الجيش السوري يُعيد التوازن إلى الشمال
لم تعد سماء سوريا مفتوحة فقط أمام طائرات التحالف، الذي تقوده أميركا، والتي تؤازر الفصائل المعارضة، والطائرات الروسية التي تؤمن غطاء جوياً لعمليات الجيش السوري، ففي تطوّر جديد دخلت المقاتلات التركية على الخط في شمال البلاد ضمن إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكن بشكل «انتقائي»، حيث سجلت غارات عدة لطائرات تركية آزرت فصائل «تركمانية» مقاتلة في ريف حلب الشمالي بالتزامن مع معارك عنيفة تخوضها الوحدات الكردية مع مسلحي «داعش» شرق البلاد.
في هذا الوقت، يضع الجيش السوري لمساته الأخيرة لإعادة فتح طريق حلب - خناصر الذي يمثل «شريان الحياة» الوحيد لمدينة حلب، الأمر الذي يعيد التوازن للمناطق الشمالية من سوريا ويفتح الطريق أمام الجيش السوري لمتابعة عملياته في الريفين الجنوبي والشرقي للمدينة. كذلك تمكّن من تحقيق اختراق جديد على جبهة ريف اللاذقية الشمالي المحاذية للحدود التركية.
وفي حين تضجّ السماء السورية بالطائرات الحربية التي تقاتل «داعش»، كل على طريقتها ووفق أجندتها، سجل التنظيم اختراقاً ميدانياً جديداً وسط البلاد، حيث تمكن من السيطرة على قرية مهين التي تبعد عن مدينة حمص نحو 90 كيلومتراً، وذلك بعد معارك عنيفة تخللها قيام التنظيم بتفجير عربتين ما دفع الجيش السوري، والقوى التي تؤازره، للانسحاب نحو مناطق أخرى، كصدد القريبة، ليعلن التنظيم سيطرته على المدينة التي يعيش فيها نحو 30 ألف مدني، والتي تبعد عن القريتين نحو 10 كيلومترات.
وقال مصدر ميداني، إن الهجوم العنيف الذي شنه «داعش» على قرية مهين تمّ من محاور عدة، تحركت خلالها «خلايا نائمة» تابعة للتنظيم داخل القرية، بالتوازي مع قصف عنيف على مواقع الجيش السوري، في حين تسببت الاشتباكات القريبة بتحييد سلاح الجو، لينتهي الأمر بانسحاب قوات الجيش وسيطرة التنظيم على القرية، وعلى مخزن صغير للأسلحة. وبسيطرة «داعش» على مهين يصبح الطريق مفتوحاً أمام التنظيم نحو قرية صدد ذات الغالبية المسيحية.
وفي شرق البلاد، قال مصدر ميداني إن «قوات سوريا الديموقراطية»، التي يمثل الأكراد أكثر من 90 في المئة من قوامها وتشارك فيها بعض القوى الآشورية والعربية، تمكّنت، تحت غطاء جوي أميركي، من التقدم نحو قرية الهول المحاذية للحدود العراقية شرق مدينة الحسكة. وبيّن المصدر أن القوات الكردية تمكّنت من السيطرة على الشريط الحدودي مع العراق، وتمّ تشكيل «كماشة» تحيط بمواقع سيطرة التنظيم. وقال مصدر كردي، إن الهجوم جاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة التي قامت برمي نحو 50 طناً من الأسلحة للوحدات الكردية، وتقوم بتأمين غطاء جوي لتحركها.
وفي شمال البلاد، بدأت فصائل «تركمانية» شن هجمات على مواقع «داعش» في بعض المناطق الحدودية مع تركيا في ريف حلب الشمالي تحت غطاء جوي تركي. وبيّن مصدر معارض أن الفصائل التركمانية («ألوية السلطان مراد»، «لواء السلطان محمد الفاتح» وغيرهما) شنت هجوماً على مواقع التنظيم في قريتي دلحة وحرجلة المحاذيتين للحدود التركية. وعلى الرغم من أن التدخل التركي جاء تحت عباءة «التحالف» الذي تقوده الولايات المتحدة، إلا أن مصدراً معارضاً أكد، أن تركيا قامت بالتنسيق مع الفصائل التركمانية التي تعتبرها امتداداً لها داخل سوريا، وذلك بعد نحو شهر على إدخال مئات المقاتلين التركمان من تركيا إلى الداخل السوري، وتسليم «جبهة النصرة» حواجزها للفصائل التركمانية، الأمر الذي يمهد لتمدّد «تركماني» تحت غطاء ومساندة تركيا شمال البلاد.
وفي شمال البلاد أيضاً، وتحديداً في ريف حلب الجنوبي، حقق الجيش السوري تقدماً ملحوظاً خلال اليومين الماضيين، بعد توقف دام نحو خمسة أيام جراء سيطرة «داعش» و«جبهة النصرة» على طريق خناصر الذي يربط حلب ببقية المحافظات السورية. وذكر مصدر عسكري أن قوات الجيش السوري سيطرت خلال اليومين الماضيين على نحو 10 قرى ونقاط مهمة خلال عملية تأمين الريف الجنوبي الغربي للمدينة، والذي يساهم بتأمين طريق حلب - دمشق الدولي.
كذلك، تابعت قوات الجيش السوري تأمين طريق خناصر، وذلك بعد أن تمكّنت من امتصاص الهجوم العنيف الذي شنته «جبهة النصرة» و «داعش»، وشاركت فيه «حركة أحرار الشام» في منطقة الشيخ سعيد، حيث تمكنت، بإسناد جوي روسي، من استعادة معظم أجزاء الطريق من جهتي ريف حماه وحلب، وقامت بتدعيم مراكزها قرب نقاط الاشتباك المتبقية، والتي لا تتجاوز السبعة كيلومترات في منطقة صحراوية مكشوفة في المنطقة الواقعة بين أثريا وخناصر. وذكر مصدر عسكري أن العوامل الجوية والأمطار الغزيرة التي تشهدها المنطقة تسببت بتأخير استعادة الطريق وتأمينه، بعد أن تسببت عاصفة رملية بتأخيرها الأسبوع الماضي، مشدداً على أن «الجيش يضع في الوقت الحالي لمساته الأخيرة لإعادة افتتاح الطريق نحو حلب».
وفي ريف حماه الشمالي، تمكنت قوات الجيش السوري من امتصاص الهجوم العنيف الذي شنّه مسلحو «جيش الفتح» على محور تل سكيك وبلدة سكيك، في حين قامت قوات الجيش السوري بتعزيز مواقعها في قرية مورك بالتزامن مع استمرار الطلعات الجوية لسلاح الجو الروسي على هذا المحور.
وفي ريف اللاذقية الشمالي، تمكّن الجيش السوري من تحقيق خرق كبير، عبر سيطرته على قرية ومرتفعات غمام الاستراتيجيتين قرب الحدود التركية. وتشكل سيطرة قوات الجيش السوري على غمام ومرتفعاتها نقطة تحول استراتيجية في معارك الريف الشمالي بسبب طبيعة المنطقة وتضاريسها الصعبة، إضافة إلى كونها تشكل أحد أبرز معاقل الفصائل المتشدّدة التي تقاتل في ريف اللاذقية الشمالي، كما تشكل النقطة التي تقوم الفصائل المتشددة منها باستهداف مدينة اللاذقية بالصواريخ بين حين وآخر، الأمر الذي يزيد من تحصين مدينة اللاذقية ويفتح الباب نحو تقدم جديد للقوات السورية في الريف المحاذي للحدود التركية.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد