وثائق رسمية أميركية عن حرب 1973: إسـرائيل فكـرت في اللجـوء إلى السـلاح النـووي
أظهرت وثائق نشرتها أمس الأول دائرة التاريخ في وزارة الخارجية الأميركية أنه كان بوسع إسرائيل إنتاج سلاح نووي في حرب تشرين 1973 ولكن «بأعداد صغيرة». وتظهر الوثائق، وفق ما كتب المعلق الأمني في صحيفة «هآرتس» أمير أورن، ايضا أن الاستخبارات الاميركية بعد الحرب قدّرت بأن ميزان القوى في السلاح التقليدي يميل في صالح الدول العربية، ولهذا ستنظر اسرائيل في أمر التهديد بسلاح نووي بل وربما تستخدمه.
وفي نحو 1300 صفحة من الوثائق يتبين كيف اندلعت «حرب تشرين»، وتسلسلها والاجراءات التي اتخذت لإنهائها والانتقال من الازمة العسكرية الى المسيرة السياسية. وبين أهم ما تكشفه الوثائق ذلك التشكيك في الادّعاء بشأن سياسة الغموض النووي الاسرائيلي. ففي 27 تشرين الثاني 1973، بعد شهر من نهاية الحرب، التقى الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر مع زعماء الكونغرس في المجلسين ومن الحزبين، زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، مايك مانسفيلد، سأل: «هل لاسرائيل ومصر قدرة على انتاج سلاح نووي؟». كيسنجر أجاب: «لإسرائيل قدرة على انتاج أعداد صغيرة. أما مصر فلا». وأضاف كيسنجر «برأينا، السوفيات ايضا لم يُدخلوه. اذا لوحت اسرائيل بسلاح نووي، سيرد السوفيات بالشكل ذاته وسيكون هذا خطيراً جداً على اسرائيل».
في اليوم الاخير للحرب، 24 تشرين الاول 1973، نشرت وكالة الاستخبارات في البنتاغون «دي.إي.آي»، تقديرا قاتما عن احتمالات اسرائيل للتغلب على الدول العربية في الحروب المقبلة. وقرر خبراء البنتاغون أنه «حتى لو تمكنوا من الخروج من النزاع الحالي، فان الاسرائيليين لن يكون بوسعهم التأكد من انتصاراتهم السريعة والحاسمة في المستقبل». ولضمان أمن اسرائيل في المستقبل لن تكون قوة الجيش الاسرائيلي وحدها كافية وهناك حاجة لـ«ضمانة دولية لحدود اسرائيل؛ ضمانة اميركية أحادية الجانب لهذه الحدود؛ أو اعلان علني بأن اسرائيل مصممة على استخدام السلاح النووي لضمان سلامة اراضيها».
البديل الأخير، بحسب تقدير البنتاغون قام على أساس الافتراض «أن لدى اسرائيل أو قريبا سيكون لديها سلاح نووي»، وأنها ستسعى الى ردع هجمات مستقبلية من جانب دول عربية من خلال «التهديد باستخدامه ضد القوات، المدن، الموانئ، الاماكن المقدسة وسد أسوان. سياسة اسرائيلية معلنة كهذه ستثير معارضة في أرجاء المعمورة. والولايات المتحدة ستجد صعوبة شديدة بالتالي في أن تكون مرتبطة بها».
تشير الوثائق إلى مصادر المعلومات بشأن الحرب وبينها معلومة أوصلها كيسنجر لنيكسون في 17 أيار 1973 وهي معلومة «نقلها الملك حسين (الذي تمتع باستخبارات فائقة عن سوريا) بشأن خطط هجومية للجيشين السوري والمصري». وتكمن أهمية المعلومة في إشارتها الى التنسيق بين دمشق والقاهرة.
وقبل اسبوع من هذا التقرير، في 9 أيار 1973، وصل الملك حسين الى تل ابيب، بناءً على طلب رئيسة الحكومة الاسرائيلية حينها غولدا مئير، الى لقاء معها ومع وزير الدفاع موشيه ديان، بمشاركة رئيس حكومته زيد الرفاعي. في 20 أيار حذر كيسنجر مبعوث الرئيس المصري حينه أنور السادات، حافظ اسماعيل، من أن المسارين السياسيين المحتملين، أي اتفاق جزئي من شأنه أن يصبح تسوية دائمة أو اتفاق نهائي «سيطالب مصر بتنازلات هائلة» ليسا متوازيين، «فما الذي يتبقى لمصر غير عملية عسكرية؟». تقدير الـ«سي.آي.ايه» الذي نشر في 17 أيار 1973، شكك في اشتعال ذي مغزى في الجبهة المصرية – الاسرائيلية «في الاسابيع القريبة المقبلة» واستبعد احتمال صيغة متجددة من حرب الايام الستة أو حرب الاستنزاف في 1969 – 1970.
محاضر محادثات نيكسون – كيسنجر، والتي تنشر في الوثائق، تشكك بادّعاء المؤامرة التي نسجتها الادارة الاميركية، سواء مع السادات أم مع مسؤولين كبار في اسرائيل، للسماح بمثل هذه الحرب أن تقع. ويتبين من المحاضر أن نيكسون وكيسنجر كانا يميلان الى الاستخفاف باحتمال تنفيذ تهديد السادات في الشروع في عملية عسكرية وأنهما قررا استئناف المسيرة السياسية والضغط على اسرائيل فقط بعد الانتخابات في الكنيست، في تشرين الاول، ضمن امور اخرى لأنهما تخوفا من رد فعل محافل متشددة بين يهود اميركا.
وتصف الوثائق ايضاً المداولات في القيادة الاميركية في مسألة القطار الجوي لإسرائيل. رغم ترددها، لاعتبارات المس بتأهب القوات الاميركية بشكل عام وفي اوروبا بشكل خاص، تجندت القيادة المدنية والعسكرية في البنتاغون لتنفيذ تعليمات نيكسون.
في احدى الفقرات المسلية في وصف الطريق الى القصور الذي وقع في يوم الغفران، يقتبس حديث بين نيكسون، كيسنجر والزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف في مؤتمر القمة في سان كليمنت في كاليفورنيا، في حزيران 1973. وقد تنافس الثلاثة في ما بينهم في قص النكات عن العرب واليهود. ما الذي أضحك بريجنيف؟ «يهوديان التقيا. أحدهما سأل: «يا ابراهيم، أسمعت عن أن قبعة اسحق احترقت؟» فأجابه ابراهيم «ماذا يهمني، هذه ليست تجارتي». وعندها يقول له اليهودي الاول: «هذه ليست تجارتي ايضا، ولكن مجرد السماع امر لطيف».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد