لبنان: ولادة قيصرية لبيان حكومة ... «الشقاق الوطني»
... وعلى عتبة الأسبوع الرابع على تأليفها، أبصر البيان الوزاري لحكومة الرئيس اللبناني فؤاد السنيورة، النور في اللجنة الوزارية، وانتقل منها الى مجلس الوزراء الذي دعي للاجتماع في القصر الجمهوري قبل ظهر يوم الاثنين المقبل، حيث من المتوقع أن تشهد الساعات الفاصلة عن هذا الموعد اتصالات سياسية مكثفة من أجل تبديد التحفظات المحدودة التي توجت بها لجنة الصياغة اجتماعها الرابع عشر والتي اقتصرت فعلياً على الوزيرين جبران باسيل ونسيب لحود، بما يمثل كل منهما في مجلس الوزراء، وتبعاً لما يحتاجه كلاهما من عدة انتخابية في الأشهر العشرة من عمر الحكومة.
وقد ساهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وخاصة بموقفه في احتفال عيد الجيش اللبناني الثالث والستين، في الفياضية، أمس، ومن خلال اتصالاته، في تسهيل التوافق على موضوع المقاومة في المقدمة السياسية للبيان الوزاري، بما في ذلك في انتفاء تحفظات البعض في اللحظات الأخيرة، فيما سجّل نسيب لحود في سجله أنه الوحيد الذي تحفظ لأنه كان يرغب بالإضافة لا بالنقصان!
ومن المقرر أن تعمد رئاسة الحكومة الى توزيع البيان الوزاري بصيغته النهائية، اليوم، على الوزراء، تمهيداً لإقراره في جلسة الاثنين، علماً أن حزبي الكتائب و»القوات اللبنانية« تمسكا بموقفهما المتحفظ على موضوع المقاومة الذي عبر عنه نسيب لحود، فيما اقتصر تحفظ جبران باسيل على المفقودين واللبنانيين الفارين الى إسرائيل وقضية التجنيس، بينما أزيلت التحفظات حول »باريس ٣«.
ولوحظ في الجلسة الأخيرة بروز تناغم واضح بين الوزيرين محمد فنيش ووائل أبو فاعور عندما أثيرت قضية اللبنانيين الفارين الى إسرائيل حيث رفض الثاني اقتراح الوزير باسيل حول موضوع تسهيل عودة العملاء الفارين وعائلاتهم، مشدداً على أن موضوع العائلات هو إنساني بامتياز أما موضوع العملاء فيجب إخضاعهم للمحاكمة من دون أي تدخل من جانب السلطة السياسية في المسار القضائي.
وبعد ١٤ جلسة من الأخذ والرد ومحاولات التحايل اللفظية الهادفة الى وضع المقاومة في مواجهة الدولة أو العكس، أو تأطير المقاومة بقواعد صارمة، ولد النص الذي لا يحتمل أي التباس ومفاده الآتي: »حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع (الكلمة الأخيرة أضافها رئيس الحكومة)، مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر المحتلة والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسك بحقه في مياهه (هنا طرح نسيب لحود ومحمد شطح إضافة عبارة »في كنف الدولة« ولم يؤخذ بها)، وذلك بكافة الوسائل المشروعة والمتاحة«.
وأكدت الحكومة التزامها بالقرار ١٧٠١ بمندرجاته كافة، كما أكدت »العمل على وضع استراتيجية وطنية شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه يُتفق عليها في الحوار الذي سيدعو اليه فخامة رئيس الجمهورية بمشاركة الجامعة العربية وذلك بعد نيل الحكومة الثقة في المجلس النيابي«.
وتنشر »السفير« في الصفحة الرابعة النص الحرفي للمسودة الأخيرة للمقدمة السياسية للبيان الوزاري، كما أقرتها اللجنة في اجتماعها، أمس، بالإضافة الى أبرز الفقرات المتعلقة بالبرنامج الاقتصادي وقضايا المفقودين والمعتقلين في سوريا والفارين الى إسرائيل الخ...
وقد نجحت اللجنة في إزالة التحفظات التي كان قد وضعها الوزير باسيل على برنامج »باريس ٣« وذلك بعد صياغة الفقرة المذكورة على الشكل الآتي:
»الالتزام بسياسة الإصلاح الاقتصادي التي تقدم بها لبنان الى مؤتمر دعم لبنان (باريس ٣) والعمل على تنفيذها على شكل برامج وسياسات وإصلاحات قطاعية، مع الأخذ بالاعتبار ما استجد من متغيرات اقتصادية ومالية محلية ودولية وما يقتضيه ذلك من تعديل المهل الزمنية التي التزم بها لبنان«.
وقد ارتكزت المقدمة السياسية على مضمون اتفاق الدوحة، وخاصة حظر اللجوء الى استخدام السلاح في الداخل، بالإضافة الى تأكيد الحكومة تمسكها بمبدأ وحدة ومرجعية الدولة في كل القضايا المتعلقة بالسياسة العامة للبلاد (طرحت في البداية عبارة »السياسة الدفاعية« وتم حذفها كونها تتعارض والحوار الذي سيرعاه رئيس الجمهورية حول الاستراتيجية الدفاعية)، بما يضمن الحفاظ على لبنان وصون سيادته الوطنية ناظماً لتوجهاتها وقرارتها والتزاماتها، وهو المبدأ الذي يحكم كل فقرات البيان الوزاري«.
وشددت الحكومة على أن الإعداد للانتخابات النيابية وتنظيمها في الربيع المقبل هو في طليعة مسؤولياتها وأنها تلتزم إجراء الانتخابات في موعدها وفق القانون الجديد الذي سيقره مجلس النواب تطبيقاً لاتفاق الدوحة.
وأكدت الحكومة »على التضامن العربي بعيداً عن سياسة المحاور، وأكدت أن اللبنانيين لا يرضون وصاية أحد عليهم ولا يقبلون أن يكونوا أدوات يستخدمها اللاعبون الإقليميون والدوليون في صراع النفوذ بينهم«.
وفي موضوع العلاقات مع سوريا، أكدت الحكومة »تطلعها لإرساء أفضل العلاقات مع الشقيقة سوريا على مداميك الاحترام المتبادل لسيادة البلدين
واستقلالهما والثقة والندية وعمق الروابط الأخوية، فلا يمكن أن تقوم علاقة سوية بين دولتين شقيقتين مستقلتين على العداء أو التبعية. لذلك ستعمل الحكومة على تنقية العلاقات اللبنانية السورية من الشوائب التي اعترتها والإفادة من تجارب الماضي والالتزام بتنفيذ مقررات هيئة الحوار في العام ٢٠٠٦ بالإضافة الى التأكيد على »ضرورة ترسيم تحديد الحدود اللبنانية السورية«.
وتبنت الحكومة قضية المفقودين والمعتقلين في سوريا، وأكدت احترامها للشرعية الدولية ولما اتفق عليه في هيئة الحوار الوطني لجهة الالتزام بالمحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وغيرها من عمليات الاغتيال لتبيان الحق وإحقاق العدالة وردع المجرمين بعيداً من الانتقام والتسييس.
وفي موضوع السلاح الفلسطيني، تعهدت الحكومة بأن تعمل على تنفيذ ما أجمعت عليه هيئة الحوار، وذلك بالعمل على إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بالتعاون مع الأطراف العربية المعنية، كما ستعمل الحكومة على معالجة قضية الأمن والسلاح داخل المخيمات بالتعاون مع ممثلي القوى الفلسطينية مع تشديدها على مسؤولياتها والتزامها حماية المخيمات الفلسطينية من أي اعتداء بما يحفظ حقوق اللبنانيين والفلسطينيين«.
وفور الإعلان عن انتهاء عمل لجنة البيان، نقل زوار رئيس الجمهورية عنه ارتياحه لما تم التوصل اليه، وأن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة عمل للاستفادة من الفرصة السياسية والاقتصادية، وتوقع انعقاد القمة اللبنانية السورية الثلاثاء أو الأربعاء، غداة إقرار البيان الوزاري في مجلس الوزراء، على أن يلتئم مجلس النواب الجمعة عصراً لمناقشة البيان، في ظل توقعات بأن تنال الحكومة الثقة مطلع الأسبوع التالي، ومن ثم يبدأ العد العكسي لانعقاد طاولة الحوار في ظل مخاوف من تداعيات تتعلق بطبيعة المدعوين اليها خاصة في ظل ميل لدى المعارضة لتوسيع بيكار المدعوين بعدما انتقل الحوار الى القصر الجمهوري.
الى ذلك، أطل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، عبر احتفال عيد الجيش الثالث والستين، في ثكنة الفياضية، بحضور الرئيسين بري والسنيورة للقول »إنّ كل الوسائل متاحة ومشروعة لتحقيق هدف تحرير ما تبقى من ارض محتلة في مزارع شبعا وكفرشوبا«، وخاطب العسكريين بالقول »إن سلاحكم يجب أن يعانق السلاح الموجه الى صدر العدو الذي سبق له وانهزم على أيديكم وأيدي المقاومة. كذلك يجب ان يوجّه الى صدر الإرهاب المتربّص بلبنان شراً، والى صدر الفتنة التي إذا ما اشتعلت، لا سمح الله، ستحرق الأرض ومن عليها«.
أضاف »أنا أعلم أنّ أصعب ما يعترضكم هو استعمال السلاح ضد أهلكم الذين يتبادلون إطلاق النار. ولكن أليس من الواجب التصدّي لمن يطلق النار على أخيه في الوطن؟ لذلك أدعوكم، في ظلّ التوافق السياسي السائد اليوم، الى ان لا تترددوا في قمع المخلين، مهما كانت انتماءاتهم ومبرراتهم لكي لا تعمّ الفتنة.
وبعد انتهاء الاحتفال انتقل الرئيس سليمان الى القصر الجمهوري، حيث وافاه بعد دقائق الرئيس بري، والتقاه لمدة ثلث ساعة تقريباً.
ونقل زوار بري عنه ليلاً ارتياحه لإقرار البيان الوزاري، وقال »أصبح في الإمكان القول إن لبنان دخل في مرحلة سياسية جديدة«، داعياً الجميع الى عدم تفويت الفرصة المتاحة أمام بلدهم.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد