أبو غدير ينسج الريحان حفاظاً على تراث سوريا
بالرغم من أنَّ مهنته لم تعد حاجة استهلاكية للناس، إلَّا أنَّ العم أبو غدير ما زال يزاولها، ويسعى لتعليمها للأجيال الجديدة، ليس لغاية الكسب الماديّ، وإنَّما بهدف الحفاظ قدر الإمكان على تراث بلاده وهوية أجداده.
اسماعيل يوسف، ناسج الريحان في قرية بيت الذكرى في ريف اللاذقية الشمالي، يعمل في هذه المهنة منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، وينتج «السانونة، والقفير، والسلة، وقنديل الدبق، وقفص الشنكليش..»، من أعواد الريحان التي تنتشر بكثافة في منطقة سكنه، حيث تتمايل الأعواد في يده وكأنها خيوط يمررها في الفراغات ويشبكها بعضها ببعض بطريقة فنيّة بحتة.
منتجات أبو غدير كانت قبل بضعة عقود حاجة يوميَّة لأهالي الريف، يستخدمونها في مختلف مناحي الحياة المنزلية، حيث يوضع «مقلي البرغل» في السانونة، وتنقل الحنطة المسلوقة بالقفير، فيما يجمع التين بالسلة وتصاد العصافير بالدبق، بينما تخمّر أقراص الشنكليش بالقفص.
وبات متعارفاً الآن، أنَّ هذه المنتجات تُستخدم للزينة في المنزل والمطاعم السياحية، إلَّا أنَّ يوسف وجد لبعضها استخدامات أخرى، فبات يقدّم الفاكهة لضيوفه مستخدماً «السانونة» التي يقول إنَّها تُضيف لفاكهة قريته نكهةً ريفيّة وتراثيّة «بطعم الأجداد الأجلّاء».
مهنة الرجل السبعينيّ، تحتاج مرونة في الحركة وأسلوباً فنياً، والقطعة التي ينتجها تعيش لعقود من الزمن لكن بشرط يوضحه قائلاً: «إذا قطعنا أعواد الريحان من الطبيعة في فترة تناقص حجم القمر، فإنَّها تكون جيدة جداً وصلاحيتها مديدة، أمّا إذا قطعناها في وقت يزداد فيه حجمه، فإنَّها تكون بصلاحية قصيرة الأمد».
اختيار عود الريحان بالتحديد يأتي لكونه يتمتّع بالليونة التي تساعد الصانع على التلاعب به كما يشاء وتمريره بين الأعواد حسب الحاجة، فهذا النوع من المنتجات يكون دائرياً، ولا يوجد عود متـــجاوب وعمره مديد أكثر من عــــود الريحان، ناهيك عن رائحته الشهيّة وتوفّره بأطوال مختـــلفة تتناسب مع مختلف الأدوات التي يراد صناعتها سواء المتوسطة كالسانونة، أو الكبيرة كالقفير.
قبل سنين خلت، كان هذا الرجل الريفي يركب على حماره ويحمل معه منتجاته ويدور فيها بين الجبال والسهول لبيعها أو مقايضتها، وقد وصل في رحلاته إلى سهل الغاب وحدود تركيا. ويستذكر بحزن كيف كان يبيت معززاً مكرماً بين أهله في قرى الريف الشمالي الذي بات اليوم خارج سيطرة الدولة السورية، ويتمنّى لو يعود الزمن إلى الوراء لنعود إلى نقاء الريف.
ابن القرية التي لا تبعد عن سلمى ـ حيث تدور الحرب ـ سوى مئات الأمتار، ما زال يعيش في قريته وهو مليء بالنشاط والحيوية، وقد أقام مؤخراً ورشةً مصغرة حضرها بعض الشباب وحتى الكهول في القرية، لتعليمهم ما تيسّر من هذه المهنة، حتى لا تندثر.
ويقول، إنْ لم تنجح مساعيه في توريث مهنته، يكون قد ساهم في إحياء التراث وتعريف الأجيال أكثر بطريقة حياة أجدادهم، وكيف ابتدعوا من الطبيعة وسائل معيشتهم الخاصة.
ويختم أبو غدير حديثه بالقول: «التراث هوية، وهويتنا السورية غنية بما نفاخر فيه، وبقدر ما نحافظ عليها نحافظ على بلادنا، واستمراري بالعمل إلى الآن، رغم تقدمي بالسن وحاجة هذه المهنة إلى جدّ، سببهما أنّني أسعى من خلال ما أقوم به لممارسة دوري في الحفاظ على التراث السوري وعلى الهوية السورية».
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد