الاستقالة المفاجئة لحكومة الببلاوي بين احتواء غضب الشارع المصري والتمهيد لترشح السيسي
في خطوة «مفاجئة»، وفي توقيت غير متوقع، تقدم رئيس مجلس الوزراء المصري حازم الببلاوي، أمس، باستقالة حكومته الى الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، الذي ينتظر أن يوقع خلال الأيام القليلة المقبلة قانون الانتخابات الرئاسية، تمهيداً لدعوة الهيئة الناخبة لاختيار رئيس جديد للبلاد بعد سقوط نظام «الإخوان المسلمين».
يأتي ذلك، في وقت ما زال وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي متريثاً في الإعلان رسمياً عن خوضه السباق الانتخابي، وإن كان البعض يرى في استقالة الحكومة، اقتراب تصاعد الدخان الأبيض الرئاسي من وزارة الدفاع، حيث من المتوقع أن يعقد المجلس العسكري اجتماعاً جديداً لاتخاذ القرار المناسب، سواء بإعادة ترشيح المشير لمنصب وزير الدفاع، أو اختيار بديل منه لكي يتفرّغ لحملته الرئاسية.
وبحسب مصادر صحافية، فإن التوافق على استقالة الحكومة قد تمّ التوصل اليه خلال الساعات الماضية، ولذلك، فقد دُعي مجلس الوزراء الى اجتماع عاجل بكامل هيئته. وأشارت المصادر الى أن الاجتماع لم يستغرق سوى نصف ساعة. وأضافت المصادر أن نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع والإنتاج الحربي المشير عبد الفتاح السيسي تقدّم باستقالته، ومن ثم تلاه في الخطوة ذاتها نائب رئيس الوزراء وزير التعليم العالي حسام عيسى. وبعد ذلك عرض الببلاوي نص استقالة الحكومة، التي تمت الموافقة عليها.
وفي خطاب متلفز، قال الببلاوي إن «المجموعة التي دخلت في الحكومة مجموعة تتمتع بدرجة عالية من الكفاءة والإخلاص... وقبلت تحمل المسؤولية وأود أن أشكر كلاً منهم في هذه المناسبة».
ودعا الببلاوي الشعب في خطابه إلى مساندة الحكومة الجديدة، مؤكداً «قطعنا شوطاً هاماً في مسيرتنا نحو بناء مجتمع ديموقراطي بوجود الدستور، الذي تم التوافق عليه، ثم الاستفتاء بغالبية مذهلة»، وإلى الابتعاد عن «المصالح الفئوية» من أجل بناء مصر.
وواجهت الحكومة المستقيلة سلسلة من الإضرابات الفئوية والعمالية للمطالبة بحقوقهم المالية. وكان الاجتماع الحكومي الأخير الذي عُقد صباح امس محاصراً بالتظاهرات والاحتجاجات.
والى جانب الإضرابات والاعتصامات التي تنظمها فئات عمالية واسعة، وأبرزها إضراب عمال شركة الغزل والنسيج في المحلة، فإن القاهرة تعيش منذ يومين من دون حافلات النقل العام بسبب إضراب السائقين. وقد دفع هذا الإضراب برئيس هيئة النقل العام هشام عطية للاستعانة بحافلات تابعة للقوات المسلحة لتبدأ في العمل خلال 48 ساعة مؤقتاً.
ونقلت صحيفة «الوطن» عن «مصدر سيادي» قوله إن حكومة الببلاوي تقدمت ثلاث مرات باستقالتها خلال الفترة الماضية، وكانت آخرها الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أنه تأجل البت في هذه الاستقالة نظرا للظروف التي تمر بها البلاد.
وكشف المصدر أنه «تم للمرة الأولى رفع تقارير سيادية لرئاسة الجمهورية عن أداء الحكومة، والتي أكدت أن هناك حالة من الغليان في الشارع المصري»، لافتا إلى أن «الأجهزة السيادية ناشدت الرئاسة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتهدئة الشارع، خاصة بعد وصول تقارير تؤكد أن جماعة الإخوان تخطط لاستغلال المطالب الفئوية والإضرابات لإشعال الشارع المصري، ما سيؤدي إلى مزيد من العنف والتوتر».
وأعلن المتحدث باسم الحكومة قبول الرئيس الاستقالة وتكليفها بتسيير الأعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة، موضحا أن منصور وافق على الاستقالة سريعاً لأنه تم التنسيق والتشاور قبل الإعلان رسميا.
وأشارت مصادر رئاسية وصحافية الى قرب تكليف وزير الإسكان في الحكومة المستقيلة المهندس ابراهيم محلب بتشكيل الحكومة الجديدة.
وعقب زيارة قام بها لقصر الاتحادية الرئاسية، بدعوة من المستشار عدلي منصور، توجه محلب الى مسجد السيدة زينب، حيث أدى الصلاة، ثم قابل وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم.
وفوجئ المصريون بالاستقالة التي لم يتردد أي حديث بشأنها خلال الفترة الماضية، حتى ان الببلاوي سبق أن قال قبل أربعة أيام، في مقابلة مع صحيفة «المصري اليوم»، إنه من المبكر الحديث عن تعديل وزاري، مشدداً على أن حكومته مستمرة في أداء مهامها، حتى ان معظم المحللين استبعدوا تشكيل حكومة جديدة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.
وأرجع عدد من السياسيين والمحللين استقالة حكومة الببلاوي إلى كثرة الإضرابات الفئوية، وعدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، واتخاذ القرارات ثم التراجع عنها، بالإضافة الى عدم الانسجام على المستوى الوزاري.
وقال رئيس «حزب النور» السلفي الدكتور يونس مخيون إن استقالة حكومة الببلاوي كانت متوقعة، مؤكداً في بيان، أن «الحكومة السابقة كانت ضعيفة جداً، بل منعزلة عن الشعب وعن الواقع، وقد فشلت في التعامل مع المطالب الفئوية والإضرابات».
وأكد نائب رئيس «حزب النور» لشؤون الإعلام نادر بكار أن الحزب يرحب بترشيح محلب لرئاسة الحكومة الجديدة، مضيفاً «كنا من أوائل من شجع طرح بأن يتولى محلب أو الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الأسبق، رئاسة الوزراء، نظراً إلى تمتعهما بالخبرة، وخصوصاً في المجال الاقتصادي».
من جهته، قال المحلل السياسي وحيد عبد المجيد ان «الوجهة كانت تميل الى ان تستمر الحكومة في أداء مهامها، مع استبدال عدد محدود من الوزراء، ولكن من الواضح أن رئاسة الجمهورية أدركت أن الغضب قد زاد في الشارع المصري، فتقرر أن تستقيل الحكومة بأكملها».
بدوره، قال الخبير في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية» عمرو هاشم ربيع إن «الشارع المصري لديه إحباطات كثيرة بسبب هذه الحكومة التي لم تحقق له أي إنجاز، ولم تحل له أي مشكلة منذ مجيئها».
وفيما ربط البعض بين الاستقالة وقرب إعلان السيسي ترشحه رسميا لرئاسة الجمهورية، قال ربيع إن «هذا الربط ليس صحيحا حتى الآن لأن السيسي لم يغادر مقر وزارة الدفاع حتى الآن، ولم يستقر في إعلان ترشحه بعد».
وكان مصدر عسكري قد قال إن المشير لا يزال يمارس عمله قائداً عاماً للقوات المسلحة بعد تقديم حكومة الدكتور حازم الببلاوي استقالتها، لحين تشكيل حكومة جديدة، مؤكدا أنه «مستمر في متابعة مهام عمله طبيعياً في المؤسسة العسكرية».
وأوضح المصدر العسكري أن السيسي سيعلن موقفه من انتخابات الرئاسة بعد إقرار قانون الانتخابات خلال الأيام المقبلة.
في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، في مداخلة عبر التلفزيون المصري الرسمي، ان «لا معنى لخروج الببلاوي، فالانتخابات ستجرى قريباً، وستكون هناك حكومة جديدة، وبالتالي فإن الحكومة المقبلة لن يكون لديها متسع من الوقت لتغيير السياسات القائمة». وربط نافعة بين استقالة الحكومة بترشح المشير السيسي للرئاسة، موضحاً أن «قانون الانتخابات سيصدر اليوم أو غداً، وسيلي ذلك إعلان المشير السيسي ترشحه، وبالتالي سيعاد تشكيل حكومة مشابهة، سواء رأسها الببلاوي أو ابراهيم محلب، وقد تشهد ملء الشواغر عبر تعيين 7 أو 9 وزراء، ولكن لا أظن أن سياستها ستكون مختلفة».
وفي أول رد فعل من قبل القوى الإسلامية المؤيدة لـ«الإخوان»، قال رئيس «حزب البناء والتنمية» طارق الزمر، الهارب إلى قطر، إن استقالة الحكومة «محاولة لتلميع اﻻنقلاب وخداع الفئات المتضررة، والتي تتصاعد احتجاجاتها».
مصطفى صلاح
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد