تقرير: مزارعو الزيتون السوري يهددون بهجر أراضيهم
تحوّل موسم الزيتون للمزارعين إلى عبء إضافي بدلاً من مصدر أساسي للرزق، حيث بات المزارع يضطر إلى دفع تكاليف "باهظة" قبل الوصول إلى مرحلة بيع الإنتاج، مع عدم موازاة أرباحه لمجمل ما يدفعه خلال كامل العملية.
وشكلت الأعباء المادية مع الصعوبات في تأمين مستلزمات الزراعة، عاملاً حفّز خروج عدد من المزارعين، وسبباً لآخرين للتفكير في ترك الأرض والتحول إلى مهنة أخرى.
بيع الزيت لتركيا بدلاً من دمشق
وبات "أبو حامد"، الذي يعيش قرب مدينة إدلب، مع أربعة من أبنائه، يعتمد على الزيتون كمصدر ثانوي للرزق، ويبين "أبو حامد"، أنّ أشياءً كثيرة اختلفت عن الماضي، أهمها ندرة اليد العاملة فمعظم الشباب هاجروا البلاد، والمزارعون باتوا يبحثون عن مصدر رزق يومي يغنيهم عن انتظار الموسم الذي لم يعد يعطي ربحاً جيداً، مشيراً إلى أنّ المستفيد من الزراعة ليس الفلاح، وإنما التجار الذين يسوقون الزيتون في الخارج.
وشرح أبو حامد أنّه بسبب صعوبة نقل الزيت إلى العاصمة والمدن الكبرى، يضطر المزارعون إلى بيع الزيت لتجار متخصصين يقومون بإرساله إلى تركيا، بالتعاون مع شبكة ضخمة هناك، تتولى مهمة تسويقه بأكثر من 20 ألف ليرة للتنكة "18 ليتر"، بعد أن يشتروها من المزارعين بـ4000 ليرة، ناهيك عن ارتفاع تكاليف نقل الزيت من الأرض إلى المعصرة التي تضاعفت أجورها في الآونة الاخيرة.
وبدوره "يوسف الشيخ" أحد مزارعي منطقة "كفرنبل" بريف إدلب، اشتكى من صعوبات التعامل مع موسم الزيت الذي لم يعد "يحصّل همه".
المعاصر تعوض خسارتها من جيب الفلاح
وعبّر "سوار خليل" أحد مزارعي منطقة عفرين قائلاً: "إنّ نصف الأراضي أُهملت ولم تُستثمر هذا الموسم، فالأوضاع حالت دون وصول المواد اللازمة للزراعة، كما تلجأ المعاصر إلى تعويض خسارتها عبر رفع أجرتها وبيع كيس الخيش بـ200 ليرة، بعد أن كان يوزع مجاناً، إضافة لرفع سعر التنكة الفارغة من 100 ليرة إلى 800 ليرة، وبالتالي فإنّ المزارع هو الخاسر الأكبر في نهاية المطاف، لأنّنا لم نتمكن من تحقيق أيّة أرباح بل على العكس دفعنا مبالغاً من جيبنا لإكمال عملية عصر الزيت"، منذراً بعدم متابعته للزراعة في المواسم المقبلة فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه.
تاجر: أرقام الوزارة بعيدة عن الواقع
بينما وجد التاجر "أيمن حبال" أنّ السماح بتصدير الزيت يأتي على رأس العوامل التي أدت لارتفاع سعره، مبيناً أنّ "وزارة الزراعة" تذكر أرقاماً لا تتطابق مع واقع الزيتون في ظل الأزمة، مضيفاً "رغم الشرخ الواسع بين هذه التقديرات وواقع الزيتون، فإنّ وزارتي الزراعة والاقتصاد ومكتب الزيتون، جميعها تنظّم ندوات واجتماعات لتشجيع تصدير الفائض من زيت الزيتون، فالتصدير ضروري كونه يساهم في الدخل القومي، لكن ليس منطقياً أن يصدّر الزيت في وقت يصل فيه سعر التنكة الواحدة، في دمشق إلى ما يقارب راتب شهري لموظف".
وكانت سورية وإيران اتفقتا في 2012، على أن تقوم سورية بتصدير زيت الزيتون والحمضيات، مقابل أن تستورد من إيران البطاطا والأسمدة، حيث تم فتح السقف لأعلى درجة ممكنة، دون تحديد الكميات مع بقاء شرط المقايضة.
ثمن التنكة بدمشق ضعفي سعرها بمناطق الإنتاج
وكان قدوم شهر أيلول يتميز برائحة "المكدوس" تلك الأكلة الشعبية التي تتربع على جميع موائد الفطور، وبقدوم هذا الشهر تبدأ الأسر السورية التحضيرات للمونة، لكن هذا النوع من المأكولات لا يمكن حفظه دون كميات كبيرة من الزيت الذي يعتبر مكوناً رئيسياً فيها، إلا أنّ غلاء سعر الزيت، أجبر معظم الأسر على شطبه من قائمة المأكولات.
وارتفع سعر التنكة 18 ليتر من 3000 في الأعوام السابقة للأزمة، إلى 10000 ليرة، فانضم لقائمة الكماليات مع البيض واللحوم والألبان، رغم أنّه لم تدخل أية عناصر إضافية في إنتاج الزيت لأنّه منتج لموسم سابق، فضلاً عن الفرق الكبير بالسعر مقارنة مع مناطق إنتاجه، إذ تباع تنكة الزيت سعة 18 ليتر بـ4500 ليرة تقريباً.
أسباب مجهولة لارتفاع السعر
وتساءل المواطن "سامر" عن سبب ارتفاع سعر زيت الزيتون رغم أنّ سورية الثانية عربيا في الإنتاج، متهماً التجار بالوقوف خلف هذا الارتفاع اللامنطقي، بينما أشارت "رانيا" إلى أنّ الزيت مادة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها كبقية المواد، مطالبة المعنيّين بالتدخل لخفض سعره.
والزراعة تبرر
وحول الأسباب الكامنة وراء ارتفاع سعر الزيت، قال مدير التسويق في "وزارة الزراعة" مهند الاصفر: "السبب يعود لعدم وجود اتحاد نوعي متخصص بتسويق الزيت، وجمع الزيوت المنتجة على مدار العام من قبل هذا الاتحاد لتحقيق هامش ربح حقيقي للفلاح".
وتابع "إنّ تهريب كميات كبيرة من زيت الزيتون لبعض الدول المجاورة في فترات سابقة، كان سبباً إضافياً في ارتفاع سعره"، موضحاً أنّ جميع هذه الكميات تصدر دون أن يدخل خزينة الدولة أي مردود مادي.
وقدّرت "وزارة الزراعة" المساحة المزروعة بالزيتون بـ1647 ألف هكتار، وعدد الأشجار 100 مليون شجرة 77 مليون منها مثمرة، وإنتاج الزيت بحوالي 175 ألف طن، يستهلك منها 130 ويصدر الباقي.
أحمد حاج حمدو
المصدر: الاقتصادي
إضافة تعليق جديد