تونس: الحوار ينتظر تعهّد الحكومة بالاستقالة وتعهدات بالثأر للشهداء
بعد فشل الانطلاق الرسمي للحوار الوطني في تونس أمس الأول، تواصلت المشاورات في محاولة لإعادة إطلاقه اليوم قبل أن تتحول مبادرة «الرباعية» الراعية للحوار، بدورها، عنصراً جديداً من عناصر الأزمة السياسية في البلاد المستمرة، خصوصاً منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز الماضي، فيما يتواصل انكشاف مؤشرات انفلات أمني، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي العثور على سيارة «جاهزة للتفجير» في ولاية سيدي بوزيد، والذي ترافق، أمس، مع تشييع مهيب لعدد من عناصر الحرس الوطني الذين سقطوا في الولاية ذاتها.
وفي وقت متأخر من ليل أمس الأول، وبعد تعهد مشروط بالاستقالة قدمه رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض، ورفضته المعارضة، أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي تأجيل الحوار الوطني إلى صباح اليوم.
وقال إنه «تم البحث خلال اجتماع الرباعي الراعي للحوار مع الأطراف الموقعة على خريطة الطريق مسألة إجراء مزيد من التشاور مع رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض لتقديم مزيد من التوضيحات حول الخطاب الذي ألقاه اليوم (أمس الأول) بخصوص تعهد الحكومة بالاستقالة».
وما تسمى بـ«الرباعية» الراعية للحوار الوطني تتكون من اتحاد الشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وقد أطلقت «الرباعية» مبادرتها في 17 أيلول الماضي، وتنص خصوصاً على تشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات المقبلة تحلُّ محلّ الحكومة الحالية، التي تتعهّد بتقديم استقالتها في غضون ثلاثة أسابيع بعد انطلاق الجلسة الرسمية الأولى للحوار.
وبدا واضحاً، أمس، أنّ أطراف المعارضة لن تقبل بالمشاركة في الحوار قبل أن يقدم علي العريض تعهداً صريحاً بالاستقالة، من دون ربط ذلك بأي بند آخر، وتحديداً بما يخص أعمال المجلس الوطني التأسيسي.
وأكد عضو «جبهة الإنقاذ الوطني»، التي تضم غالبية أطياف المعارضة، الجيلاني الهمامي أن أحزاب الجبهة قررت تعليق مشاركتها في الحوار الوطني وذلك إلى حين توضيح موقف الحكومة بصورة صريحة. وقال أنه بعد الاستماع إلى تصريح رئيس الحكومة «اعتبرنا أن الخطاب غامض ويربط المسارات بعضها ببعض».
وفي السياق ذاته، ذكر عضو «جبهة الإنقاذ» القيادي في «الحزب الجمهوري» عصام الشابي أن الجبهة منحت الرباعي الراعي للحوار مهلة يوم واحد للاتصال برئيس الحكومة والحصول على «توضيح كتابي صريح» منه باستقالة الحكومة.
وبدوره، قال حزب «نداء تونس»، أكبر أحزاب المعارضة، في بيان وقعه رئيسه الباجي قائد السبسي، أنه «لا معنى ولا جدوى للعودة إلى الحوار من دون تعهد الحكومة الرسمي والكتابي الممضي بالاستقالة وفقاً لخريطة الطريق»، مضيفاً أن «تحمّل حركة نداء تونس رئيس الحكومة المؤقت المسؤوليّة الكاملة في إفشال الحوار الوطني وإهداره لفرصة ثمينة للانطلاق الرّسمي والفعلي في مسار توافقي لإنقاذ تونس».
من جهتها، قالت «حركة النهضة»، في بيان خصص للتنديد بـ«الإرهاب» الذي ضرب قوات الأمن في ولاية سيدي بوزيد أمس الأول، «تدعو (الحركة) الجميع إلى دعم الوحدة الوطنية والتعاون من أجل المصلحة العليا للبلاد وتنمية عناصر العيش المشترك والعمل على إنجاح الحوار الوطني باعتباره أحسن ردّ على الإرهاب».
في غضون ذلك، تعتبر مصادر متابعة لسياق الأزمة التونسية أنّ الأمور عالقة عند نقطة استقالة الحكومة نظراً إلى أن «حركة النهضة»، التي تترأس الحكومة الحالية، تخاف من أي بديل، خصوصاً أن الحكومة المقبلة ستشرف على الانتخابات التي من المفترض أن تقام خلال العام المقبل.
وبعد يوم على مقتل ستة من عناصر الأمن وإصابة 4 آخرين في مواجهات مع مسلحين في ولاية سيدي بوزيد تعهد المجلس الأعلى للأمن، الذي انعقد أمس بحضور رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة علي العريض ورئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر ووزراء آخرين وقادة أجهزة أمنية وعسكرية، بالقضاء على «المجموعات الإرهابية».
وبحسب البيان، فقد شدّد الرؤساء الثلاثة على أنّ هذه الاعتداءات «الإرهابية الجبانة» لن تزيد التونسيين إلا «إصراراً على مواجهة ظاهرة الإرهاب والانتصار عليها»، كما أشاد المجلس بتضحيات قوات الحرس والأمن والجيش وجهودهم المتواصلة في الذود عن الوطن.
يذكر أنه إضافة إلى المواجهات التي وقعت في ولاية سيدي بوزيد، فإنّ مدينة منزل بورقيبة في محافظة بنزرت شهدت في وقت متأخر من مساء أمس الأول مقتل شرطي وإصابة آخر على يد مسلحين مجهولين.
وشاركت حشود كبيرة، أمس، في ولاية الكاف في شمال غربي البلاد في جنازة الضابط سقراط الشارني، الذي قتل في سيدي بوزيد. وقال شهود أن طريقاً طولها خمسة كيلومترات امتلأت بالمشيّعين الذين رددوا شعارات معادية لـ«حركة النهضة».
وقالت وسائل إعلام محلية أن الجنازة كانت من «أكبر» الجنازات التي شهدتها تونس، وقدرت عدد المشاركين فيها بعشرات الآلاف. وردد المشيعون شعارات من قبيل «يا غنوشي يا سفاح.. يا قتّال الأرواح».
وقال والد الضابط أنه يرفض قبول العزاء في ابنه إلا بعد «الثأر» من «حركة النهضة» التي اتهمها بقتله.
وترافق التشييع مع إقدام متظاهرين على إحراق مقر «النهضة» في مدينة الكاف، فيما أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لمنع متظاهرين حاولوا اقتحام مقر الولاية.
وأعلنت وسائل إعلام محلية أن عناصر من جميع أسلاك الأمن في مركز ولاية الكاف تظاهروا في شوارع المدينة رافعين شعارات تطالب «بحماية الأمنيين» من هجمات المجموعات المسلحة.
وأعلنت «النهضة» كذلك أن خمسة من أنصارها أصيبوا بجروح في هجوم شنه متظاهرون على مقرّها في مركز ولاية باجة، إثر إقامة جنازة شرطي.
ومساء، نظم مناصرون لـ«النهضة» تجمعاً في شارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس العاصمة «دعماً للحكومة».
بموازاة ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي عن عثور قوات الأمن على سيارة «جاهزة للتفجير» في منطقة سيدي علي بن عون في ولاية سيدي بوزيد، حيث قتل عناصر الأمن.
وقال العروي أنه «تم حجز أسلحة ومتفجرات، وكمية من مادة تي إن تي وحزامين ناسفين، وسيارة مفخخة فيها ثلاث اسطوانات جاهزة للتفجير» في المنزل، حيث تحصّن المسلحون.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد