مداولات حثيثة لإسقاط الخطوة الفلسطينية: احتواؤها في الأدراج لتجنب اسـتخدام الفيـتو
قبل أيام قليلة من عرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلبه الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 على الأمين العام للأمم المتحدة، يدور صراع دبلوماسي هائل ومتناقض في نيويورك. فمن ناحية تحاول الإدارة الأميركية منع الفلسطينيين من بلوغ غايتهم وهي نيل الاعتراف الدولي لأنها ترى هذه الخطوة فعلاً من جانب واحد وتحاول بالمقابل ألا تظهر بمظهر من منع هذه الخطوة بفظاظة. ولهذا السبب فإنها تسعى لتشكيل كتلة مانعة في مجلس الأمن الدولي تحول دون حصول الفلسطينيين على الأصوات التسعة التي تحقق القرار.
ومن البديهي أن الغرض الأميركي من الكتلة المانعة هو عدم الاضطرار لاستخدام حق النقض (الفيتو) رغم إعلان الرئيس الأميركي أنه اتخذ القرار باللجوء لهذا الخيار إذا لم يكن هناك بديل آخر لوقف الخطوة الفلسطينية. ومن الجلي أن الفلسطينيين يمتلكون الآن في مجلس الأمن تأييد ثماني دول بينها الصين وروسيا ولبنان وتقف ضدهم ثلاث دول بينها أميركا وكولومبيا. ويجري الصراع حالياً على الدول الباقية حيث يبدو التردّد والانقسام بين دول الاتحاد الأوروبي وحيث تحاول أميركا إغراء دولة الغابون بالأموال لنيل صوتها ضد الإعلان الفلسطيني. وهناك من يعتقد أن الإدارة الأميركية في نهاية المطاف سوف تنال صوت كل من بريطانيا وفرنسا ولكن يتعذر عليها حتى الآن نيل صوت البرتغال.
وحتى اللحظة الأخيرة لا يبدو أن بوسع الإدارة الأميركية ضمان تشكيل كتلة مانعة مثلما لا يبدو أن بوسع السلطة الفلسطينية الإعلان عن أنها تضمن القرار في مجلس الأمن أو أنها تستطيع إجبار أميركا على استخدام حق النقض (الفيتو). وفي هذه الأثناء تجري مداولات مكثفة يتوقع أن تتواصل حتى يوم الجمعة المقبل، موعد تسليم الطلب الفلسطيني، لإيجاد مخرج. ويلعب الاتحاد الأوروبي دوراً بارزاً على هذا الصعيد.
ويصرّ الاتحاد الأوروبي، حتى الآن، على أنه بالوسع إيجاد المخرج عبر خريطة طريق واضحة تقود إلى دولة فلسطينية عبر مفاوضات تستمرّ فقط نصف عام. ويطالب الاتحاد الأوروبي إسرائيل بالتراجع عن شرط اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية. وهذا ما يرفضه الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يقول إن حشر المفاوضات في نصف عام أمر غير ممكن عملياً ولن يقود إلى النتيجة المرجوة، كما أنه يؤيد إسرائيل في موقفها من اشتراط الاعتراف بيهودية الدولة.
وتعتبر هذه المداولات استمراراً للنقاشات التي سبقت الوصول إلى الأمم المتحدة والتي كانت بشكل بارز بقيادة كل من دينيس روس وطوني بلير. وقد حاول روس طوال الوقت تمرير اقتراحات إسرائيلية وكأنها اقتراحات أميركية على الرئيس الفلسطيني في رام الله. وعندما عجز عن ذلك حاول تمرير بعض الاقتراحات عبر طوني بلير الذي يصفه الفلسطينيون بأنه «صبي الأميركيين» في الرباعية. وقد سبق للدكتور نبيل شعث أن كشف النقاب عن أن مواقف روس والإدارة الأميركية هي ما دفع الرئيس عباس إلى التصلب في موقفه والإصرار على خطوة الأمم المتحدة. وأشيع أن أبو مازن في آخر استقبال له للمبعوثين الأميركيين دأب على تحية المسؤولين الأميركيين بالإنكليزية إلا عندما كان يصل إلى دينيس روس حيث صار يحييه باللغة العبرية بعبارة «شالوم» ليوحي له أنه يعتبره جزءاً من الطاقم الإسرائيلي.
وفي كل حال فإن مصادر إسرائيلية كررت في اليومين الأخيرين أنباء عن صيغ يجري التداول فيها حول ما يمكن أن يحدث في الأمم المتحدة. وبين هذه الصيغ «تجميد» الخطوة الفلسطينية عبر احتوائها في الأدراج بعد تسلّم الأمين العام للأمم المتحدة للطلب. إذ بعد ذلك تنقل الرسالة لرئيس مجلس الأمن وتتشكل لجنة لدراسة الطلب والبحث في آلية مناقشته وإقراره. وبحسب ما أذيع فإن الولايات المتحدة تريد المماطلة في مجلس الأمن لمنع وصول الأمر إلى درجة الإقرار أو الرفض حتى لا يتوجه الفلسطينيون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي هذه الأثناء يتم الاتفاق على إعلان يقضي بالعودة إلى طاولة المفاوضات على أساس مبادئ خطاب أوباما وهو أمر لا يرفضه الطاقم الفلسطيني، ولكنه يشترط مرجعية وجدولاً زمنياً والتزاماً بآلية بحث. وكان أبو مازن قد وافق على العودة إلى طاولة المفاوضات شرط أن يعرض نتنياهو في أول جلسة خريطة حدود الدولة الفلسـطينية كما يتصوّرها.
وبحسب ما هو شائع في إسرائيل فإن نتنياهو يرفض مطلقاً العودة إلى طاولة المفاوضات على قاعدة إعداد خريطة حدودية مهما كانت لأن من شأن مناقشته لهذا الأمر إحداث أزمة ائتلافية قد تسقط حكومته.
وفي كل الأحوال ورغم الصراخ في إسرائيل حول الإجراءات العقابية التي يمكن أن تتم ضد السلطة الفلسطينية فإن التخوف من اليوم التالي دفع الأميركيين لمطالبة نتنياهو وحكومته بالتزام الصمت إزاء ذلك وعدم اتخاذ أية إجراءات عقابية لا مالية ولا اقتصادية ولا حتى أمنية. وبرأي الأميركيين فإن من شأن أية خطوات كهذه أن تزعزع استقرار السلطة وتخلق وضعاً جديداً في المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك والوزير دان مريدور يعارضان فرض أية عقوبات حادة على السلطة الفلسطينية. ويحذر الوزيران من أن الأمر من شأنه ان يؤدي الى التدهور نحو العنف الذي في إطاره يوقف الفلسطينيون التنسيق الأمني مع اسرائيل، وفي سيناريو معين أيضاً الى الانهيار الشامل للسلطة الفلسطينية بحيث ان اسرائيل تأخذ المسؤولية عن حياة السكان في الضفة. وهذا خلافاً لرأي وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي هدّد مؤخراً وطالب بقطع كل أشكال العلاقة مع السلطة إذا قدمت طلبها للأمم المتحدة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد