سحل وضرب واعتقال: صحافيّو مصر، عود على بدء
لا شيء تغيّر في مصر إزاء طريقة التعامل مع الصحافيين والمصورين. هذه القاعدة أكدّتها أوّل من أمس وزارة الداخلية المصرية عندما ضربت رقماً قياسياً غير مسبوق في كمّ الاعتقالات التي واجهها الصحافيون والمصورون أمام مجلس الشورى القريب جداً من ميدان التحرير في قلب القاهرة. ولا يبدو أنّ وزارة الداخلية تعلّمت الدرس الذي قدّمه هذا الميدان الذي شهد قبل أقل من ثلاث سنوات ثورة أطاحت الرئيس السابق محمد حسني مبارك بسبب أداء وزارة الداخلية. البداية كانت عندما دعا عدد من النشطاء إلى تظاهرة بعنوان « «كُل فشار ــــ يسقط قانون التظاهر» احتجاجاً على قانون التظاهر الذي صدر قبل ثلاثة أيام. بحسب النشطاء، فإنّ هذا القانون يحدّ من الحرية التي حصل عليها المصريون في ما يخصّ التظاهر والاحتجاج.
هي الحرية نفسها التي جعلت الشارع ينجح ـــ بمساعدة الجيش ـــ في إطاحة الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، مطلع شهر تموز (يوليو) الماضي. تطبيقاً للقانون الجديد، عمدت وزارة الداخلية الى فضّ التظاهرة، مستخدمة كل وسائل العنف مع المحتجين، بدءاً من خراطيم المياه، وصولاً إلى الضرب والسحل، وطبعاً الاعتقال لأكثر من 40 شخصاً، من بينهم 13 فتاة. غير أنّ الاعتقالات لم تطل النشطاء فقط، بل الصحافيين الذين يغطّون التظاهرة، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض النشطاء هم صحافيون في الوقت نفسه.
عبير سعدي، العضو البارزة في مجلس «نقابة الصحافيين»، أعلنت أخيراً أنّ قائمة المعتقلين من الصحافيين سواء كانوا أعضاء أو غير أعضاء في النقابة، شملت كلاً من أحمد رجب (صحيفة «المصري اليوم»)، وعمر ساهر (مصوّر في صحيفة «المصري اليوم»)، وإيمان عوف (جريدة «المال»)، ومحيي مصطفى (جريدة «المال»)، ومحمد حسني إمام (مصوّر وصحافي)، ودوللي محمد بسيوني (صحافية مستقلّة)، إضافة إلى عفاف ممدوح (صحافية مستقلة)، ونادر نبيل (صحافي في موقع «مصراوي»)، والحسيني محمد (مصور في موقع «البديل»)، ومصطفى المرصفاوي («المصري اليوم»)، ومصطفى يسري مصطفى، وأحمد عبده، وعمرو عادل عبد الحميد (مصوّر حرّ)، ورشا عزب (جريدة «الفجر»)، ومحمد عبد الحكيم (موقع «البديل»)، ومحمد أمر.
هذا العدد الكبير من الاعتقالات بحق الإعلاميين، أسهم في انطلاق حملة غاضبة ضدّ وزارة الداخلية، وضدّ حكومة حازم الببلاوي (رئيس الوزراء) بشكل عام، وخصوصاً مع وجود عدد من النشطاء والمتظاهرين رهن الاعتقال، أبرزهم: منى سيف مؤسسة «حركة لا للمحاكمات العسكرية» والمخرجة عايدة الكاشف. وأعرب نقيب الصحافيين ضياء رشوان عن نيّته تجميد عضويته في «لجنة الخمسين» المعنية بكتابة الدستور المصري الجديد، إضافة إلى مجموعة أخرى من أعضاء اللجنة، لغاية الإفراج عن المعتقلين عموماً والصحافيين خصوصاً. وتبعه في ذلك وكيل مجلس النقابة، والعضو الاحتياطي في اللجنة جمال فهمي، والمخرج السينمائي خالد يوسف الذي هاجم صدور القانون في هذا التوقيت. بينما قلّل بعض النشطاء من تأثير ردود فعل أعضاء اللجنة كون الاعتقالات والاعتداءات حدثت على أبوابها، حيث تتخذ «لجنة الخمسين» من «مجلس الشورى» مقرّاً لها. هذا الأمر يؤكّد أنّ وزارة الداخلية تريد العودة إلى ممارسات ما قبل «يناير 2011»، من دون أن تكون لدى أيّ مؤسسة القدرة على محاسبتها في هذه التصرّفات. وبينما تردّد عن نيّة الحكومة مراجعة قانون التظاهر، أعلنت الداخلية أنّها ستواصل تنفيذ القانون، رغم أنّ تظاهرات إخوانية انطلقت في اليوم نفسه ولم تعامل بالمثل. ولم يقدّم المسؤولون في الشرطة أيّ إجابة مقنعة حول سبب اعتقال الصحافيين والمصوّرين، بينما نجح البعض منهم في نقل صور تؤكّد العنف المفرط في التعامل مع المحتجين. وكما كان متوقعاً، لم تنل التغطية التلفزيونية للحدث رضى النشطاء والمنتمين إلى «ثورة يناير» تحديداً. وشنّ هؤلاء هجوماً على الإعلامي ابراهيم عيسى مقدّم برنامج «25/30» (قناة «أون تي في»)، والإعلامي أحمد موسى على قناة «التحرير»، والإعلامية أماني الخياط مقدمة برنامج «صباح أون» (أون تي في)، وخصوصاً أنّ الأخيرة شكّكت برواية المعتقلات اللواتي أكّدن أنّ سيارة الداخلية ألقت بهنّ في منطقة صحراوية قريبة من مقرّ الاحتجاز بعد الإفراج عنهن. وكان تشكيك الخياط بعيداً عن المعلومات، بل اعتمد على أن تلك المنطقة لا تحوي صحراء، وكأنّ المشاهدين لا يفهمون جغرافيا الموقع جيداً. كما هوجم أولئك الإعلاميون بسبب ما سموه حرصهم على الدفاع عن وزارة الداخلية، واتهام النشطاء بمحاولة تفجير الوضع السياسي، وإعطاء الإخوان الفرصة لإفساد خريطة الطريق، رغم أن قانون التظاهر صنعته الحكومة نفسها التي جاءت إلى السلطة بالتظاهر على حدّ قول النشطاء.
محمد عبد الرحمن
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد