء فانه لن يتفادى تأثيره.لقد عبر الصحفي منتظر الزيدي عن مشاعر الأغلبية في العراق و العالم و أخيرا بعد زمن طويل تجرأ صحفي على قول الحقيقة في وجه السلطة حول جرائم الحرب الامبريالية التي ارتكبتها أميركا ضد العراق.
و في جلسة المحاكمة قال الصحفي الزيدي أن الحذاء يناسب تماما الرئيس السابق بوش.و علق بأن ابتسامة القائد الأميركي المفتقدة للحياة استفزته،و قال:" كنت أرى بوش و أشعر بدماء الأبرياء تجري تحت قدميه مع ابتسامه بهذه الطريقة . في هذه الدقيقة شعرت بأن هذا هو الإنسان الذي قتل امتنا ، القاتل الرئيسي. لقد كنت أعبر عن مشاعري الداخلية و عن تلك التي يحملها كل العراقيين من الشرق إلى الغرب و من الشمال إلى الجنوب و مشاعر الكره التي يشعرون بها تجاهه...لا أدري عن أي انجازات كان يتحدث . الانجازات التي أستطيع رؤيتها هي أكثر من مليون شهيد و بحر من الدماء .هناك أكثر من خمسة ملايين يتيم عراقي بسبب الاحتلال , أكثر من مليون أرملة و أكثر من ثلاثة ملايين مشرد"
الرئيس بوش ليس وحده من تفادى حذاء الزيدي فالكثيرون في التيار الإعلامي الرئيسي في أميركا تمايلوا و ترنحوا لينأوا بأنفسهم عن الموقف القوي الذي أطلقه واحد منهم.
فصحيفة واشنطن بوسطت لم تستطع أن تمنح صوتا لصرخة الغضب، إذ كتبت : "حكمت المحكمة على صحفي عراقي رمى حذاءه على الرئيس جورج دبليو بوش بالسجن ثلاث سنوات لهجومه على قائد أجنبي". و لكن القصة الحقيقية هي أن " القائد الأجنبي" قد هاجم بلد الصحفي العراقي بأسلحة الدمار الشامل.
و مع الاستمرار في لعب دورهم كحراس للوضع الحالي الراهن تحت السيطرة العنصرية الأميركية ، فان الكثيرين في التيار الإعلامي الرئيسي يتجنبون القصة الحقيقة حول ما إذا كان رمي الحذاء أمرا ملائما .و بينما ظهرت الكثير من القصص الإخبارية عن محاكمة الزيدي، فان قلة منها قد انتهزت الفرصة للحديث عن الفيل الجمهوري في المحكمة العراقية .
وعوضا عن التركيز على الشخص الرئيسي المسؤول عن قتل العراق، قامت ال"نيويورك تايمز"بتسفيه هذا التحدي التاريخي بمقالة تحت عنوان "طريقة جيدة لامتلاك قلوب الإناث في العراق: عبر حذاء"و تبدأ المقالة بالقول:"ما المطلوب لكي تقع امرأة عراقية في حب رجل ؟ في الحدائق و أماكن بيع الملابس و في أروقة الجامعات و كل النزهات لا تزال النساء العراقيات مفتونات برامي الحذاء منتظر الزيدي".المقالة عن ارتعاش القلوب لا عن توقفها أو حزنها أو سقوطها أو قسوتها.
في ABC تم تفادي الحديث عن القوة الأخلاقية وراء تصرف الزيدي حين تساءلت فيما إذا كان رمي الأحذية بالأمر الجديد و أجابت بإعطاء أمثلة تضم رئيس الوزراء الصيني "وين جيابو" الذي كان هدفا لإزعاج مماثل خلال زيارة لبريطانيا لأجل تحسين العلاقات التجارية بين البلدين ،ولم تتحدث المقالة بأن معظم الأوقات يقوم معظم الصحفيين المهمين في الصحافة الأميركية المطبوعة و الالكترونية بالجلوس في المؤتمرات الصحفية و يبقون منتعلين لأحذيتهم مع تكرار كذب الرئيس بوش على الأميركيين و استمراره بتبرير جرائم الحرب التي تقوم بها إدارته.
التيار الإعلامي الرئيسي تجنب أيضا الحديث عن الدمار الواقع في العراق ، ففي سلسلة عن العراق استمرت أسبوعا بمناسبة الذكرى السادسة لعملية تحرير العراق قال تقرير في الABC :" الأمور جيدة جدا :أسواق بلا قنابل ،همهمة دون أسلحة ، آيس كريم بعد العتمة.شوارع ممتلئة دون خوف " ثم تظهر صور لأجل إخفاء جرائم الحرب الأميركية مشاهد من مدينة "ولدت من جديد الأضواء السرعة الأزياء هذه هي بغداد اليوم، حيث حل سباق السيارات مكان تفجيرها و حيث استعادت المتاحف المنهوبة مقتنياتها و فتحت أبوابها من جديد و حيث النساء اللواتي كن يجبرن على تغطية رؤوسهن يستطعن الآن ارتداء ما يشتهين من الملابس"
ان الأمر لا يتعلق ب "نساء كن يجبرن على تغطية رؤوسهن" و لكن بقنابل الصدمة و الذعر الأميركية التي انهالت على رؤوس النساء و الأطفال و الرجال و المدارس و الجوامع و البنى التحتية ، انه لا يتعلق بالآيس كريم بعد العتمة و لكن بيتامى يخافون العتمة انه يتعلق بأمهات أرامل مجبرات على الاختيار بين إرسال أبنائهن للمدارس و الحصول على الرعاية الصحية و بين دفع فواتير الكهرباء و الماء.انه لا يتعلق بأسواق بلا قنابل و لكن بشحاذين في الأسواق .
إن نشر الحرية و الديمقراطية باسم الرب و الوطن هو الطريقة المتعبة و العنصرية حقا لدفع الأمهات و الآباء لتقديم أبنائهم و بناتهم على مذبح الامبريالية الأميركية .و كحال الإعلام المسيطر فان الكثير من القادة الدينيين الأميركيين الرئيسيين قد تفادوا الحديث عن ملائمة الحذاء.فالكثيرون يؤيدون الورقة الدينية التي لعب بها بوش عند المضي في جرائم إدارته و تبريرها.لقد البس نفسه ثوب الصلاة و التقى ليبرر غزوه غير الشرعي للعراق.ففي مؤتمر صحفي قبل بداية الحرب بأسبوعين قال:"أنا اصلي لأجل الإرشاد و الحكمة و القوة و السلام، الحرية ليست هدية أميركا للعالم بل هي هدية الرب لكل رجل و امرأة في العالم" . و كان يجب أن يطالب القادة السياسيون الأميركيون بمحاكمة بوش و تشيني و شركائهما في الجريمة لارتكابهم جرائم حرب باسم ربهم ووطنهم
إن مستقبل أميركا يكمن في إعلام حر ملتزم بمتابعة القصة الحقيقية . مستقبل أميركا لا يكمن في "يا رب بارك أميركا" و لكن في كون أميركا بركة لكل مواطنيها . المستقبل لا يكمن في كون أميركا أعظم أمة في العالم و لكن في عالم يكون أعظم مكان يعيش فيه الجميع.
حرروا الصحفي منتظر الزيدي و حاكموا الرئيس جورج بوش . اخلقوا اتحادا أكثر كمالا.
*بقلم القس و الدبلوماسي الأميركي ويليام اي. ألبيرتس يقوم بأبحاث و مقالات حول العنصرية و الحرب و السياسة و الدين.
ترجمة رنده القاسم
عن موقع Counter Punch
إضافة تعليق جديد