وزير سابق يدفع 400 ألف ليرة فواتير كهرباء

هذا الرقم نفسه يبدو تلفيقياً و خاضعاً لشتى أشكال اللي و التجذيب . فهو يعادل مصروف و قدره 2000ليرة شهرياً دون افتراض تضاعف أي رقم نتيجة التاخير و العقوبات . و في حال وجدنا من يحتسب ضرائب التأخير و التراكم. يكون المصروف أصلاً أقرب لل1000 ليرة سورية- ليصححني من يعرف- و هذا يضعنا امام مسلسل من التهريج يبدأ من بخل المسؤول أو تفاهة زوجته على اعتبارها سيدة البيت التي لم يكن اهلها يعرفون ما هي الكهرباء فلم تتعلم قبل زواجها أن الفاتورة تستحق الدفع و ليست غلاظة من موف حكومي. أو بساطة الحارس الذي تسلم وصل الكهرباء و لكنه لم يسلمه لمحروسه و لم يتفضل شخصياً بدفعه لضعف ولائه أو امكانياته. قد يكون الوزير على علم بالوصل و لكنه اعلن احتجاجه على حصته مقابل حصة عائلته في هذه الحسبة: فالوزير لا يتواجد في منزله إلا نادراً و لهذا يوجد السائق: ليدله كل مرة الى منزله. فالوزير يقضي وقته في الدوام الرسمي و في اجتماعات, و في تشريفات و في عزائم رسمية و أخرى غير رسمية . من الصعب ان تخبر وزير يعرف قيمة القرش و من أين تؤكل الكتف و كل أساليب اللف و الدوران أن له علاقة بفاتورة تبلغ ألف ليرة سوريا. قد يكون قال لزوجته ان تدفعها لأنها من يفترض ان تتواجد في المنزل. و لكن هل من ضمانات انها حقاً حقاً في المنزل؟ قد يكون الأولاد أولى بالمساءلة ! و لكن الولاد في الصباح في المدرسة و في بعد الضهر في اجتماعات الشبيبة التي يعمل والدهم و أصدقائه المسؤولين على جعلها ملجأ معرفياً و ترفيهياً و منبراً تنويرياً لكل شاب سوري كنوع من الشراكة بمقدرات الوطن . قد يكونوا في المكتبة العامة او في نادي الفروسية او في نادي الدراجات النارية او حتى في بار أو مقهى . و لكن لا أريد أن أفترض أنهم هم من يريد أن يجد لنفسه كاريراً بتشكيل مؤسسة بلطجية للتخليص و التبييض و التدليس و الإبتزاز و الحماية و الأمن ! من يصرف بألف ليرة كهرباء إذاً؟ هذا المبلغ يعادل أي مبلغ تصرفه أسرة سورية متواضعة من إدلب أو من القنيطرة المحررة. أي مصروف سخان حمام و كهرباء إنارة و فرن أو موتور مائي لدفع مياه الشرب الى الخزان. لا أفترض أن الوزير يعيش في فيلا و لا أفترض أن لديه مسبح و أن لديه بوابة حديدة تشغل على الكهرباء و لا أفترض ان التبريد و التسخين لديه يستهلك أي كهرباء و لا أفترض إنارة سور المنزل الجميل الذي يحفظ مشاويره الرومانسية مع زوجته تحت أشجار -البتولا- من اعين الحساد. أفترض انه يعيش ببيت مساحته 130 متر في بناء من أبنية دمشق. و أفترض أن الرقم الذي يجب دفعه هو المعادل الحقيقي لإنفاقه. و هنا أعود الى بيت القصيد: ما الذي يجعل وزير او أياً من أسرته غير راغباً بدفع فاتورة الكهرباء لأكثر من 16 عاماً . ما هذا الإنكار الذي يترجم الكراهية الشديدة لمؤسسة الكهرباء؟ يجب أن أحيي الوزير على جرأته لأنه فعل ما يتمنى أي مواطن فعله و لكن المواطن الجبان لا يجرؤ. في حين تجرأ الوزير و فعل .لأن وزرائنا جميعاً مسكونون بعنترة و عمر و علي و المنطلقات النظرية و المستقرات العملية. إنهم يفعلون ما يملي ضميرهم عليهم . لهذا يصبح الرجل وزيراً. لأنه رجل و الرجال قليل.

يقول المثل الشعبي: ( خيار وفقوس )، اللهم اجعل الخيار فقوس والفقوس خيار يارب العالمين ... آمين