ديموقراطية... برغر
الديموقراطية ممارسة وثقافة ومن لم يتسن له ذلك يعتبرها لعبة، العرب رغم ولعهم بالوجبات الثقيلة يرون أن وجبة الديموقراطية ويمكن تحضيرها بدقائق ومن دون شيف.
في معرض انتقاده للمظاهرات السلمية التي نظمتها النقابات المهنية والاتحادات الطلابية الفرنسية ضد قانون العمل قال الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ـ في خطاب ألقاه في نيس بتاريخ 26 آذار 2016 ـ «إننا لا نستطيع أن نقبل أن يتظاهر أصحاب الرؤوس الفارغة في «ساحة الجمهورية» ليلقنوننا دروسا في الديموقراطية الفرنسية». إحدى دلالات موقف ساركوزي هذا هو انه يؤكد أن الغرب يؤمن انه ثمة ديموقراطية «مُعدّة للاستهلاك المحلي» وممارستها مشروطة بامتلاك المعرفة السياسية، مقابل ديموقراطية «مُعدّة للتصدير» والتي حظيت بكل أشكال الدعم (كلها) من جانب ساركوزي وزعماء الغرب قاطبة إبان موجة الربيع العربي فهؤلاء ساندوا كل من نزل إلى الميادين بغضّ النظر عن سوية المعرفة السياسية لديهم طالما أنهم سيأخذون بلادهم ـ عن علم أو عن جهل ـ إلى الدرك الذي طالما حلم الغرب بأخذه إليه، ولما تحقق ذلك في بعض الدول بدأنا نتساءل ما إذا كانت الشعوب العربية تستحق الديموقراطية. في الواقع، هذا السؤال يبدو مشروعا من منطلق أن النتائج الأولية للتجربة الديموقراطية لبعض الدول التي اجتاحها «الربيع العربي» جاءت لتؤكد حقيقة مفادها أنَّ صناديق الاقتراع يُمكن لها أن تأتي بحكّام لا يقلون سوءاً عن أولئك الذين يأتون عبر صناديق الذخيرة، وكما يمكن لها جرّ البلاد إلى أوضاع موجعة تجعل أهلها يعيشون حالة من الحنين إلى أزمنة وصفت بأنها قمعية، والسبب في ذلك يعود برأينا إلى أنَّ النسخة العربية للديموقراطية جرى اختصارها بممارسة الحقوق السياسية بعيدا عن توافر ثقافة ممارستها والتي تُكتسب تراكميا وعبر برامج شاملة تتبناها الدولة التي ترى في الديموقراطية حاجةً لا ترفاً، من هنا كان بديهيا أن الشريحة الواسعة من الجماهير «الربيعية» اندفعت إلى صناديق الاقتراع وهي تعرف ما تريد، لكنها كانت تجهل الوسائل التي تمكّنها من تحقيقه وذلك لأسباب عديدة منها أن الأنظمة الراحلة قد عاملتها وفقا لوصفة نيتشه الذي يرى «أن الجماهير لا تستحق الاهتمام إلا بوصفها نسخة مشوهة عن الرجال العظام، كمقاومة يصطدم بها الرجال العظام، كوسيلة يستخدمها الرجال لتحقيق غاياتهم، وماعدا ذلك فهو من شأن الشيطان أو الإحصاء»، وبالنتيجة مارست هذه الجماهير حق الاقتراع إما بدافع ديني أو بدافع الرغبة بالتغيير أو التجريب بعيدا عن ثقافة الحكم الرشيد التي تحصّن حامليها من أن يحكمهم الطغاة أو الجهلة، فالفارق بين ناخب تربى على ثقافة الحكم الرشيد وآخر تربى على الخضوع الأعمى لعقيدة الانتماء الحزبي أو الإثني أو الديني أو الطائفي هو تماما كالفارق بين من يتداوى بسم الأفعى عبر تناوله من قارورة دواء، وبين ذاك الذي يحقنه مباشرة من أنياب الأفاعي.
وبالنتيجة، وبدلا من أن يُخلّف الاحتكام إلى صناديق الاقتراع رابحين وخاسرين فقد خلق منتصرين ومهزومين، وأدى الكباش بينهما إلى خروج السلاح، مترافقا مع تحرر وحوش الطائفية من قمقمها، متبوعا بدعوات التقسيم، الأمر الذي خلق بيئة خصبة لاستفحال الإرهاب.
الكباش
أحد أسباب هذا الكباش يعود برأينا إلى أن المهزوم رأى في الديموقراطية وسيلة لممارسة الإقصاء ضده، على حين رأى فيها المنتصر أداة للقيام بكل ما يحلو له طالما انه يتمتع بالشرعية التي حصّلها من صندوق الاقتراع، ظاهريا كان الطرفان على حق، ولكن فاتهما أمرين: الأول هو أن الإقصاء الذي تنتجه صناديق الاقتراع إنما هو إقصاء توافقي، بمعنى أن الفرقاء الذين قبلوا بـ «اللعبة الديموقراطية» يفترض أنهم قبلوا سلفاً بالنتائج التي ستحملها تلك صناديق، هذا القبول هو حكر على العقول التي تربت على الفهم المؤسساتي لمبدأ تداول السلطة، أما الأمر الثاني فهو أن الشرعية التي يحصّلها الرابح من صناديق الاقتراع ـ بوصفها الإطار الشكلاني للديموقراطية ـ هي شرعية ناقصة ولا تكتمل إلا عبر ممارسته الحكم بطريقة تجسد القيم والمصالح المشتركة لكل الشعب وليس فقط لناخبيه، ومن خلال الإحجام عن التعاطي مع مؤسسات الدولة على أنها على»ملك اليمين» وهنا كانت مأساة الرئيس محمد مرسي.
يُعرَف عن الغرب ولَعه بالوجبات السريعة، أما العرب فهم مشهورون بالوجبات الثقيلة والتي يحتاج تحضيرها إلى الكثير من الوقت باستثناء «وجبة الديموقراطية» حيث ثبت أن العرب قادرون على «طبخها» في خمسة أيام ومن دون «شيف» وذلك لدواعي التهام السلطة «كوجبة سريعة»... إنها «الديموقراطية برغر» والأكّيلة كتار!
عصام التكروري: السفير
إضافة تعليق جديد