“الراديكاليون”، دعوة إلى الإسلام الحق وزيف الإسلام المعتدل
وُجدت التنظيمات الراديكالية الحديثة في بدايات القرن الماضي، وكان لهذا التوجه منظّرون لصبغ توجههم بصبغة دينية، وقامت على التشدد والتطرف في أمور الدين، وما يبدو لنا حين البحث عنهم وعن ملامحهم العقيدية، أنه تغلب عليهم الشدة والصرامة، وأكثر ما يتبدى ذلكَ في العقوبة للمتخلفين عن أداء فريضة الصلاة دون عذر شرعي ربما تصل إلى حدّ الموت، وأمور أخرى تتعلق بالأحاديث النبوية، عمّا يُلهي عن ذكر الله كالفنون والنحت والموسيقى وأيضا ما يتعلق بالحديث الذي يقول:(حفوا الشارب وأرخو اللحى، خالفوا المشركين)رواه البخاري: اللِّبَاسِ (5892)، طبعاً لمخالفة اليهود والنصارى على حد قول الحديث.
بالطبع الشدة التي ينتهجها الراديكاليون ليست بدعة منهم، بل هي أقرب ما تكون إلى الإسلام في فترته الذهبية (سياسياً واقتصادياً) فبالرجوع إلى حياة الخلفاء، نجد أنّ التاريخ يُعيد نفسه، ربما هناك اختلاف في الأداء والأدوات لكن الدعوات التي يدعو إليها الراديكاليون، تؤكد السعي للعودة بالمجتمع الإسلامي إلى عهده الأول، أي السلف الصالح كما يقولُ به منظرو هذا التوجّه، واتخذوا القوة إلى ذلكَ سبيلاً، ربما باختلاف نوعية السلاح، واستخدام طرق أخرى (الانتحار)، ما دامت الغاية واضحة، و....
إن ظهور الإسلام السياسي المعاصر هو نتيجة طبيعية لهيمنة السياسيين، ومحبي السلطة على أدمغة الطبقة الدنيا من المجتمع (ثقافياً واجتماعياً) ومعتمدين بذلك على شتى الأساليب. فالواقع الاجتماعي والوضع الاقتصادي أوجد بيئة خصبة للنفوذ إليهم من خلال أفكارهم حول الإسلام والتي وجدت صدى كبيراً في تلك الأوساط التي تعاني أساساً حياةً أقربَ إلى الموت، فالتوجّه إلى هؤلاء وجعل السعي إلى الإسلام حتى عن طريق الجهاد يغدو قيمة بحدّ ذاتها.
اختيار ذوي الشخصيات والقبائل الضعيفة والمضطهدة ودعمها بالمال والسلاح والسيادة، ذلكَ إلى جانب مخاطبة هؤلاء عن طريق إشباع الغريزة الجنسية بطرق متعددة، منها الفتاوى الدينية لإباحة ما كان مسموحاً به في الأصل في مجتمعاتهم، ففي الحروب والغزوات والفتوحات الإسلامية رخّص محمد (امتطاء النساء غير المسلمات على اعتبارهن سبايا بعد الدخول الى ديار غير المسلمين عنوة حيثُ يحق للمسلم ما لا يحق لغيره)، في حين يعتمد هؤلاء على ترخيص المتعة الجنسية عن طريق القرآن والسنة فإنهم لن يخافوا العقاب، بل يسعون إلى ملذاتهم بدون أدنى خوف أو رادع أخلاقي آخر، لأن الله قد رخص لهم هذه المتعة حيثُ يردُ في القرآن ما نصّه: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن /النساء:24، فلمَ سيشعرُ بالإثم.
فالنساء غير المسلمات هن سبايا للمسلمين، ولا يُتوقعُ لمجتمعٍ شبقٍ جنسياً أن يحجب عن نفسه هذه النعمة طالما هي برخصة من الله ورسوله، ،حيثُ أنّ المسلمين المستضعفين صاروا يمتلكون مئات الهكتارات وأموال طائلة وعدد لا يحصى من النساء، وهذه أسهل الطرق لاستقطاب النفوس وبالطبع للجنة الموعودة الحافز الأقوى، الذي يجعل من أحدهم أن يقتحم أي حاجز دون رادع، لأنه يحمل “مفتاح الجنة”، ويعتمدون على الآية التي تقول: (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً )آل عمران - 169 ، فالجزاء بالجنة فتحَ المجال واسعاً للجهاد، طبعاً إلى جانب موضوع السبي والمال، فدعواتُ هؤلاء للجهاد تُذكرنا بأذان بلال الحبشي عندما كان ينادي للخروج لملاقاة “المشركين” أو الخروج للدعوة إلى الله، وقد سبقها؛ أي الخروج للغزو، غالباً بنص رسالة تتضمن مقولة (أسلم تسلم)، كما في رسالة محمد إلى المقوقس “عظيم القبط” في مصر وهرقل “عظيم الروم”...
وهذه العبارة واضحة وصريحة والتي تعني فيما تعنيه الخضوع أو الحرب، وإن كان الاسلام طوعا ودون اكراه، فلم لغة التهديد والوعيد وما مبرر إرسالها بهذه اللهجة وهي وبوضوح تعني: “إن لم تسلم وتطبق ما سنمليه عليك فإن الأمر سيكون كما لا تريدون”.
وكان القائد يحشد القوات ويرسلها أحياناً إلى القبائل قبل أن يرجع من بعثوه رسولاً ليخبرهم بأن القوم رضوا بالإسلام ديناً، أو ربما على أقل تقدير لن يكونوا عقبة في نشر الإسلام، فما المتوقع اليوم من التنظيمات الإسلامية الراديكالية التي تنتهج ذات النهج، بل وتدعو المجتمع للعودة إليه، فهم لم يبتدعوا هذا النهج لأنهم قرأوا أحاديث محمد وآيات القرآن، فما مبرر أن يعودوا إلينا ليفسروا لنا ما هو مفسر من قِبل أهمّ وأكبرِ الأئمة والمؤرخين على لسان الصحابة والتابعين ومن مقربي الرسول، فالجهاد واجب عند هيمنة غير المسلمين عليهم، واليوم ليس للدول الإسلامية شيء إلا أنها تقتدي بالشريعة الإسلامية، فبالتأكيد سيقوم من خصّهم الله بالجهاد دون غيرهم، وأكثرهم يرى الرسول في منامه ويحضّه بدوره على الالتزام بالمبادئ الأولى للإسلام وعندها له ما يتمنى من مال وجاه ونساء “ثيبا وأبكاراً” في الدنيا، والحواري في الجنة التي تجري من تحتها الانهار، هنّ من حقه لأنه يعمل على إعلاء كلمة الله، فلا بد أن يكون مقدماً على غيره ممن تقاعس عن الجهاد، ولا ينكَرُ على المجاهد حظي بالدنيا والآخرة عند إله أباح له وجاء هو ولبى النداء...
إلا أن ما يطلق عليه اليوم بـ “الإسلام المعتدل” الذي يحاول تلميع صورة الإسلام باء بالفشل، مع العلم أن حركة الاعتدال قد سعت دوماً لحفظ ماء الوجه أمام العالم المتحضر، وأمام المجتمعات التي لا يعنيها الدين بصبغته الجهادية والتوسعية (إن الدين عند الله الإسلام)آل عمران 19،يقولُ ابن كثيرُ في تفسير هذه الآية (وقوله تعالى “إن الدين عند اللّه الإسلام” إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم اللّه به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى اللّه عليه وسلم، فمن لقي اللّه بعد بعثة محمد صلى اللّه عليه وسلم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل كما قال تعالى“: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه” الآية)، ولكن الحقيقة بين الإسلامَين (الراديكالي والمعتدل)، من خلال قراءة التاريخ نجد أن المقولة التي تقول بتشويه الإسلاميين الراديكاليين لسمعة الإسلام غير دقيقة، لأن دعاة الاعتدال لم يعتمدوا على الآيات المحكمة في ذلك، والتي هي حقاً من صلب دعوة الإسلام، وعندما يذكرون أن هناك آيات عدة تحمل المسلمين على التعامل الحسن مع الكفار والمشركين وأنّه (لا إكراه في الدين) فنجد كيف أن ابن كثير يُفسّر هذه الآية: (وقال آخرون : بل هي منسوخة بآية القتال وأنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام ، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية ، قوتل حتى يقتل . وهذا معنى الإكراه قال الله تعالى : ( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ) [ الفتح : 16 ] وقال تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) [ التحريم : 9 ] وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) [ التوبة : 123 ).، إذ أن تلك الآيات هي من الآيات المنسوخة أي التي نسخت حكماً وبقيت تلاوة، وقد نسخت بآية السيف.
وثمة رأيٌ مغايرٌ عن الذين يريدون تغيير الصورة الحقيقية بأنه لا يمكن تغيير القلوب بالقوة وأن الإيمان مسألة قلبية وأن العنف وسفك الدماء كان دائماً باسم الدين، والدين منه بُراء، فالتاريخ المكتوب يقول بما لا يدعُ مجالاً للشك (أن الدين عند الله الإسلام)، وتحض على قتال المشركين، (اقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليّاً ولا نصيرا)النساء 19
إن الديمقراطية والشورى التي ينادي بها “منظرو الإسلام المعتدل” وأنها من روح الإسلام، لكن المؤرخين يسردون لنا كيف أن الخلفاء لم يفارقوا الكرسي الا بعد ان فارقوا الحياة منذ الخليفة الأول وحتى آخر خلفاء بني العباس مروراً ببني أمية، فيعتمد ملمعو صورة الدين على آيات عدة للحيلولة دون سخط الناس، من خلال آيات أقلّ وطئاً، (فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) الأنفال 60، (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)الكهف 29
إن كان الموضوع كذلك، ويعود إلى الاختيار الشخصي، فلم هاج الخليفة الأول “أبو بكر” على الذين ارتدوا عن دين الإسلام بعد وفاة محمّد وقاتلهم حتى أعادهم إلى أحضان الإسلام وشريعته.
إنّ القراءات المتعمقة والموضوعية للتاريخ الإسلامي، ولدعوات الإسلاميين الراديكاليين يوضح نقاط تقاطع كثيرة تدحضُ بدورها القولُ بابتعاد هؤلاء عن روح الإسلام، ويوضحُ أكثر بأن دعوات الإسلام المعتدل هي من قبيل تلميع صورة المسلمين والإسلام في وقت دخلوا فيه قفص الاتهام.
ربما للإسلام المعتدل دور مهم في توطيد فكرة الاعتدال في المجتمعات الإسلامية، التي هي موجودة أساساً عند قطاعٍ كبير منهم، لكنّه لن يستطيعَ إقناع المتشددين الإسلاميين، لأنهم يتكؤون في دعواهم إلى أدلة واضحة من القرآن والحديث النبوي.
باهوز مراد
المصدر: الأوان
إضافة تعليق جديد