37 ألف ضبط والفاتورة ما تزال محجوبة
الفاتورة... إجراء لضبط آلية البيع في السوق المحلية بمختلف أبعادها ومراحلها من جهة، وحماية المستهلك من الغش والتلاعب بالأسعار من قبل الفعاليات التجارية والصناعية وخاصة ضعاف النفوس منها من جهة أخرى...
ولكن هذا الإجراء ليس بالجديد إنما تضمنته القوانين المعنية بالحفاظ على السوق المحلية منذ ستينات القرن الماضي.
إلا أنه حتى تاريخه لم يأخذ طريقه إلى النجاح المطلوب..
ثمة أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة واضحة وصريحة تتعلق بمدى قدرة الوزارة على تطبيقه بالرغم من تعاميمها وقوانينها التي تلزم كافة الجهات بالعمل وفق الفوترة... وتأمين البيئة القانونية التي تضمن سلامة تنفيذها وسلامة المتعاملين فيها..
والأهم من ذلك لماذا تتهرب الفعاليات التجارية والصناعية من تطبيقها؟..
هل الخوف من المالية وضرائبها كما يدعي العديد من التجار؟..
أم أنه الجشع والطمع والكسب غير المشروع على حساب الوطن والمواطن؟...
يقول الدكتور أنور علي مدير حماية المستهلك لدى وزارة الاقتصاد والتجارة : إن قانون قمع الغش والتدليس والتموية والتسعير وكافة القرارات والتعاميم الصادرة من قبل الوزارة لاحقاً تنسجم مع روح المواد الواردة في القانونين المذكورين واللذين يهدفان إلى خلق حالة من الاستقرار والتوازن في الأسعار من حيث توفر المواد والسلع والخدمات بالمواصفات المطلوبة والمحددة والمطابقة للمواصفات القياسية السورية والعالمية كي لا يقع المستهلكون في غبن من جراء استغلال بعض ضعاف النفوس من أصحاب الفعاليات التجارية والصناعية مستغلين جهل المستهلك بمضمون هذه القوانين والقرارات التي تضمن السلامة للجميع...
لذلك نجد أن هذه القوانين والتعاميم والقرارات قد ألزمت كافة الفعاليات التجارية والصناعية والخدمية بضرورة التقيد بالمواصفات المحددة لمنتجاتهم من خلال وضع بطاقة البيان على كافة المنتجات الغذائية وغيرها محدداً فيها تاريخ الإنتاج والصلاحية والسجل الصناعي والتجاري لصاحب المنشأة والسعر النهائي للمنتج..
وأضاف السيد علي: إن هذه القوانين بالمقابل ألزمت تلك الفعاليات وخاصة المنتجين والمستوردين وتجار الجملة ونصف الجملة والمفرق بضرورة إعطاء فاتورة للمتعاملين معهم تحدد السلع وعددها ونوعها وكمياتها وذلك لحصر المسؤولية المتعلقة في المخالفات التي تضبط أثناء قيام دوريات حماية المستهلك بمهامها حيث تعتبر الفاتورة وثيقة أساسية لحصر المسؤولية باعتبارها تظهر اسم صاحب الفاتورة والسجل التجاري أو الصناعي ونوع البضاعة التي تم ضبطها منعاً لتقاذف الاتهامات والحجج بين المتعاملين!..
وشاطره في هذا الرأي السيدة وفاء الغزي مديرة الأسعار في الوزارة مضيفة في كلامها: إن دوريات الحماية قد نظمت أكثر من 92 ألف ضبط تمويني على مستوى القطر منها ما يقارب 40% تتعلق بعدم الإعلان عن الأسعار أو إبراز القوانين أي ما يعادل 37 ألف ضبط مما يدل أن هناك حماية ليست بالنسبة القليلة من الفعاليات التجارية والصناعية لا تتقيد بمضمون قرارات وقوانين الوزارة فيما يتعلق بالتقيد بالأسعار والتعامل بموجب الفواتير النظامية.
ويرى الدكتور أنور علي أن هذه الظاهرة تكثر في الأماكن والمنشآت السياحية والخدمية والمطاعم التي تشكل حالة ضعف حقيقية في عملية الرقابة والمتابعة باعتبار أن هناك لجان مشتركة مؤلفة من الاقتصاد والصحة والسياحة والمحافظة المعنية مهمتها الرقابة على هذه المنشآت إلا أن هذه العملية تتطلب أعمالاً روتينية بدءاً من عملية الاستدعاء وصولاً لضبط المخالفة وهذه تستغرق وقتاً طويلاً وبالتالي يكون (اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب).
وبالتالي فإن هذا الأمر يعيق عملية الرقابة والوزارة حالياً تعكف على دراسة إمكانية إلغاء القرار المتعلق بتشكيل مثل هذه اللجان حيث إن السياحة قامت بتحرير أسعار الفنادق والمطاعم والأهم من ذلك أن عمليات الرقابة هي من اختصاص الوزارة وذلك استناداً إلى قانون قمع الغش والتدليس مع الإشارة الواضحة إلى أن هناك تهرب كبير من قبل أصحاب الفعاليات السياحية من جهة استخدام الفاتورة... طبعاً هذا بالإضافة إلى تجار المفرق..
وذلك بحجج منها موضوعي ومنها ما هو غير موضوعي يتعلق بالرسوم والضرائب المتعددة المفروضة من قبل وزارة المالية والجمارك على بعض السلع والمواد حيث يتهرب أصحاب الفعاليات من تقديم بيانات حقيقية تحدد التكلفة الفعلية للسلع والمواد الداخلية في الإنتاج أو الجاهزة للاستهلاك أو تحديد قيمة أي فاتورة نظامية صادرة عن منشأة سياحية أو خدمية أو منشآت صناعية وتجارية للتهرب من ضريبة الانفاق الاستهلاكي والذي بدوره يحرم خزينة الدولة المليارات سنوياً من الضريبة المستحقة لخزينة الدولة تذهب إلى جيوب حرامية السوق وذلك بالرغم من العقوبة التي حددها القانون بحق المخالف وهي عشرة آلاف ليرة والحبس لمدة ثلاثة أشهر.. إلا أن هذا الإجراء لا يكفي لردع المخالفات والتقيد بمضمون القوانين والقرارات التي تكفل حماية المستهلك لاسيما جهة استخدام الفاتورة وغيرها...
لذلك الوزارة تدرس حالياً إمكانية مضاعفة هذا المبلغ وربط المخالفة بقيمتها مع العلم أن الوزارة تنتهج النهج التشاركي في عملية ضبط الأسواق وذلك من خلال إشراك كافة الفعاليات التجارية والصناعية لكبح جماح الأسعار وردع المخالفين ولكن التعاون من قبل هذه الفعاليات بطيء جداً ولا يلبي مستوى الطموح في التعاون دون معرفة أسباب ذلك..
وأكد السيد علي أن وزارة الاقتصاد حالياً تقوم بدراسة كيفية رفع الشبهات عن عناصر حماية المستهلك «دوريات الرقابة» من خلال نشر ثقافة حماية المستهلك واصدار تعليمات واضحة وصريحة تحدد واجباتهم والمحظورات وأسلوب تنظيم المخالفات وكيفية معالجة الشكاوى وحالات الإغلاق وغير ذلك بقصد الهدف الأساسي من العملية الرقابية والتي تكمن في ضمان حقوق المستهلكين والدولة والفعاليات التجارية والخدمية والصناعية على السواء وصولاً إلى الغاية الأساسية لاستقرار السوق المحلية وتوفر المواد والسلع فيها...
أيضاً مديرة الأسعار في وزارة الاقتصاد السيدة وفاء الغزي قالت: عدم الالتزام بنظام الفوترة خروج عن القانون ومخالفة واضحة باعتبار ذلك حماية لكل الأطراف المتعاملين بها بدءاًَ من المنتج وانتهاء بخزينة الدولة فالقانون واضح وصريح يوجب كافة منتجي المواد المصنعة محلياً على اختلاف انواعها ومسمياتها عند البيع والوسطاء وعلى اختلاف صفاتهم التجارية والمتعاملين بتجارة الجملة للمواد المنتجة محلياً صناعية وزراعية، وحيوانية سواء كانوا تجار جملة او نصف جملة او موزعين او وكلاء او تجار يتوجب عليهم التعامل بالفاتورة وعلى نسختين وذلك لعدم التلاعب وغش المستهلك الا ان من يتعامل بها هم عددهم قليل جداً.
وهناك خرق واضح لهذا القانون من قبل كافة الفعاليات باستثناء البعض لا سيما بعض التجار في الاسواق المشهورة في محافظات القطر. وبهذا الخصوص تحدث السيد عدنان عنابي امين لجنة سوق الهال بدمشق قال: بالنسبة للمتعاملين في سوق الهال لا يمكن على الاطلاق تنظيم عمليات البيع الا بموجب الفاتورة الا فيما يتعلق بالمواد التي يتم تصديرها الى الاسواق الخارجية فهناك فاتورة تحدد هوية البضاعة المعدة للتصدير بالتالي هذه المواد غير خاضعة للفاتورة المذكورة في متن الموضوع وذلك تشجيعاً لعملية التصدير من قبل الحكومة وخاصة للمواد الفائضة عن حاجة السوق المحلية.
لذلك من مصلحة التاجر في سوق الهال اعطاء الفاتورة لان ربحه بالقروش. ولكن من له مصلحة بعدم الالتزام بالقوانين هو تاجر المفرق لان ربحه بالليرات ولا يقبل بربح بسيط وانما يحاول الحصول على اسعار مضاعفة وهذا لا يتحقق بموجب تنظيم الفواتير.
وبالتالي الكثير من تجار المفرق يرفضون الحصول على فاتورة البضاعة او يتجاهلونها قصداً وعند ضبط المخالفة لديهم يلقون التهم جزافاً على تجار الجملة بانهم لا ينظمون لهم الفواتير النظامية بحجة التهرب الضريبي من المالية لذا فالمسؤولية تقع على عاتق الرقابة التموينية في ضبط هذه المسألة باعتبار ان تجار المفرق هم اساس المشكلة. وشاطره في هذا الرأي احد المسؤولين في لجنة سوق الهال بحلب مضيفاً: ان العمل بالفاتورة ينظم العمل وآلية البيع ويمنع استغلال المواطن والغش والتلاعب بالاسعار.
الا انه وبلقاءالعديد من باعة المفرق اكدوا ان تجار السوق لا ينظمون الفواتير البيعية باعتبار ان الكميات التي تباع ليست بالكبيرة وهي بكميات قليلة تباع الى المحلات والاسواق الشعبية في المحافظات لذلك لا داع لتنظيمها هرباً من ملاحقات الرقابة المالية والتموينية، مقدور عليها.؟
ونحن نريد ان نصدق ما يقولون. هل نصدق اجراءات وزارة الاقتصاد التي ما زالت دون المستوى المطلوب بدليل وجود 40% من حجم الضبوط والمخالفات التموينية لعدم الاعلان عن الاسعار وتنظيم الفواتير.؟
ام نصدق تجار الجملة الذين يلقون بالكرة في ملعب تجار المفرق.؟ام نصدق تجار المفرق الذين يلقون الكرة في ملعب تجار الجملة وإلا فتصادر المالية على السواء عن طريق عدم قدرتهم على ضبط الفعاليات التجارية في الاسواق الرئيسية في المحافظات.!
هذه الحلقة على ما يبدو مفقودة فهل تمتلك وزارة الاقتصاد والتجارة مفاتيح الحل من خلال الدراسات التي تقوم بها حالياً لمعالجة هذه الظاهرة والوصول الى سوق مستقر من ناحية توفر السلع والمواد ومنع عمليات الغش وضبط آليات البيع والشراء فيه ورفع الشبهات عن مراقبيها؟
علنا نشهد ذلك في الوقت القريب.؟
سامي عيسى
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد