مصر: ولادة قيصرية لـ«تأسيسية الدستور» وصراع بين البرلمان والقضاء
بعثت القوى السياسية في مصر إشارات متناقضة حول الأزمة التي تشهدها البلاد قبل نحو أسبوعين من الجولة الحاسمة في انتخابات الرئاسة، وعشية تظاهرات مليونية دعت إليها القوى الثورية تحت شعار «جمعة الإصرار» على مطالب الثورة، حيث انتهى الاجتماع بين المجلس العسكري والقوى السياسية بولادة قيصرية للجنة التأسيسية للدستور، في وقت اشتعل الصراع بين السلطتين القضائية والتشريعية، على خلفية الانتقادات الحادة التي وجهها رئيس نادي القضاة للإسلاميين الذين يهيمنون على البرلمان.
وعقد المشير حسين طنطاوي وعدد من قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية اجتماعاً مع ممثلي الأحزاب والقوى السياسية للبحث في معايير تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، وذلك غداة انتهاء مهلة الساعات الثماني والأربعين التي حددها المجلس العسكري للأحزاب للتوافق حول هذه اللجنة، وتلويحه بالعودة إلى دستور العام 1971 في حال عدم التوصل إلى اتفاق كهذا.
وبعد الاجتماع، الذي استغرق أكثر من ست ساعات، اتفق الحاضرون على تمثيل الأحزاب في اللجنة التأسيسية للدستور بثمانية وخمسين عضواً، في مقابل 42 عضواً للبرلمان، على أن يراعى إشراك كافة القوى السياسية والاجتماعية في عملية صياغة الدستور الجديد.
وقال عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة اللواء ممدوح شاهين إن المشير طنطاوي دعا الأعضاء المنتخبين في البرلمان إلى اجتماع يوم الثلاثاء لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية.
وشارك في الاجتماع 22 حزباً من الأحزاب الممثلة في البرلمان، ومن بينها «حزب الحرية والعدالة» التابع لجماعة «الإخوان المسلمين»، و«حزب النور» السلفي، و«حزب الوفد»، و«حزب المصريين الأحرار»، و«حزب الكرامة» الناصري، و«حزب التجمع» اليساري. كما شارك من النواب المستقلين مصطفى بكري، وماريان ملاك، وياسر القاضي، ومحمد أبو حامد، ولم يشارك في الاجتماع من الأحزاب الممثلة في البرلمان، حزبا «الوسط» و«العدل».
وبرغم الانفراجة الصعبة في تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، إلا أن الخلافات على مستوى سلطات الحكم اتخذت شكلاً جديداً أمس، حيث شن رئيس نادي قضاة مصر احمد الزند هجوما عنيفا على الإسلاميين الذين يهيمنون على مجلس الشعب معتبرا أنهم «يسبون القضاة» ويحاولون التدخل في شؤون القضاء، ومشددا على ان القضاة سيرفضون تطبيق أي قانون لتنظيم السلطة القضائية يصدر عن البرلمان الحالي.
وقال الزند، خلال مؤتمر صحافي، إن هناك «هجمة منظمة تحاول النيل من هيبة القضاء» من قبل الغالبية البرلمانية، في إشارة واضحة إلى «الإخوان».
واعتبر رئيس نادي القضاة ان الانتقادات التي وجهها أعضاء في مجلس الشعب للحكم الصادر في قضية الرئيس المخلوع حسني مبارك «تضمنت شتائم» وإهانات للقضاة. وأضاف «هؤلاء يقولون إما ان نكون نحن أو لا تكون مصر».
وأضاف «لن نطبق قانونا يصدره مجلس الشعب يتعلق بالسلطة القضائية، والسلطة القضائية ستتقدم بطلب إلى السلطة الحاكمة (المجلس العسكري) بألا يكون لمجلس الشعب الحالي شأن بالسلطة القضائية»، مطالباً بأن يتضمن الدستور الجديد للبلاد «بابا كاملا ينظم عمل السلطة القضائية حتى إذا جاء ذئب يشتهي غنماً» لا يتمكن من التأثير في السلطة القضائية.
وانتقد رئيس نادي القضاة رئيس مجلس الشعب محمد سعد الكتاتني لأنه خصص جلسة «سبّ فيها القضاة» بعد صدور الحكم على مبارك. وأكد أن القضاة سيتدخلون في السياسة من الآن مضيفا «الآن مصر تقع (تسقط). سيكون للقضاء منذ اليوم شأن في تحديد مستقبل ومصير هذا البلد... لن نتركها (مصر) لكم لقمة سائغة تفعلون بها ما تشاءون».
وتابع «بدأت المواجهة، ولن تنتهي إلا بعد أن يرد كيد المعتدي إلى نحره... ويعود الحق إلى نصابه».
في المقابل، طالب رئيس مجلس الشعب سعد الكتاتني («إخوان») رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار حسام الغرياني بتوضيح موقف المجلس من التصريحات التي أدلى بها المستشار أحمد الزند.
ورأى الكتاتني ان «تهديدات المستشار الزند بعدم تطبيق القوانين التي يقرها البرلمان الحالي» تعد تجاوزا في حق البرلمان صاحب السلطة الأصيلة في سن التشريعات.
في هذا الوقت، تستعد القوى الثورية والحركات الشبابية والسياسية وحملات المرشحين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح وخالد علي لتنظيم تظاهرات مليونية في ميدان التحرير في القاهرة والميادين الرئيسية في محافظات الإسكندرية والسويس وبورسعيد وأسيوط، للمطالبة بإعادة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ورموز نظامه، وتطبيق قانون العزل السياسي على الفريق أحمد شفيق، وإقالة النائب العام، وتشكيل مجلس رئاسي مدني يقود الجماهير لاستكمال بقية أهداف الثورة.
وأكد نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة» عصام العريان أن الحزب سوف يشارك في المظاهرات السلمية في القاهرة والمحافظات المختلفة اتساقا مع موقف القوى والأحزاب السياسية والحركات الثورية والشبابية الرافضة للأحكام التي صدرت في قضيتي قتل المتظاهرين واستغلال النفوذ المتهم فيها الرئيس السابق حسني مبارك وعدد من أعوانه، بينما أكد سكرتير مجلس شورى الجماعة الإسلامية محمد حسان حماد مشاركة الجماعة في مليونية اليوم التي سوف تقام تحت اسم «مليونية الإصرار».
إلى ذلك، طالب الأزهر الشريف المصريين على اختلاف آرائهم واجتهاداتهم ومواقفهم بألا يستجيبوا لدواعي الاستقطاب والفُرقة والتنازع، وأن يقدموا مصلحة الوطن على كل شيء آخر في هذه الظروف التي يحتاج فيها الوطن، والجماعة الوطنية المصرية، إلى التماسك والثبات والحكمة أكثر من أي وقت.
من جهة ثانية، ذكرت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» ان الرئيس المصري السابق حسني مبارك يعاني «اكتئابا»، وان حالته الصحية في تدهور مستمر في سجن طرة الذي نقل إليه بعد إدانته بالسجن المؤبد.
وأوضحت الوكالة أن مبارك «تعرض لأزمة ضيق في التنفس شديدة الليلة الماضية، مع استمرار معاناته من الاكتئاب الحاد وارتفاع ضغط الدم الناجم عن إصابته بذبذبة أذينية في القلب». وأضافت الوكالة ان حالته الصحية «ما زالت في تدهور مستمر»، وانه «تم إخضاعه طوال الليلة الماضية للتنفس الصناعي».
وتابعت ان مبارك «يرفض الحديث مع أي من الأطباء بسبب حالة الاكتئاب الشديدة التي يعانيها وهو ما يصعب من مهمتهم»، موضحة «انه لا يتحدث سوى بعض الكلمات القليلة مع ابنه جمال الذي يحاول التخفيف عنه باستمرار».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد