ليبرمان يـزور الغجـر المرشـحة للتقسـيم
من المقرر أن يعرض وزير الخارجية الاسرائيلية أفيغدور ليبرمان في الأسابيع القريبة، على المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، خطة جديدة لمعالجة مشكلة قرية الغجر على المثلث الحدودي بين لبنان وسوريا وفلسطين، تهدف كما يبدو الى الضغط على سوريا من أجل ترسيم الحدود مع لبنان في منطقة مزارع شبعا.
وأشارت الصحف الإسرائيلية إلى أنه خلافاً للمقترحات التي تمّ التداول فيها منذ حرب لبنان الثانية وحتى اليوم، لبلورة صيغة مؤقتة لحل المشكلة، يقترح ليبرمان، الذي زار القرية امس، حلاً دائماً يتمثل في إقامة سياج حدودي داخل القرية على الخط الأزرق. ويسمح اقتراح ليبرمان للمقيمين في الشطر الشمالي من القرية الانتقال للقسم الجنوبي، وتخلي من يبقى في الشطر الشمالي عن جنسيته الإسرائيلية.
وكانت الحلول التي تم التداول فيها بين إسرائيل ولبنان عبر الأمم المتحدة، تركز على وحدة أراضي القرية ومحاولة تجنب تشطيرها إلى قسمين، لبناني وإسرائيلي. واقترح قائد القوات الدولية في الجنوب كلاوديو غراتسيانو، أن تتحمل قواته بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية، مسؤولية الأمن في الشطر الشمالي، وبما يحول دون أي سيطرة فعلية لبنانية على هذا الشطر، إلى أن تجد مسألة هضبة الجولان المحتلة حلاً نهائياً لها.
وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن اقتراح ليبرمان ينطوي على أبعاد خطيرة بالنسبة لسكان الشطر الشمالي من القرية، حيث عليهم إما الانتقال الى الشطر الجنوبي وفقدان أراضيهم وبيوتهم، أو البقاء وفقدان صلتهم بأهلهم في الشطر الجنوبي. ويريد ليبرمان تقسيم القرية بسكانها وقطع علاقة
إسرائيل بالشطر الشمالي. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن جميع سكان القرية يحملون حالياً الجنسية الإسرائيلية، وهم في الأصل يحملون الجنسية السورية، مما يخلق وضعاً غريباً لمن يريد البقاء في الشطر الشمالي. وكانت إسرائيل قد ضمت الغجر رسمياً إلى أراضيها بعد إقرار قانون ضمّ هضبة الجولان السورية المحتلة في العام 1981.
وقد بلور ليبرمان خطته الجديدة بشأن الغجر بعدما كلف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وزارة الخارجية ببلورة رأي مهني بشأن الغجر ومزارع شبعا المحتلة، وأيضاً بشأن احتمال استئناف أعمال لجنة الهدنة اللبنانية ـ الإسرائيلية. وشددت «هآرتس» على أنه ليس معلوماً حتى الآن موقف نتنياهو من خطة ليبرمان الجديدة.
ورغم احتمالات تقبل العديد من المسؤولين اليمينيين في إسرائيل خطة ليبرمان التي تسد «ثغرة أمنية» مفتوحة على الحدود مع لبنان من ناحية، وقد تفتح الباب لإخراج عدد من السكان العرب من التعداد السكاني، إلا أن عوائق قانونية جمة تعترض الخطة. وعلى الأقل، فإن إقرار الخطة يتطلب إقرار قانون في الكنيست يتعلق بـ«الإخلاء والتعويض» كالذي سهل عملية الفصل في قطاع غزة. كما أن دعوى سكان القرية ضد أي قرار حكومي بشأن وحدة قريتهم، قد تكون مقبولة في المحكمة العليا الإسرائيلية، وقد تضع علامة استفهام على قانون ضم هضبة الجولان أصلاً.
ونقلت المراسلة السياسية لصحيفة «معاريف» عن مصادر سياسية إسرائيلية، تقديرها بأن ليبرمان ونتنياهو ينويان التوصية قريباً أمام المجلس الوزاري المصغر بالانسحاب التام من الشطر الشمالي من قرية الغجر. غير أن هذه المصادر تستبعد قبول خطة ليبرمان، وتعتقد أن خطة الأمم المتحدة للسيطرة الأمنية على الشطر الشمالي قد تكون أكثر قبولاً. فخطة الأمم المتحدة تسمح لإسرائيل بأن تطالب بتدابير أمنية مشددة في الشطر الشمالي، بينها منع دخول مدنيين لبنانيين الى المنطقة.
وشددت «معاريف» على أن الولايات المتحدة تضغط منذ انتهاء حرب لبنان الثانية على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها بالانسحاب من الشطر الشمالي من الغجر. وكان رئيس الحكومة السابق إيهود اولمرت قد تعهد للأميركيين بهذا الانسحاب. وأشارت مصادر سياسية إسرائيلية أخرى إلى أنه بعد خسارة «حزب الله» في الانتخابات النيابية، صار بالوسع التقدم في موضوع الغجر وفي موضوع مزارع شبعا.
ورغم أن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية يوسي غال سيعرض على وزير الخارجية، التوصية بضرورة الانسحاب من الشطر الشمالي في الغجر، إلا أن أوساطاً في إسرائيل تطالب بإعادة النظر في خرائط الأمم المتحدة بشأن هذه القرية. وأبلغ مصدر رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية الإذاعة العبرية، بأن دراسة أعدها مركز الخرائط الإسرائيلي قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، تظهر أن خرائط الأمم المتحدة التي استخدمت في ترسيم الخط الأزرق، كانت قديمة وتنطوي على أخطاء سمحت بمرور خط الحدود داخل القرية.
وأشار موقع صحيفة «يديعوت احرونوت» إلى أن الدراسة حول وجوب تسليم القوات الدولية الشطر الشمالي من الغجر، أعدت في المؤسسة الأمنية، وسلمت الى ليبرمان. وألمح إلى أن تسليم هذا الشطر للأمم المتحدة، يسجل في خانة بوادر حسن النية الإسرائيلية على الصعيد الإقليمي، وبوساطة أميركية.
وتفحص إسرائيل في هذه الأيام مع الأمم المتحدة فرص الرقابة الأمنية على المعبر بين شطري الغجر ومدى قدرة القوات الدولية على منع دخول أفراد من «حزب الله» إلى تلك المنطقة، فضلاً عن الجوانب القانونية لتواجد «إسرائيليين» في «أرض معادية». وتحاول إسرائيل عبر قرية الغجر تحريك الضغط على سوريا للقبول بترسيم الحدود مع لبنان في مزارع شبعا.
وكان ليبرمان قد وصل، يوم أمس، إلى قرية الغجر في سلوك استفزازي يعيده إلى طابع سلوكه القديم. وقد رفض في نقاش مع سكان القرية حقيقة أنهم سكان أرض محتلة. وقال لهم «لم تقم إسرائيل باحتلالكم، بل قامت بتحريركم». ورافق ليبرمان في زيارته للقرية كل من نائبه في وزارة الخارجية داني إيالون، وقائد الجبهة الشمالية الجنرال غادي آيزنكوت.
وقال سكرتير المجلس المحلي في الغجر نجيب الخطيب لليبرمان «لقد احتلت إسرائيل بلدتنا في العام 1967 من أيدي السوريين». فقاطعه ليبرمان قائلاً «لم يتم احتلالكم، تم تحريركم»، وهو ما أثار سخرية سكان القرية الحاضرين. وأضاف الخطيب أن «الأمر بالنسبة إلينا مسألة حياة أو موت. هذه حرب على وجودنا. لن نسمح بتقسيم القرية ولن نسمح للقوات الدولية بالدخول إلى هنا». وشدد الخطيب على أن «هذه القرية هي بالإجمال أرض سورية وليست لبنانية. لا صلة لنا بلبنان. وإذا ما سيتم نقل القرية لأحد، فإن ذلك فقط عبر مفاوضات بين سوريا وإسرائيل». وقال إنه طــلب من ليبـرمان الإبقاء على الوضع القائم.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد