التنظيم الدولي لـ«الإخوان» يبحث تداعيات الهزيمة
ما زال «الإخوان المسلمون» يبحثون في تداعيات الهزيمة التي لحقت بهم بعدما أسقطت «ثورة 30 يونيو» نظامهم في مصر وسبل الخروج من الواقع الجديد واحتواء امتداداته الإقليمية والدولية. وللمرّة الثانية منذ عزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز الماضي، تقاطر ممثلون عن التنظيم الدولي لـ«الإخوان» إلى اسطنبول، لمناقشة الموقف من التحولات في دول «الربيع العربي» وسبل التعامل مع «الانقلاب على إرادة الشعوب»، وهي التسمية التي يعتمدونها في وصف الفعل الثوري للشعب المصري.
وعلى غرار الاجتماع الأول الذي عقد في اسطنبول في أواسط تموز الماضي، اي بعد نحو أسبوع على عزل مرسي، يحظى الاجتماع الحالي برعاية رسمية من حكومة رجب طيب أردوغان، وهو يعقد تحت ستار «منتدى المفكرين الإسلاميين» و«المنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين»، وهما مؤسستان تتهمان بأنهما واجهتان للجهاز السياسي في التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين».
لكن اللافت في هذا الاجتماع، هو المعلومات التي أوردتها وسائل إعلام عدّة، من بينها شبكة «سكاي نيوز عربية»، عن عقد اجتماع موازٍ للتنظيم الدولي بعيداً عن الأضواء في مدينة لاهور الباكستانية، وذلك بدعوة من «الجماعة الإسلامية» الباكستانية، والهدف منه وضع خطة عمل لمواجهة ما أصاب التنظيم في مصر من جهة، وما يمكن أن يحدث في سوريا في ضوء التطورات الأخيرة من جهة ثانية.
وبحسب جدول الأعمال والأوراق التحضيرية لمؤتمر اسطنبول، فإن ممثلي «التنظيم الدولي» سيبحثون «الموقف الدولي من التحولات الديموقراطية في دول الربيع العربي، والخطاب السياسى الإسلامي المستقبلي، ومستقبل العلاقات مع النظام الدولي والغربي والإقليمي، والموقف من الديموقراطية والحريات في المنطقة».
ويحظى مؤتمر اسطنبول برعاية رسمية تركية حيث ألقى نائب رئيس الحكومة التركية بولينت ارينتش كلمة في الافتتاح.
ويعقد المؤتمر بالشراكة مع كل من «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، «المجلس التنسيقي الإسلامي»، «معهد التفكير الإستراتيجي»، «مؤسسة قرطبة للاستشارات»، «مركز الدراسات والاستشارات الحقوقية»، و«الحملة العالمية لمقاومة العدوان»، وبمشاركة نحو 160 شخصية فكرية من أكثر من 30 بلداً عربياً وغربياً.
ويشارك في المؤتمر، إلى جانب الوافدين من دول عربية وإسلامية، عدد من الإسلاميين أو المتعاطفين معهم من دول أوروبا واميركا الشمالية، بحسب «سكاي نيوز».
ويثير عقد المؤتمرين تساؤلات عدّة بشأن الطريقة التي سيتعامل معها التنظيم الدولي مع التطورات الجارية في المنطقة العربية، وخصوصاً بعد الضربة الأمنية العنيفة التي تعرّض لها «الإخوان» في مصر، ومن آخر فصولها الحكم القضائي بحظر أنشطة الجماعة، وفشلهم في تحريك الشارع ضد «ثورة 30 يونيو»، واخفاقهم في حشد التأييد الدولي لمحاصرة العهد الجديد المنبثق عن هذه الثورة الشعبية.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور كمال الهلباوي، القيادي السابق في الإخوان والمتحدث الأسبق باسم التنظيم العالمي للجماعة في أوروبا، لـ«السفير»، إن «اجتماعي التنظيم الدولي للإخوان في اسطنبول ولاهور يستهدفان مراجعة وتقييم الأداء، وبحث موقف الجماعة في مصر، لعل تلك القيادات تجني بعض الفوائد من تلك الاجتماعات».
ويرى الهلباوي أن التنظيم يعيش حالياً حالة من التخبط بعد حديث الرئيس الأميركي باراك أوباما عن فشل حكم مرسي، وذلك خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الأول، وتراجعه في الحديث عن مصر ودعم «الاخوان المسلمين».
بدوره، يقول أحمد بان، الباحث المتخصص فى شؤون الإسلام السياسى، والعضو السابق في «الإخوان المسلمين»، لـ«السفير»، إن «الاجتماعين يستهدفان التفكير في مستقبل الجماعه بعد حكم الحظر»، لكنه يشير إلى أن «ثمة قضايا أكثر أهمية مطروحة على جدول الأعمال»، موضحاً أن «من بين الأفكار الرئيسية المطروحة للنقاش إمكانية اللجوء إلى العنف وتقييم التداعيات المحتملة لهذا الخيار».
وبالنسبة إلى مؤتمر اسطنبول، تقول مصادر مطلعة إن هذا الاجتماع يختلف عن الاجتماع السابق الذي عقد في المدينة التركية في الرابع عشر من تموز الماضي، إذ يبدو من عنوانه أنه مخصص بشكل اساسي لمناقشة الملف المصري، وتداعيات ما حدث في مصر على دول أخرى في العالمين العربي والإسلامي.
وتشير المصادر إلى أن مؤتمر اسطنبول ينقسم إلى محورين رئيسيين:
الأول: التجربة الديموقراطية في البلاد الإسلامية، من خلال التجارب التي حصلت في ظل الثورات (مصر وتونس وليبيا)، وتجارب أخرى حظيت بالاستقرار (تركيا وماليزيا).
الــــثاني: الموقــــف الدولي من التحولات الديمـــــوقراطية فــــي دول «الربيـــــع العربي» من خلال موقـــــف الحكــــومات الغربية والعربية، وكــــذلك موقـــــف المنظمات الــــدولية، ومستقـــبل دول الثورات والسيناريوهات المتوقعة.
وسيتطرق البحث إلى الخطاب السياسي الإسلامي المستقبلي، وكذلك مستقبل العلاقات مع النظام الدولي الغربي والإقليمي.
ونقلت صحيفة «المصري اليوم» عن مصادر قريبة من التنظيم أن «الاجتماع جاء بسبب الأحداث التي يتعرض لها إخوان مصر بعد الحكم القضائي بحظر الجماعة وأنشــــطتها وما سبقها مــــــــن أحداث، من عزل محمد مرسي، والقبض على الدكتــــور محمد بديع المرشد العــــام للجماعة وقــــيادات الإرشــــاد وحــــزب الحرية والعـــدالة الذراع السيـــاسية للجماعة».
وأضافت أن «التنظيم يبحث عدداً من التوصــــيات التي تخــــص وضع الإخوان فى مـــــصر وكيفية تحــــريك المجــــتمع الدولي والمنظمات الحقوقيــــة العـــــالمية تجاه التجاوزات القانــــونية والحــــقوقية لفعاليات الإخوان».
وأكدت أن هناك منظمات تابعة لـ«الإخوان» حضرت فعاليات المؤتمر الذي من المنتظر أن يقر حزمة من التوصيات، ومن بينها «تشكيل لجنة حقوقية دولية لمتابعة الجرائم في دول الربيع العربي، وتحديداً في مصر، وتوثيقها وملاحقة مرتكبيها قانونياً، بالإضافة إلى تدشين لجنة فكرية متخصصة لدراسة ثورات الربيع العربي ومسارات التحول الديموقراطي فيها، وإنشاء صندوق مالي دولي لرعاية الضحايا، وتشكيل لجنة إعلامية دولية لتوثيق ورصد ما يحدث من تجاوزات».
وأشارت المصادر إلى وجود خلافات بين عدد من ممثلي التنظيم بسبب جدول أعماله الذي يفرض مشكلة مصر كمحور رئيسي، بالإضافة إلى رفض عدد من أعضاء التنظيم الدولي المشاركة في المؤتمر، ومن بينهم أعضاء في وفود بعض الدول الأوروبية.
وفيما يتابع الإعلام مؤتمر الاسلاميين في اسطنبول، يعقد اجتماع قيادات في تنظيمات «الإخوان المسلمين» في دول مختلفة، في مدينة لاهور الباكستانية بعيداً عن الأضواء بهدف وضع خطط العمل لمواجهة ما أصاب التنظيم في مصر».
وبحسب صحيفة «المصري اليوم» فإن اجتماع لاهور كان من المفترض أن يكون سرّياً، لكن «جهة سيادية» سرّبت لقطات مصوّرة منه لقناة «سكاي نيوز» بعد ساعات من افتتاحه.
وبحسب «سكاي نيوز» فإن اجتماع لاهور هو «الأهم»، مقارنة باجتماع اسطنبول، مشيرة إلى أنه سيبحث «الخطوات العملية على الأرض للتحرك، وتحديدا في مصر، لإسقاط السلطة الانتقالية التي تولت الحكم بعد عزل محمد مرسي».
وكان المؤتمر الأول الذي عقد في اسطنبول قد أوصى بعدد من الاجراءات مثل الاستعانة بعدد من رجال الدين المقبولين شعبيا للتعبئة ضد السلطات المؤقتة في مصر، وكذلك ابراز «وجوه معتدلة» في الاعلام والمحافل العامة، ومواصلة الاحتجاجات التي تستهدف تعطيل الحياة العامة في مصر، خاصة في العاصمة القاهرة والمدن الرئيسية الأخرى لإرباك الحكومة الانتقالية وتشتيت جهودها، وتوفير مادة للإعلام المتعاطف مع الإخوان للترويج لتدهور الأوضاع في مصر.
ومع فشل تلك التحركات في حشد تأييد شعبي متزايد، أو تغيير موقف العالم مما يجري في مصر، يتوقع أن يبحث المجتمعون في أساليب أخرى للتحرك وفي سبل تمويلها وتنفيذها.
ولا يعرف بعد ما الذي يمكن أن يلجأ إليه الإخوان في مصر، إلا «سكاي نيوز» أشارت إلى أن اختيار باكستان تحديداً مكاناً لعقد الاجتماع يوحي بأن التكتيكات الجديدة ربما تكون أقرب لممارسات الجماعات الإسلامية التي انبثقت عن الإخوان منذ السبعينيات وحتى نهاية القرن الماضي.
وبحسب القناة فإن من أبرز المشاركين في اجتماع لاهور: محمود احمد الابياري (الأمين العام المساعد في التنظيم العالمي ـ مصر)، ابراهيم منير مصطفى (أمين التنظيم العالمي ـ لندن)، محمود حسين حسن (عضو مكتب الارشاد ــ مصر)، همام سعيد (المراقب العام لـ«الإخوان» – الاردن)، عبدالمجيد ذنيبات (عضو مكتب ارشاد عالمي ـ الأردن)، عبدالعزيز منصور (اليمن)، فارع السويدي (اليمن)، محمد الحمداوي (المغرب)، محمد نزال (حركة حماس)، محمد حسين عيسى (الصومال)، عبد الهادي اوانج (ماليزيا)، علي جاويش (السودان)، بشير الكبتي (ليبيا)، محمد الحسن الددو (موريتانيا)، محمد شقفة (سوريا)، احمد الدان (الجزائر)، عبد الفتاح مورو (تونس)، محمد فرج احمد (كردستان).
يذكر أن باكستان شهدت منذ فترة قليلة عودة نواز شريف إلى الحكم، ومعه «حزب الرابطة الإسلامية» المعروف بتوجهاته الاسلامية، والذي ولد من رحم نظام الرئيس الراحل ضياء الحق.
ومعروف ان التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين» ولد بشكل رسمي في العام 1982، بتوقيع من المرشد الخامس مصطفى مشهور، بعد هروبه إلى المانيا، خشية اعتقاله في مصر، لكن قسم الاتصال بالعالم الاسلامي انشئ على يد المرشد المؤسس حسن البنا.
وكان الهدف من قسم الاتصال بالعالم الاسلامي انشاء فروع لـ«الإخوان» خارج مصر، وخلال سنوات قليلة نجح القسم في ربط الجماعة بالعالم، حيث تم تأسيس عدد كبير من الفروع في العالم الإسلامي من اندونيسيا إلى المغرب.
ولاشك أن النواة الحقيقية للتنظيم الدولي، أتت عقب تصادم عبدالناصر معها (1954)، حيث غادرت بعض قيادات «الإخوان» مصر، واستقر بعض منهما في لبنان والكويت والسعودية ودول الخليج، حيث تم تأسيس عدد من الجمعيات والشركات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية الدعوية التي كانت القاعدة التي تأسس عليها التنظيم الدولي. وكان سعيد رمضان، زوج ابنة البنا، صاحب جهد كبير في هذا الصدد بسبب علاقاته الاقليمية والدولية.
ظل التنظيم يعبر عمّا يمكن وصفه بـ«أممية إخوانية»، حتى حرب الخليج، الانقسام الذي حدث حول شرعية الاستعانة بالقوات الاجنبية لطرد الرئيس العراقي صدام حسين من الكويت، حيث اعلن «اخوان» الكويت انفصالهم عن التنظيم العالمي، ومن ثم جاء تمرّد القيادي الإسلامي السوداني حسن الترابي على هذا التنظيم. كما أن وفاة مصطفى مشهور، ومبايعة مأمون الهضيبي مرشداً سادساً، اضعف فكرة التنظيم الدولي، خصوصا أن الأخير كان معارضاً لوجود هذا الإطار باعتبار أن «أهل مكة ادرى بشعابها».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد