مجزرة «أولو ديري» تحاصر أردوغان وغول: الخطـأ القاتل المستمر منذ قرن
تتواصل تفاعلات مجزرة أولو ديري التي ذهب ضحيتها 35 شابا كرديا مدنيا نتيجة قصف طائرات حربية تركية الخميس الماضي. ومع وضع المدعي العام يده على القضية، وطلبه ما بحوزة رئاسة الأركان من تسجيلات مرئية مباشرة للحادثة، تدخل القضية مرحلة جديدة يتخوف قادة الأكراد من أن تكون محاولة للفلفة القضية وتبرئة حكومة حزب العدالة من مسؤوليتها، كونها هي التي تطلق العملية العسكرية وليس الجيش بحد ذاته.
وبرزت الزيارة التي قام بها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو إلى منطقة اولو ديري حيث حدثت المجزرة، وقام بزيارة منازل عائلات القتلى وقدم تعازيه في اتصال أول عالي المستوى بين الأكراد وحزب المعارضة الرئيسي. وقد رحّب الأهالي بكيليتشدار اوغلو، وكان في استقباله النائب عن حزب السلام والديموقراطية حسيب قبلان.
في المقابل تعرض قائمقام اولو ديري نايف ياووز لدى قدومه لتعزية أهالي القتلى الأكراد للرشق بالحجارة والضرب بالعصي واللكم بالقبضات من جانب الغاضبين من السكان، ونجا من مصير أكثر خطورة ما استدعى نقله إلى المستشفى لمعالجته من الجروح التي أصيب بها.
وفي هذا السياق أطلق النائب الكردي أحمد تورك مواقف تؤكد خطورة المرحلة التي تمر تركيا فيها. واتهم وزير الداخلية إدريس نعيم شاهين بأنه لا يستحق أن يكون مجرد مختار فكيف بوزير، لكنه رفض تحميله منفردا أية مسؤولية، معتبرا أن الجميع شركاء في المجزرة وفي التحريض ضد الأكراد.
ووصف تورك حادثة أولو ديري بأنها «مجزرة». وقال «إنها مأساة كبيرة ألا تجد أُمّ جسدَ ابنها الذي تقطع أشلاء، وألا تعرف لمن تعود هذه الأشلاء، إلا من خلال ما تبقى من فردة حذاء هنا وأخرى هناك». وقال ان «تركيا تعود الى مرحلة العام 1993 وهذه لعبة خطيرة تغرق الشعب في اليأس».
ووصف تورك التحقيق بالمجزرة بأنه «لعبة من السلطة» لتخفيف ردود الفعل والقول انها لم تقف ساكتة. وقال «لن تخرج أية نتيجة من هذا التحقيق الذي هدفه ليس كشف المسؤولين بل تبرئة الدولة».
وفي تعليقات الصحافة على مجزرة أولو ديري لفتت مقالة لمراسل صحيفة «يني شفق» المؤيدة لحزب العدالة والتنمية، علي عاقل، الذي انتقد فيها بشدة سياسة السلطة تجاه الأكراد، وقد عنون مقالته بـ«نعم يوجد خطأ لكنه خطأ مستمر منذ قرن».
وقال عاقل إن «تصريحات المسؤولين كلها كانت مصيبة، ولعل بيان رئاسة الأركان كان من الأفضل ألا يصدر». وأضاف إن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية (حسين تشيليك) تحدث أولا عن انه إذا كان يوجد خطأ فيجب القيام باللازم، وبعده جاء بيان رئاسة الأركان وبعدهما فقط كان بإمكان رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان ورئيس الجمهورية عبد الله غول أن يدليا برأيهما.
ويقول عاقل «إنهم يتحدثون عن خطأ. نعم يوجد خطأ لكنه ليس ابن أمس ولا أول أمس بل هو مستمر منذ حوالى قرن». وأضاف «انه خطأ كبير وقاتل يسفك دم الشبان الأكراد والأتراك. كل شيء بدأ بالإنكار والرفض. كان كل من يعيش على هذه الأرض تركياً. كان مجبرا على أن يكون تركيا. إما ان تكون تركيا أو لا تكون. أما العنصر الآخر من النظام الذي تأسس على الإنكار والرفض فكان التذويب».
وتابع عاقل ان البعض من المسؤولين كانوا قد اقترحوا «فلنشقّ للأكراد بعض الطرق ونفتح لهم بعض المدارس». وكان الجواب «اذا لم نستطع أن نحل المشكلات مع الكردي بالجهل فكيف نحلها بالقراءة».
ويقول عاقل «إن العصيانات الكردية ضد خطأ النظام تم التعامل معها كلها بالتنكيل والتأديب. وبقدر العصيانات كانت التنكيلات». وتساءل «كم من القرى الكردية قد أحرقت وكم من الشبان الأكراد قد قتلوا. ألا يرى اردوغان خطأ النظام هذا؟ ولماذا كل هذا العدد من الشبان الأكراد في الجبال (تعبير عن لجوء الشبان إلى حمل السلاح والالتحاق بمنظمة حزب العمال الكردستاني في الجبال)؟ ولماذا لا يعرف الشبان الأقل من 16 عاما سوى طرق الجبال؟. إن حزب العمال الكردستاني موجود منذ 30 عاما وعدد مقاتليه لا يتناقص. فهل اردوغان وغول وسائر المسؤولين عمي وطرشان أمام ما يعرض على الشاشات؟ ولماذا لا ترون الآلام التي يسببها هذا النظام؟ لقد أريد لهؤلاء الناس أن تُنكر هويتهم وترفض وتذوّب فلم يقبلوا ولن يقبلوا. كل العصيانات من الشيخ سعيد إلى ديرسيم الى آغري كانت نتيجة لهذا النظام. اتهموهم بالإرهاب والانفصالية وبالعمالة لقوى خارجية. لم يكتف النظام بممارسة الإرهاب ضدهم. أخرجهم من إنسانيتهم وحولهم إلى حيوانات».
وقال عاقل «إن حسين تشيليك قال انه إذا كان من خطأ فيجب القيام بما يلزم. لا يا تشيليك إن الخطأ موجود منذ قرن بكامله. وقال اردوغان: ان الدولة لا تتقصد قصف شعبها. هذا كان ممكنا من قبل أما في عهدنا فالدولة لا تقصف شعبها. لكن هذا النظام الذي تقف على رأسه وقلت انك ستغيره لم يتغير قيد أنملة وهو الذي لا يزال يحصد آلاف الشبان».
وتابع عاقل «إن حكومة حزب العدالة والتنمية ارتكبت خطأ كبيرا باتباع إستراتيجية خاطئة، وهي أنها ستربّي أولا حزب العمال الكردستاني وتلقنه درسا وتضعفه ومن ثم تبادر إلى خطوات انفتاح»، موضحا «إن اردوغان كان رئيس الحكومة الذي أعطى الأمل للأكراد كما لم يعطه أي رئيس حكومة سابق لكنه لم يتحمل مسؤوليته مرة واحدة، وكان يأس الأكراد منه اكبر من يأسهم من أي رئيس حكومة سابق. لقد أعطى الأكراد ثقتهم لأردوغان وحضنوه كما لم يحضنوا أي رئيس حكومة آخر. لكن اردوغان الذي احتضن الشوارع العربية لم يستطع أن يحتضن الشوارع الكردية».
وأنهى عاقل مقالته الاستثنائية بالقول «في بلد يعيش فيه الناس أحرارا، ويسقط فيه 35 شابا بقصف جوي، لا يمكن أن يبقى فيه المسؤول عن ذلك ليس يوما واحدا بل ساعة واحدة في موقعه. وتركيا ستكون في يوم ما بلدا يعيش الناس فيها أحرارا».
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد