نداء المطارنة على خطى البطريرك «الراعي»
بقيت بكركي عنصر الاستقطاب الداخلي، بفعل ما تلقته من قوة دفع استثنائية متأتية عن حيوية البطريرك الماروني بشارة الراعي ومواقفه المتقدمة التي جعلته يخترق الكثير من الحواجز ويختصر المسافات، في علاقته مع الشريك اللبناني ومع الجار السوري.
وإذا كان المطارنة الموارنة قد اعتادوا في كل شهر ايلول، منذ عام 2000، على توجيه نداء شامل، فإن نداء أيلول لهذا العام بدا مختلفا وهو الذي حمل في طياته نَفَس الراعي وبصماته. وبهذا المعنى، جاء البيان الصادر أمس متناغما ومتكاملا مع إستراتيجية الراعي في مقاربة التحديات الراهنة، من دون ان يتضمن أي إشارة تشي بالتراجع عن أي من المواقف التي أطلقها البطريرك منذ رحلته الباريسية الشهيرة، ما يشير الى ان لغته الجريئة والجديدة تعبر عن توجه الكنيسة المارونية، ولا تمثل اجتهادا شخصيا.
ولعل حقيقة المشهد الذي ساد الاجتماع الدوري أمس عكسها مصدر مقرب من الراعي بتأكيده أن «البطريرك والمطارنة صوت واحد ولا يراهن أحد على غير ذلك»، الأمر الذي يشير الى التفاف المطارنة حول البطريرك وانسجامهم مع طروحاته.
وفي تعبير إضافي عن النهج الانفتاحي لبكركي، في عهد الراعي، أكد النداء ان هناك مسعى لعقد قمة روحية على صعيد منطقة الشرق الاوسط. وأشار الى ان البطريرك آلى على نفسه منذ اليوم الاول لانتخابه، وانطلاقا من الثوابت الكنسية والوطنية، ان يدعو الجميع الى الحوار والتفاهم ورص الصفوف والخروج من منطق الحرب الى منطق السلم، وإلى تغليب روح الشركة والمحبة في علاقاتهم ومسؤولياتهم.
وتوقف النداء عند زيارة الراعي لفرنسا، مؤكدا انها كانت مناسبة كي يشهد للحقيقة بجرأة وشجاعة، ويطالب الاسرة الدولية بأن تتحمل مسؤوليتها في نشر العدالة والمساواة، ورفع الظلم عن الشعوب من خلال السهر على تطبيق قرارات مجلس الامن تطبيقا عادلا.
وأمل المطارنة من خلال ندائهم ان تتحقق لجميع المواطنين الحرية والمساواة في الحقوق بالتعاون وبعيدا عن العنف، فيعيش المواطنون معا بالاعتدال
وقبول الآخر كما تجمع عليه أديانهم. ودعوا الى ان نجلس الى طاولة حوار اخوي صادق شفاف، نلقي فوقها هواجسنا وشكوكنا. ونجدد الثقة بعضنا ببعض.
زيارة الوفد السوري
وترجمة لمضمون النداء ولسياسة اليد الممدودة، استقبل الراعي في بكركي أمس وفدا دينيا سوريا ترأسه مفتي دمشق الشيخ عدنان أفيوني، ورافقه السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي.
وقالت أوساط المجتمعين ان اللقاء كان ممتازا وتركز البحث خلاله على ضرورة العمل لتفعيل الحوار بين الأديان من أجل تحقيق التقارب بين الطوائف الى المدى الذي يجنب المنطقة الخلافات والحروب. وأكد الوفد للراعي رفض الفتنة والحرب الأهلية ووجوب ان يتضافر رجال الدين من أجل تحقيق التقارب وامتصاص المؤامرة التي تتعرض لها سوريا.
وسأل الراعي الوفد عن حقيقة الوضع السائد في الداخل السوري، وتحديدا بين السنة والعلويين، فجاءه الجواب مطمئنا.
كما حضرت في اللقاء قمة دار الفتوى، والتي اشاد الوفد بنتائجها، ونوقشت كذلك فكرة عقد قمة على صعيد الشرق الأوسط، ونقل الوفد الى البطريرك ترحيب مفتي سوريا بهذه الفكرة.
وقال السفير علي عبد الكريم علي ان الوفد أبلغ البطريرك رسالة تقدير لمواقفه الأخيرة وأشاد بما تضمنته من لهجة وفاقية وتنبيه الى المخاطر القائمة الناتجة عن الاحتلال الاسرائيلي وعن خطاب الفتنة.
وأوضح علي ان الوفد حذر من ان السعي المحموم الى إثارة الفتنة المذهبية يهدف الى تكريس وجود الكيان الصهيوني كدولة يهودية، من خلال الدفع في اتجاه تفتيت المنطقة وإيجاد دويلات مذهبية وطائفية. كما أكد الوفد للبطريرك ان سوريا بدأت تخرج من المحنة.
ونفى ان يكون مفتي سوريا قد امتنع عن ترؤس الوفد لأن حضوره يستوجب منه زيارة المفتي محمد رشيد قباني وهو لا يريد ان يحرجه في هذا التوقيت، موضحا ان اضطرار المفتي الى استقبال وفد أجنبي يزور سوريا حاليا هو الذي حال دون مجيئه شخصيا. ولفت الانتباه الى ان مسألة زيارة الراعي الى سوريا ليست مطروحة الآن كون البطريرك يستعد لجولة مطولة في الولايات المتحدة الاميركية.
وفي سياق متصل،قال أحد المطارنة الذين يحضرون لزيارة الراعي الى الولايات المتحدة أن بكركي «لا تريد معاداة أميركا ولا غيرها. نحن نقول قناعاتنا الوطنية ولكن إذا كان رأينا لا يعجب هذا او ذاك فلا يعني ذلك أننا سنعدل عن قوله».
وفي حين لا يخفي بعض الأساقفة علمهم بـ«حرب إعلامية يقودها فريق 14 آذار في الصحف الأميركية لتشويه صورة رأس الكنيسة المارونية والتشويش على زيارته المرتقبة»، أكد مصدر كنسي «ان الأميركيين هم الخاسرون إذ يجب أن يعرفوا أن من مصلحتهم أن يكونوا قريبين من بكركي لأن صورتهم هنا ليست جيدة وتزداد سوءاً، فبقدر ما يتقربون من الكنيسة بقدر ما تتحسن صورتهم في لبنان».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد