لم أستطع إنقاذ طفل واحد من غزة
عندما كنت صغيرة اعتادت أمي البكاء قائلة:"لم استطع إنقاذ طفل واحد يهودي"
و الآن أنا أمي و أقول:" لم استطع إنقاذ طفل واحد في غزة".
لم استطع إنقاذ أولئك الذين كانوا في الشرانق الخضراء ممدين صفا اثر صف محاطين بحشد من الرجال الحزينين . لم استطع مواساة الآباء الذين كانوا يثبون في أماكنهم صارخين من الحرقة و أولادهم الموتى أمامهم على الأرض.
لم أستطع تهدئة الأم التي كانت عيناها كسيرتين بيضاوين من الرعب تحدقان من الصورة إلى ما ورائي ، ولا استطعت إنقاذ الصغير الذي إلى جانبها بوجهه الدامي المكدوم و لا شقيقه الأكبر فهما كانا الوحيدين اللذين بقيا من أولادها الستة. لا أستطيع أن أقول :"" تعالي ، لدينا مكان كبير و مريح مع سرير لك و للأطفال و حمام و الكثير من الطعام .سوف نأخذكم و نحميكم". لم استطع أن أرحب بهم في بيتنا المفعم بالهدوء و بضوء الشمس حيث الشجيرات الجميلة و الثلاجة المتخمة بالطعام و الحمامات الجاهزة لاستقبالهم مع مياه دافئة تنهمر لتريح أجسادهم المسحوقة التعبة.
لم أستطع إنقاذ طفل واحد من غزة.
و لا أولئك الذين رأيتهم على محطة الجزيرة موتى برؤوس كلها دماء ممدين تحت بطانيات على أرض مدمرة .و لا الصغيرة بضمادتين ملطختين بالدماء أو ربما ثلاث تغطي جمجمتها و وجهها الدامي فلا يبقى لي ما أراه سوى شفاهها المسحوقة و جزء من عين واحدة مطفأة و يائسة و شقيقتها الأكبر القليلة الحيلة ،التي بالتأكيد لا تتجاوز الرابعة، الى جانبها . لم أستطع أن آخذها و أعيدها إلى الحياة الطبيعية فأضمها و أغني لها .أضعها إلى البيانو و أطلب منها الاستماع إلى الأوتار حين تمر أصابعي فوقها ، و أراقب وجهها حين يضيء فرحا و هي تستكشف قطتي ، فأضمها و أضمها و أضمها........
لم أستطع إنقاذ الفتاة الصغيرة التي ربما في الخامسة إذ قالت بأن الجندي وقف و نظر إليها و أطلق النار على يدها و ثم على ظهرها حين استدارت لتركض إلى حيث أمها :" رصاصة اخترقت ظهري و عبرت معدتي"هل يستطيع الأطباء في مشفى جعله الحصار مفتقدا للمعدات و الدواء ، مشفى ينبغي على المرضى فيه التشارك بالأسرة، مشفى حيث الأرض مغطاة بالجرحى و برك الدماء حولهم ، هل يستطيع الأطباء العمل بالسرعة اللازمة مع فوضى العائلات المذعورة المتدفقة من شوارع غزة المذعورة ، هل يستطيع الأطباء الذين يعملون بالسرعة التي يستطيعونها في هذه الأرض القاحلة أن ينقذوها؟؟؟
لم أستطع إنقاذ المولود الجديد محمد و الأجهزة على صدره و الكمامة تغطي وجهه الصغير ، لقد ولد وسط الرعب الذي يهز الأرض و يصم الآذان ، رعب القنابل المتساقطة من طائرات ف16 ، لقد ولد للحياة من الجحيم ، حيث دخان القذائف و القنابل المتفجرة يخمد أصوات أطفال و نساء و رجال آخرين يهربون بلا حيلة قبل أن يستخدم "البهيموت" "أذرعه الطاهرة" لسحق الفلسطينيين " الصراصير ذوي الساقين" الذين قالت عنهم "غولدا مائير":" لايوجد فلسطينيون" و عنهم كتب مستوطنو "هيبرو" عبارات على الحائط مثل:" العرب إلى غرف الغاز" . و عن أهميتهم قال الحاخام:" عربي واحد لا يعادل أظافر مليون يهودي"و قال " أفيغدور ليبرمان": " ألقوا القنبلة الذرية عليهم كما فعلت أميركا مع اليابان"
لم أستطع رفع المراهقة ذات الشعر الداكن و البشرة الداكنة من الحمالة و هزها بين ذراعي قائلة:" اهدئي يا عزيزتي سيصبح الحال جيدا" لأنه لن يصبح جيدا . لقد ماتت بوجه متجه نحو الأرض و اليأس يغطي جسدها بينما أنا أراقب صورتها على الكمبيوتر.
لن يصبح الحال جيدا
لن يصبح الحال جيدا
لن يصبح الحال جيدا. أنا أمي ، و الآن هو عام 1942 ثانية ، في غيتو وارسو ، الأمر مختلف يجب أن اعترف، يجب أن اعترف بأنهم لم يكونوا يقتلون الجميع بل فقط بعضا منهم، فقط 400 ،فقط 600، فقط 800، فقط 1000. متى أضحت الأضرار الملازمة حقدا مبيتا؟متى ترجم الحقد إلى موت؟ متى أضحى الموت مذبحة؟ متى تحولت المذبحة إلى محرقة؟
لم أستطع إنقاذ طفل واحد في غزة ، أنا الآن أمي ، و ها نحن نبكي سويا.
• البهيموت في التورات يقصد به مخلوق هائل جدا
• الكاتبة هي " ايلين كانتارو" و هي يهودية مقيمة في بوسطن تكتب عن الضفة الغربية و إسرائيل منذ عام 1979 و هي مغنية و عازفة بيانو و مدرسة.
ترجمة رنده القاسم
Counter Punch
إضافة تعليق جديد