مرسي يدعم القمع ووزير الثقافة يستقيل احتجاجاً على القمع و«الأخونة»
وضع الرئيس المصري محمد مرسي، أمس، النقاط على الحروف بشأن مصير وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، عندما أكد أنه باق في منصبه، برغم القمع المفرط الذي استخدم ضد المتظاهرين المعارضين لحكم «الإخوان»، والذي تبدّى خلال اليومين الماضيين بسحل مواطن وتعريته أمام قصر الاتحادية، واستشهاد متظاهرين معارضين لم تسلم جنازتهما أمس من الاستهداف الأمني.
وخلال اجتماعه بأعضاء المجلس الأعلى للشرطة المصرية، أشاد مرسي بأداء وزارة الداخلية في النشاط الذي بذلته مؤخرا في قمع الاحتجاجات والتظاهرات التي اندلعت في عدد من محافظات مصر.
ورفض مرسي الحديث عمّا سُمّي في الفترة الأخيرة بـ«تطهير مؤسسة الشرطة»، مؤكداً أن رجال الأمن أثبتوا جدارة في تعاملهم مع الأحداث.
كما رفض الاتهامات الموجهة إلى قيادات الشرطة من قبل البعض، والمطالبات بمحاكمة عادلة للضباط المتهمين بقتل وتعذيب المتظاهرين في الذكرى الثانية للثورة، داعياً إياهم إلى عدم الالتفات لتلك الدعوات التي «من شأنها إسقاط البلاد وإدخالها في دائرة العنف».
واعتبر مرسي أن من حق الشرطة الدفاع عن الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة بكل السبل المتاحة، مطالبا الأجهزة الأمنية بأن تضرب بيد من حديد ضد من وصفهم بالمشاغبين والمخربين، مشيراً إلى ان قانون التظاهر الذي أقرّه مجلس الشورى سيمكّن رجال الأمن من التعامل بحزم أكثر مع المحتجين.
وخلاصة كلام مرسي أن ثمة ضوءاً أخضر قد منح لرجال الأمن باستخدام القوة ـ أيا كان نوعها ـ في التعامل مع المتظاهرين وفض الاحتجاجات.
وفاجأ مرسي الحاضرين بإعلان رفضه القاطع للأصوات المطالبة بإقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم ومحاكمته.
وخلال اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات، تحدّث الرئيس المصري عن الانفلات الأمني، وأثنى على شهداء الشرطة، واعداً الضباط بزيادة تسليحهم لمواجهة الخارجين على القانون... وختم كلامه قائلا: «انسوا إللي فات»، في إشارة منه إلى تاريخ المواجهات العنيفة التي وقعت بين جماعة «الإخوان المسلمين» وأجهزة إبان سنوات حكم مبارك.
وبالتزامن مع هذا اللقاء كان ميدان التحرير على موعد مع تشييع اثنين من شباب الثورة لقيا حتفهما في أحداث الاتحادية يوم الجمعة الماضي هما محمد الجندي وعمرو سعد، وكلاهما من أعضاء «التيار الشعبي» المعارض.
ودوّت الهتافات المناهضة لمرسي و«الإخوان» في أرجاء ميدان التحرير، ومن بينها «سامع أم شهيد بتنادي.. محمد مرسي قتل ولادي».
اللافت أثناء الجنازة أن سيدة أمسكت بحذاء وأخذت تعاقب نفسها بسبب انتخابها مرسي.
وأثناء مرور الجنازة على كورنيش النيل بالقرب من السفارة البريطانية، أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيلة للدموع على المتظاهرين بعد حدوث اشتباكات بين بعض المتظاهرين وقوات الأمن، حيث ألقى بعض الغاضبين حجارة على أمن السفارة. والدة الشهيد محمد الجندي، التي بدت متماسكة قالت إن «دماء ولدي ودماء جميع الشباب الذين استشهدوا في عهد مرسي في رقبته ورقبة جماعة الإخوان، الذين حرّضوا رجال الشرطة على ضرب الثوار الشرفاء وقتلهم، مؤكدة أنها لن تترك الميدان في أي مليونية وحق ابنها لن يضيع».
من جهته، قال زعيم «التيار الشعبي» حمدين صباحي، الذي شارك في الجنازة، ان «لا تفاوض مع الرئيس محمد مرسي أو جماعة الإخوان المسلمين ما دام يقتل الشباب في الميدان».
بدوره أكد رئيس «الحزب المصري الديموقراطي» محمد أبو الغار، أنه يجب محاكمة مرسي كما يحاكم حسني مبارك لأنهما ارتكبا الجرائم نفسها.
في هذا الوقت، قدّم وزير الثقافة المصري صابر العرب أمس استقالته «احتجاجا على قمع المتظاهرين وسحلهم أمام قصر الاتحادية».
الوزير المصري دخل في اجتماع مغلق مساء أمس مع رئيس الوزراء الذي بذل محاولات لإقناعه بالتراجع عن الاستقالة.
وتؤكد بعض المصادر أن الخلاف بين الوزير والرئاسة أكبر من مجرد خلاف على قمع المتظاهرين، أو حتى رفض الرئيس مقابلة المثقفين في افتتاح معرض الكتاب.
المصادر أكدت أن مطالب جماعة «الإخوان» لصابر عرب كانت أكبر من قدرة ضميره على تنفيذها، إذ طالبوا بـ«أخونة» كاملة لوزارة الثقافة، وتم تسريب معلومات تفيد برغبة الجماعة في تعيين عشرة أعضاء جدد في المجلس الأعلى للثقافة يتبعون الأزهر.
في المقابل، قالت مصادر «الإخوان» إن الوزير استقال لأسباب صحية ولم تقبل حتى الآن.
يذكر أن استقالة صابر عرب هي الثالثة لوزراء الثقافة منذ اندلاع «ثورة 25 يناير»، حتى أن البعض اعتبر أنها وزارة لا يعيش لها وزراء.
وكان جابر عصفور قد استقال بعد ساعات من «موقعة الجمل» قبل تنحي مبارك. واستقال عماد أبو غازي احتجاجا على قمع المتظاهرين واقتحام ميدان التحرير لفض اعتصام لمصابي الثورة. كما ان صابر عرب نفسه استقال من حكومة كمال الجنزوري حتى لا يرأس اجتماع جوائز الدولة التي كان مرشحاً لإحداها، ولكنه عاد بعد حصوله على الجائزة، في ما اعتبره البعض سقطة أخلاقية.
وعلى مدى الأشهر العشرة التي تولى فيها عرب الوزارة، كانت تصريحاته مثار جدل عنيف، فقد اكتفى الوزير بأداء الأدوار البيروقراطية وتجنّب الخوض في نقاش معمق بشأن أي تعديلات وتشريعات ثقافية جديدة.
كما اعتبر البعض ان كثيراً من تصريحات الوزير جاءت في خدمة التيار الإسلامي، خصوصاً بعدما أبدى خلال اجتماعات اللجنة التأسيسية للدستور تخوفه من صياغة مادة «حرية الاعتقاد» وإطلاقها. سأل الوزير يومها: «هل من حق جماعة تعتقد أنّها تنتسب إلى ديانة سماوية كالشيعة، إقامة شعائرها وإنشاء دور عبادة لها؟».
أما التصريح الثاني للوزير بأنّ «صنّاع الابتذال هم من يخافون أخونة الدولة»، والذي أرسله مكتبه الإعلامي إلى عدد من الجرائد والمؤسسات الإعلامية، فقوبل بانتقادات حادة دفعه إلى الاعتذار علناً، مشيراً إلى أن مكتبه الإعلامي أرسل التصريح عن طريق الخطأ!
ومع ذلك، فإنّ سياسة إمساك العصا من المنتصف التي سار عليها الوزير لم تعجب «الإخوان» الذين يريدون ولاءً كاملاً غير منقوص.
محمد فوزي ومحمد شعير : السفير
إضافة تعليق جديد